عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 09-01-2012, 03:44 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

كيف أحيينا فكرة الاقتراض من صندوق النقد؟

فى ضوء قراءتى لأوضاع الموازنة العامة، وما لاحظته من استمرار التناقص فى الاحتياطات الدولية مع بطء الاستجابة من الدول العربية لتفعيل مبادراتهما لمساعدة مصر، أيقنت أن ضرورة البحث عن موارد مالية سائلة من المؤسسات المالية لم يعد أمرا عاجلا فقط، بل أضحى ملحّا أيضا.

وكان الأمر الأكثر سهولة هو الالتجاء إلى صندوق النقد العربى، الذى كنت أعمل به قبل التحاقى بالوزارة. وصندوق النقد العربى هو النسخة الإقليمية من صندوق النقد الدولى، وما يميزه عن الصندوق الدولى هو أنه يحصر عمله فى الوطن العربى، ولكنه يتبع ــ بشكل عام ــ الأساليب المتبعة فى صندوق النقد الدولى. ومصر ليست فقط دولة مؤسسة فى هذا الصندوق، بل إنها تمثل أكبر رابع مساهم فى رأسمال الصندوق العربى، بعد السعودية والجزائر والعراق. وبعد الحصول على موافقة مجلس الوزراء، تم الاتصال بالصندوق العربى للنظر فى تقديم تسهيلات لمصر فى ضوء الظروف القائمة، وأن يكون ذلك فى حدود الحصة القصوى المتاحة لمصر. وقد استجاب الصندوق العربى لهذا الطلب، وأرسل فورا بعثة إلى مصر لدراسة الوضع المالى وتقديم توصيات لإدارة الصندوق. وبالفعل قدمت البعثة توصياتها لإدارة الصندوق بمنح مصر تسهيلات فى حدود 470 مليون دولار، منها 200 مليون دولار من خلال القرض التلقائى الذى تم تنفيذه، وتم توقيع العقد بشأنه، وحولت المبالغ إلى مصر، والباقى تمت الموافقة عليه خلال شهر ديسمبر، وقد تم توقيعه هو الآخر (26 سبتمبر). ويعتبر هذا القرض لمصر أكبر قرض يقدمه صندوق النقد العربى لإحدى الدول الأعضاء.

والآن، فماذا عن صندوق النقد الدولى؟ وكانت المشكلة هى كيفية إعادة طرح موضوع القرض من صندوق النقد الدولى على الساحة، بعد أن تم رفض التسهيلات التى اتفق عليها فى يونيو الماضى مع هذا الصندوق. ولذلك بدأت فى التمهيد لهذا التغيير على المستويين الرسمى والشعبى. ففى جميع تصريحاتى الصحفية، أكدت أننا فى مصر نتحدث بقلب مفتوح مع جميع المؤسسات المالية، وليس لنا موقف إيديولوجى تجاه الاقتراض، وأن العبرة هى بمدى مناسبة القروض لظروف الاقتصاد المصرى. فالقرض قد يكون مفيدا أو ضارّا حسب الظروف. كذلك حرصت فى اجتماعات مجلس الوزراء، وكذلك مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على التأكيد بأن المشكلة الحالية لمصر هى مشكلة سيولة. وأن هذا الأمر هو الأكثر إلحاحا الآن، وينبغى الا نترك بابا دون أن نحاول أن نفتحه علاجا لهذه المشكلة الوقتية، والتى قد يؤدى إهمالها إلى أوضاع مؤلمة لسنا فى حاجة إليها. بل إننى ذهبت إلى أن مجرد التوقيع على اتفاق مع الصندوق الدولى، دون سحب القرض، سوف يعطى الاقتصاد المصرى نوعا من المناعة؛ لأنه يؤكد للعالم ثقة المؤسسات المالية الدولية فى الأوضاع الاقتصادية فى مصر، فضلا عن أن مجرد التوقيع يعنى أن الأموال يمكن أن تكون تحت تصرفنا فى الوقت الذى نحدده نحن. وذكرت ــ فى هذا الصدد ــ أن التسهيلات المعروضة من الصندوق، ويطلق عليها التسهيلات المتاحة Stand ــ By، هى مجرد تسهيلات متاحة، أى أنه ليس من الضرورى سحبها بالكامل. ولمصر تجربة فى هذا الصدد. فقد عقدت مصر اتفاقات مماثلة مع الصندوق فى سنوات 1991، وفى 1993، وأخيرا فى 1996. وعلى حين سحبت مصر 63% من هذه التسهيلات فى الاتفاق الأول، فإنها لم تسحب أى مبالغ من التسهيلات فى الاتفاقين التاليين. ولذلك فإن توقيع الاتفاق مع الصندوق قد يفيد ولا يضر، وذلك بطبيعة الأحوال إذا كانت الشروط مناسبة.

وبدأت أشعر أن هناك نوعا من التفهم، إن لم يكن القبول الضمنى، ولكنى لم أحصل حتى ذلك الوقت، على أى موافقة صريحة على المضى قدما لفتح الباب أمام طلب قرض جديد من صندوق النقد الدولى.

وفى ذلك الوقت، كنا نعتمد فى مصر على إصدار أذونات الخزانة بالجنيه المصرى لمواجهة عجز الموازنة، وكانت البنوك المصرية تكتب فى هذه الأذون، بعد أن انسحبت معظم البنوك والمؤسسات الأجنبية من التقدم لمناقصات هذه الأذون. ومع ذلك استمرت بعض هذه المؤسسات الأجنبية فى الاحتفاظ بما لديها مع عدم بيعها فى السوق قبل موعد استحقاقها؛ مما ساعد على عدم التأثير بشدة فى أسعار الفائدة. وقد توقع البنك المركزى أن معظم هذه المؤسسات الأجنبية سوف تحتفظ بهذه الأذون فقط حتى موعد استحقاقها، ثم تنسحب من السوق. وقد تحقق هذا التوقع إلى حد بعيد. وعندما دخلت الوزارة، كانت أسعار الفائدة تزيد قليلا على 13%، ثم ارتفعت عندما تركته الحكومة إلى ما يجاوز 15%. واستمر الاتجاه فى التزايد مع نقص السيولة لدى البنوك واضطرار بعضها إلى خصم أو بيع ما لديها من أذون لدى البنك المركزى للحصول على سيولة. وكان من الواضح أن استمرار الاعتماد على أذون الخزانة من شأنه ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالى زيادة الضغط على الموازنة بارتفاع تكلفة خدمة الدين، فضلا عن مزاحمة القطاع الخاص للحصول على التمويل اللازم من البنوك، والتى بدأت تواجه صعوبات فى السيولة لديها.

وفى خلال هذه الفترة، حرصت على التأكيد فى كل مناسبة على أنه من مصلحتنا أن نفتح جميع الأبواب الممكنة، وألا نوصد أى باب بما فى ذلك باب صندوق النقد الدولى. وكان موقف محافظ البنك المركزى داعما بقوة لهذا الاتجاه، وكثيرا ما تحدث، بإصرار، على ضرورة معاودة إحياء فكرة الاقتراض من صندوق النقد الدولى، وأن هذا من شأنه التخفيف من الضغط على ميزان المدفوعات. وبرغم أننى لم أواجه رفضا قاطعا من أى من المسئولين، فلم يحدث أن صدرت موافقة صريحة فى ذلك الوقت. وقبل سفرى إلى واشنطن لحضور اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين فى 21 سبتمبر، أوضحت للسيد رئيس الوزراء أننى لن أوصد بابا، وسوف أؤكد أن مصر ستتحدث مع المؤسسات المالية الدولية بقلب مفتوح، وأن كل شىء رهن بما يحقق مصالح مصر.

وفى واشنطن، استقبل كل من رئيس البنك الدولى والمديرة العامة لصندوق النقد الدولى الوفد المصرى بكل ترحاب، وخصص رئيس البنك الدولى جلسة خاصة استمرت لما يقرب من الساعة، أكد فيها اهتمام البنك بتقديم كل أشكال الدعم للاقتصاد المصرى، وأنه يتفهم كل الاعتبارات التى يمكن أن يبديها الوفد المصرى. وبالمثل فإن المديرة العامة للصندوق الدولى ذكرت كلاما شبيها، وإن الصندوق على استعداد دائم لتقديم تسهيلات لمصر إذا رأت مصر ذلك. وفى ردى عليهما فى هذين الاجتماعين، أكدت أن الاقتصاد الحقيقى ما زال متماسكا فى مصر، وأن الإمكانات كبيرة للمستقبل، وأن ما تواجهه مصر حاليا هو أزمة سيولة طارئة لأسباب معروفة، وأن مصر متمسكة باقتصاد السوق واحترام القانون وحماية الحقوق والحريات، مع مزيد من الاهتمام بالطبقات المحرومة وتوفير الظروف والأوضاع اللازمة لتحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية. وبالنسبة إلى الاجتماع مع المسئولين فى الصندوق، أكدت أننا نأتى بقلب مفتوح، وأننا على استعداد لمناقشة صور التعاون كافة. كذلك تم الاتفاق على إرسال بعثة من الصندوق فى إطار عملها الروتينى فى التشاور والنظر فى احتمالات المستقبل، مع التأكيد على أنه فى حالة إعادة فتح موضوع قرض الصندوق فإن مصر لن تقبل أى شروط، وأن يكون القرض الجديد غير مخالف لما تم الاتفاق عليه. ووجدت استجابة من إدارة الصندوق لهذه الأفكار.

وفى أثناء وجودى فى واشنطن، جاءنى اتصال تليفونى من الدكتورة نجلاء الأهوانى، مستشار رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية؛ لإفادتى بصدور حكم من مجلس الدولة بإبطال عقود بيع بعض الشركات التى تم خصخصتها، وتم التصرف فى العديد من أصولها لمشترين جدد، وأبلغتنى أن رئيس الوزراء يطلب رأيى فى الموضوع. فقلت لها إن موقف مصر الثابت هو الأخذ باقتصاد السوق واحترام حقوق المستثمرين وعدم المساس بها. لكننا كدولة قانون علينا أن نحترم أيضا أحكام القضاء. ومع ذلك، فإن صدور أحكام من القضاء لا يمنع من استنفاد كل مراحل التقاضى، وإن الغرض من وجود أكثر من درجة للقضاء هو تحقيق العدالة وضمان تنفيذ حكم القانون على الوجه الأكمل، وإن وجود درجات التقاضى العليا يقصد بها توفير الاستقرار القانونى. ولذلك فإننى أقترح، مع احترام حكم المحكمة، أن تقوم الحكومة بالطعن فى الحكم أمام المحكمة الإدارية لعليا.

وفى طريق عودتى، أمضيت نصف يوم فى نيويورك، حيث أعدت لى حلقة نقاشية مع عدد من رجال بنوك الاستثمار، والمؤسسات المالية؛ حيث كان المحور الرئيسى هو التساؤل عن الأوضاع الاقتصادية فى مصر. وكان من الطبيعى أن أؤكد استمرار مصر فى الأخذ بنظام اقتصاد السوق، وأحكام دولة القانون، وحماية الحقوق والحريات. وبطبيعة الأحوال، طرح موضوع الحكم القضائى سابق الإشارة، ولم تخرج إجابتى عما سبق. كذلك سئلت عن موقف مصر من الاقتراض من المؤسسات المالية، وخاصة صندوق النقد الدولى. فأكدت من جديد أننا منفتحون وراغبون فى مناقشة كل الاقتراحات ودون أفكار مسبقة، وأن المعيار هو مدى تحقيق مصلحة مصر. كما أعدت التذكير بتماسك الاقتصاد الحقيقى فى مصر، وأن ما تمر به مصر حاليا هو أزمة سيولة، كما هو حال العديد من الدول فى تلك الفترة.

وبعد العودة من واشنطن، تم إبلاغ مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للقوات المسلحة بنتائج الزيارة، وأوضحت ما تم من حوار مع كل من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وأن الحاجة أصبحت ملحة لاتخاذ قرار واضح للبدء فى فتح باب المفاوضات مع صندوق النقد الدولى. وكان المشير طنطاوى قد طلب أن يقدم له الرأى بتوقيع من رئيس الوزراء ووزير المالية ومحافظ البنك المركزى فى هذا الشأن. فأعددت مذكرة توضح مبرر فتح باب المفاوضات مع صندوق النقد الدولى، ووقعها معى محافظ البنك المركزى، وعرضت على مجلس الوزراء فى 16 نوفمبر. وبعد المناقشة وتعدد الآراء، تم أخذ الأصوات (لأول مرة منذ دخولى الوزارة) فوافق على المذكرة بأغلبية 17 أو 18 من الحاضرين ــ على ما أذكر ــ وبذلك تمت الموافقة على اتخاذ الإجراءات لبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولى.
رد مع اقتباس