الأمن والاستقرار الاقتصادى
وكان تقديرى للموقف عند دخولى وزارة المالية لأول مرة بعد تشكيل عصام شرف حكومته الثانية، يقوم على العناصر الآتية:
هذه حكومة انتقالية للعبور بمصر إلى مرحلة سياسية جديدة، وإن مسئوليتها هى تحقيق هذا الانتقال بشكل هادئ ومنظم، وإزالة أو التخفيف من المخاطر التى قد تهدد النظام الجديد القادم.
إن الشرط الأول للاستقرار والقدرة على التمهيد للنظام القادم هو ضرورة توفير الأمن للمواطن فى حياته وحقوقه الأساسية وأمواله، والأكثر أهمية هو توفير الشعور بالأمن.
كما أن هناك حاجة إلى توفير قدر من الوضوح حول شكل النظام السياسى القادم. وهذا أمر ضرورى لاستعادة الاستقرار الاقتصادى. فلا يكفى توفير الأمن والاستقرار فى الحاضر إذا كان المستقبل ملغما بالغموض. فالاقتصاد هو تعامل مع المستقبل، وما لم يكن هذا المستقبل واضحا أو قابلا للتخمين، فالغالب أن تتوقف القرارات الاقتصادية لحين وضوح الصورة. فالاقتصاد، والاستثمار بشكل خاص، يستطيع أن يتعايش مع كل الظروف باستثناء عدم اليقين. فالالتباس وعدم اليقين هما أخطر أعداء الاقتصاد.
وأخيرا وليس آخرا، هناك ضرورة حماية الاقتصاد الوطنى من آثار المستجدات التى طرأت على الساحة، وترتب التهديد باختناق الاقتصاد نتيجة لجفاف بعض الموارد المالية مثل إيرادات السياحة أو عزوف الاستثمارات الخارجية، أو هجرة التوظيفات المالية فى الأسواق المالية، بالإضافة إلى الضغوط المالية الجديدة على الخزانة مع الزيادات فى المرتبات والمعاشات والاستجابة إلى العديد من المطالب الفئوية، فضلا عن توقف الإنتاج فى بعض القطاعات نتيجة للإضرابات والاعتصامات. هذه وغيرها، أوضاع أدت إلى ضغوط مالية شديدة يمكن أن تترتب عليها آثار وخيمة على مستقبل الاقتصاد القومى.
وإزاء هذا التوصيف العام والسريع للأوضاع، فقد انتهيت إلى أن مهمتى الأساسية سوف تتركز على النقطة الأخيرة عن ضرورة الإسعاف السريع للاقتصاد. فالأمن هو مسئولية الحكومة مجتمعة ووزير الداخلية بوجه خاص، ومستقبل النظام السياسى هو مسئولية المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة مجتمعة فضلا عن مختلف القوى السياسية، أما حماية الاقتصاد الوطنى وضمان الاستقرار للمؤسسات المالية والاقتصادية، فهو المسئولية الأولى لنائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية ووزير المالية. ولكل ذلك فقد حرصت على ضرورة التفكير فى عدد محدود من القضايا الملحة التى ينبغى البدء بها لإعطاء المؤشرات المناسبة لتأكيد حرص الحكومة على استعادة الاستقرار الاقتصادى، وأن تكون الإجراءات المعلنة واضحة ومحددة وليست مجرد كلمات فضفاضة، بل لابد أن ترتبط بإنجازات محددة وملموسة على الأرض، وألا تقتصر آثارها على ما يتحقق لها من نتائج مباشرة، بل بما تتضمنه أيضا من رسائل وإشارات للمجتمع فى الداخل والخارج.