الوضوء مقدمة الصلاة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"، فالعلماء حكموا على الوضوء تارة يكون واجبًا، وتارة يكون مستحبًا، الواجب أن تؤدي الصلاة في وضوء، أن تغتسل من الجنابة، وهذا هو الواجب، والمستحب أن تكون على وضوء دائمًا، تتوضأ عند نومك، عند سفرك، تتوضأ في الضحى وتصلي ما كُتب لك، هذا من المحافظة على الوضوء وليس واجبًا بل هو مستحب، فإذا لقي الله -عز وجل- يكون في أحسن أحواله، نسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعلكم ممن يعنَوْنَ بطهارة الباطن والظاهر.
حفظ البطن وحفظ الرأس، يقول -عليه الصلاة والسلام- في حديث أحمد الصحيح: "الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى". حديث صحيح.
من يستطيع أن يحفظ رأسه وبطنه؟! إنه تحدٍّ كبير، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "من يحفظ ما بين فكيه -وفي رواية لحييه- وما بين رجليه دخل الجنة".
من يستطيع أن يحفظ ما بين فكيه؟! أن يحبس هذا اللسان، الذي قال الصديق قديمًا: "ما رأيت أحق بطول سجن من هذا اللسان". أحسن سجن هذا، سجن مبارك.
يقول -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة الثابت عن مسلم: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت". إذا ما قدرت أن تقول خيرًا فالله يعذرك، احفظ ما بين فكيك من الغيبة، من النميمة، من السخرية، من الكلام الفارغ الذي يولد المهالك، وقديمًا قال -صلى الله عليه وسلم-: "وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفًا".
وعندما سأل معاذ أعلم الناس بالحلال والحرام عن أصول الإسلام سأل عن أشياء كثيرة، ثم أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يودعه بوصية جامعة، قال: "أنا أخبرك بملاك ذلك كله"، فقال: بلى يا رسول الله، قال: "كف عليك هذا"، وفي رواية: "أمسك عليك هذا"، قال: أو نحن مأخوذون بما نتكلم به يا رسول الله؟! معاذ يسأل هذا السؤال، قال: "ثكلتك أمك يا معاذ"، يعني هلكت إن كنت لا تعرف هذا المعني، فقال: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". نعوذ بالله.
من يحفظ لي ما بين فكيه وما بين رجليه دخل الجنة: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) [المؤمنون: 5]، نفس السياق، سياق سورة المؤمنون التي هي خاصة بالمؤمنين، الإيمان ليس شعار، ليس المؤمن عبد الله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ -من هم يا ربي- الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المؤمنون: 1، 2]، (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون: 5، 6].
إذًا ملومون في اللواط، في الزنا، في السحاق، في العادة السرية، هكذا علماء السنة، علماء الفقه، علماء الشريعة، وليس علماء الفضائيات، وليس كلهم في سلة واحدة، علماء السنة، علماء القرآن يقولون: كل من تعدى هذا المطلب الشرعي فهو معتدٍ: (فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون: 7].
احفظ فرجك، لذلك قال -سبحانه وتعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور: 30]، ليتك تحفظ فرجك وتغض بصرك، لا تحفظ mbc عندك الله يحفظك، الملابس الساخنة والقبلات الساخنة، أنت مخطئ، الله يقول: أنت مخطئ، والواقع والعقل يقول كذلك، أغلق هذا البصر عن مواقع النت الخبيثة والمواقع ال*****ة، وأبشر بسكون الشهوات: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).
إذًا حفظ الفرج، حفظ اللسان، وحفظ البصر، وحفظ السمع، كل ذلك داخل في حفظ الله، مجمع الحواس، مجمع منافذ المعرفة، طل على القرآن، لا تطل على الفحشاء والمنكر، اسمع الكلام الطيب قبل أن تقول لو كنا نسمع الكلام الطيب ما كنا في أصحاب السعير: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].
حفظ اليمين: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) [المائدة: 89]، الحديث عن اليمين يطول، ويحتاج إلى خطبة كاملة، وأسوأ اليمين ما فيه أخذ حق المسلمين، وما به كذب على رب العالمين، وهذا تعريف اليمين الغموس عند العلماء، الذي يؤخذ به الحقوق أو الذي يُكذب به على الله، يكذب ثم يحلف، والله صار كذا وما صار، ما أجرأ هؤلاء على الله!! يمين غموس تغمسهم في الإثم، تغمسهم في جهنم، اليمين الغموس غير الحلف على شيء مستقبل، والله إن حصل كذا لتأكلن ذبيحة، وهكذا، فهذا إن قام بها وإلا كفّر عن يمينه وانتهى الموضوع، لكن اليمين الغموس لا ينفع معها ألف كفارة ولا مليون كفارة؛ لأنه حلف على خلاف الواقع، تحتاج إلى توبة صادقة، فما إلا أن تقطع قلوبهم التوبة، تقطعها التوبة، يشعر بعظمة الجريمة كيف يحلف على كذب!!
(وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ): مِنْ حِفْظ اليمين أن لا تحلف بكذب في قضية لا تحلف إلا في الحقوق، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر".
يقول: أنا أرفع الظلم عن نفسي، أنا أرفع الاتهام، أنا مضطر أحلف، هذا يدل على رقة الديانة، لا تعرض بالله إلا في أشياء توجب ذلك من تعظيم الله، من تعظيم شعائر الله، من تعظيم الأيمان.
(وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ): وقال عنهم: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) نعوذ بالله من الحلف الكذب.
نسأله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظنا وإياكم بحفظه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.