لا ، بل طلبتُ من أمّي أن تواصل السؤال عنها لاكتشافها أكثر والتعرّف على صفاتها بشكل أوسع ، كان ظاهر السؤال الرغبة في التأكد من الصلاحيّة ، ولكن الغرض منه في حقيقة الأمر كان الاستمتاع بالاستماع إلى خلالها التي لولا ثبوت قطعيتها في متون كثيرة جاءت بأسانيد مختلفة كلها ترقى إلى درجة الصحيح لقلت أن في المتن علّة أو شذوذاً .
ريّان : أظنّ أننا نتحدّث عن رؤاك لا مصطلح الحديث !
إياس : وهذا إشكال بحد ذاته .. أتصدق أننا نحتاج في أمور حياتنا المصيرية منها وحتى غير المصيرية إلى استخدام بعض آليّات علم المصطلح خصوصاً في تلقي الأخبار والوقائع وبالأخص تلك التي تمس أخلاقيّات الناس وأعراضهم وصفاتهم ، كثيرٌ من الناس لا يبالون أقالوا في غيرهم خيراً أوشراً مستبسطين الأمر لأنه - في رأيهم - لا يعدو أن يكون سوى حديث مجالس ، ونسوا أن ديننا رتب أحكاماً وحدوداً على تلك الكلمات الجائرة .. سواءاً أكان جورها على المتلقّي حين يسمع ثناءاً على من لا يستحق .. أم كان جورها على المتحدَّث عنه حين يوصف بما ليس فيه من سوء .
ريّان : صدقت .. وما الذي حدث بعد ذلك ؟
إياس : كانت " رؤى " في عيني سابقاً أشبه ما تكون بقطعة اكسسوارة عادية سأقتنيها من بائع ذهب متخصص ، فهي وإن لم تكن ذهباً فستلقى عناية أرباب الذهب وستكتسب من الذهب بعض البريق ؛ يكفي أنني اقتنيتها من بين قطع ذهبية ، ولكن بعد تقارير أمي التي كانت تخبرني بها عنها بين فترة وأخرى أصبحت " رؤى " في عيني كألماسة مصقولة ذات بريق وشعاع آسر .. يسلب اللب ويسرق العين حتى من تلك القطع الذهبية التي اتكأت عليها بثقة .
صرتُ أراها في كل مكان وأتخيّلها أمامي أينما سرتُ واتجهتُ ، وكلّما رأيتُ امرأة محتشمة قد أحسنت الاستتار بعباءتها ظننتها هي ، صحيح أني أصرف عيني عنها مباشرة لكني أحس بشعور غريب بداخلي يؤزني إلى أنها هي ، حتى تلك الفتاة التي التقيتها فجأة ولمرة واحدة عند باب المؤسسة التي أعمل بها لم تسلم من ظنّي هذا !
وهكذا بقيتُ طول تلك الإجازة أعمل في الصباح وحتى الظهيرة ، ثم إذا عُدتُ إلى بيتنا بدأت أسألُ أمي وأفكّر في تلك الـ " رؤى " ، في تلك الثلاثة الأشهر فعلتُ مع " رؤى " - في خيالي طبعاً - كل شيء ، زُرنا كل مطاعم المدينة الراقية ، وتضاحكنا على مائدة الطعام ، وسافرنا إلى تلك الدول البعيدة هناك ، حتى تلك التفاصيل الصغيرة الدقيقة التي يعيشها اثنان متحابان .. كالوقوف عند محل لبيع العصيرات الطازجة لنزهة على الطريق أو شراء قالب من الأيسكريم لتبريد الأجواء الساخنة أو ارتشاف كوب قهوة أمام شاطيء البحر .. كل تلك التفاصيل الهامشية لم أنسها ، عشتها كل في خيالي .
وبعد العودة إلى الدراسة بأسبوع .. أخبرتني والدتي أنها ستخطب لي " رؤى " عن قناعة منها وأنها معجبة بها ، سعدتُ بموقف أمي .. فقد كنتُ أستحيي أن أطلب منها ذلك .. لكني طلبتُ منها أن تتمهّل قليلاً ولا تعجل في الخطبة ، كنتُ أخشى بعد تلك الأحلام أن أرد كما ردني من هم قبلها ، لم أكن متأثراً كثيراً بما مضى بقدر خشيتي من التأثر هذه المرة ، ففي المرّات السابقة كنت لا أعلم عن الفتاة إلا اسمها فقط وأترك لوالدتي البحث عمّا يناسبني مع بعض الشروط ، أمّا " رؤى " فقد عشتها وتشّربها قلبي ، لذا استسمحتُ والدتي أن تنتظر حتى يأتي رمضان - وكان قد بقي عليه شهران - فأنا أودّ أن أسأل ربي وأطلبه أن لا يصرفني عنها ولا يحرمني منها في عمرة في العشر الأواخر !
ريّان : كل الأمور تسير في صالحك حتى الآن قبلت بها والدتك عن قناعة .. وها أنت تنتظر رمضان لتسأل الله الإعانة والتوفيق .. وقبل ذلك وبعده أنك اكتشفتها جيداً وعلمتَ أنها قريبة منك ومن قلبك كثيراً .
إياس : بل وأكثر من ذلك .. لن تصدق لو قلت لك أن " رؤى " كانت قريبـة مني كثيراً وأنا لا أشعر ، بل كانت أقرب إلي حتى من والدتي التي ألقاها في بيتنا كل يوم في الغداء والعشاء