عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 10-01-2012, 10:32 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

( 14 )
البيعة

فى عرف الفقهاء و علماء الكلام و كتاب الفكر السياسى فى تراث العرب و المسلمين ، تعنى البيعة ذلك الإتفاق التعاقدى القائم غلى ركنين أساسيين :
1- ركن الإيجاب : و يتمثل فى " أهل الاختيار " ، أو " أهل الحل والعقد " ،و الذين ينوبون عن الأمة فى مبايعة المرشح للخلافة و الإمامة . كى يصبح بهذه البيعة خليفة و إماما .
2- و ركن القبول : و يتمثل فى ذلك المرشح للخلافة ، و الذى يصبح بهذه البيعة أميرا للمؤمنين .
و لقد عرفت الحياة العربية هذا المصطلح قبل قيام الخلافة عقب وفاة الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، فلقد كان واحدا من مصطلحات التجارة والبيع والشراء ، يعنى : صفقة اليد بين البائع والمشترى ، دلالة على الاتفاق على الصفقة .. و لازال معروفا فى الأسواق العامة العربية ، على هذا النحو ، حتى الآن .
و عندما نشأ نظام الخلافة ، و تبلور للعرب المسلمين فكر سياسى فى الإمامة ، أصبحت البيعة تعنى : صفقة اليد من المبايع - ( بكسر الياء ) – ليد الأمير الممدودة طلبا للمبايعة ، أى وضع اليد فى اليد ، دلالة و إعلانا على الاتفاق على صفقة " العقد الاجتماعى " بين ركنى و طرفى : الإيجاب والقبول .
و كانت البيعة تتم على مرحلتين – ( درجتين ) :-
الأولى : بيعة الخاصة .. و هم الذين عرفوا بـ ( أهل الحل والعقد ) و هى بمثابة " الترشيح " و التزكية و التمييز لشخص الإماما و الخليفة من بين الأقران الذين يرشحهم للمنصب توافر شروطه فيهم .
و الثانية : بيعة العامة .. و هم جمهور الأمة ، و تأتى بيعتهم عقب بيعة " الترشيح " التى يقوم بها ممثلوهم ( أهل الحل والعقد ) - . و لقد كانت دائرة " العامة " هؤلاء تتسع أو تضيق وفق العصر و الظروف والملابسات .. و لكنها وقفت عند جمهور العاصمة ، كمرحلة أولى ، ثم كانت بيعة جمهور عواصم الأقاليم أشبه ماتكون بيعة " الموافقة والتصديق " .
و لقد كانت بيعة السقيفة – سقيفة بنى ساعدة – بالمدينة المنورة ، عقب وفاة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، هى عقد التأسيس لنظام الخلافة و دولتها .. ففى 13 ربيع الأول سنة 11 هـ ( 8 حزيران – يونيو سنة 632 م ) رشح عمر بن الخطاب و أبو عبيدة بن الجراح : أبا بكر الصديق ، للخلافة ، و بايعه الحاضرون من زعماء الأوس و الخزرج ، البيعة الأولى ، ثم عقدت له فى اليوم التالى – بالمسجد ، البيعة الثانية ، بيعة العامة .. و استمر الحال على ذلك فيما بعد .
لكن تراث العرب المسلمين السياسى ، فى البيعة ، قد عرف قبل بيعة السقيفة عدة بيعات ، و منها ما كان بمثابة العقد الاجتماعى الذى تأسست به أول دولة للعرب المسلمين ..
ففى " العقبة " – و هى مكان على يسار الطريق الواصل بين مكة و منى – كانت لقاءات الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، مع زعماء عرب يثرب – ( المدينة ) – من الأوس و الخزرج ، و كانت مبايعتهم له على : الإيمان " بالدين " الجديد ، و التأسيس " للدولة " الجديدة .. و لقد تمت هذه اللقاءات فى مواسم الحج المتعاقبة ، بعد البعثة و قبيل الهجرة .. و من المؤرخين من يجعلها اثنتين ، و منهم من يعدها ثلاثا .. و هى – على الرأى الثانى :
بيعة العقبة الأولى : و كان المبايعون فيها من الخزرج فقط ، و عددهم ستة ، و هم : أبو أمامة أسعد بن ورارة ، و عوف بن الحارث بن رفاعة – ( ابن عفراء ) - ، و رافع ابن مالك بن العجلان ، و قطبة بن عامر بن حديدة ، و عقبة بن عامر بن نابى ، و جابر بن عبد الله بن رئاب .
و كانت بيعتهم على الايمان بالاسلام ، بعد أن عرضه عليهم الرسول و دعا اليه . و مما أعان هذا النفر من الخزرج على الاستجابة ، و أسرع بهم للبيعة ، ما كان بينهم و بين جيرانهم من يهود يثرب من صراعات ، و لم يكن لتأسيس " الدولة " مكان ملحوظ فى عقد هذه البيعة .
بيعة العقبة الثانية : و تمت فى موسم الحج الذى تلا البيعة الأولى .. و كان عدد المبايعين فيها اثنى عشر رجلا ، إثنين من الأوس و عشرة من الخزرج – منهم خمسة من الستة الذين عقدوا البيعة الأولى – و هم – من الخزرج - : أبو أمامة أسعد بن زرارة ، و عوف بن الحارث بن رفاعة – ( ابن عفراء ) - ، و رافع بن مالك بن العجلان ، و قطبة بن عامر بن حديدة ، و عقبة بن عامر بن نابى ، و معاذ بن الحارث بن رفاعة ، و ذكوان بن عبد القيس الزرفى ، و عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم ، و أبو عبد الرحمن بن يزيد بن ثعلبة البلوى ، و العباس بن عبادة ابن نضلة ، أما اللذان بايعا من الأوس فهما : أبو الهيثم بن التيهان ، و عويم بن ساعدة .
و لم يكن تأسيس الدولة – و لا القتال – ملحوظا فى عقد هذه البيعة أيضا ، و إنما كانت بيعتهم على أن : لا يشركوا بالله شيئا ، و لايسرقون ، و لايزنون ، و لاي***ون أولادهم – ( وأد البنات ) - ، و لا يأتون ببهتان ، و لايعصون الله فى معروف .
و عقب البيعة ، و عند عودتهم الى يثرب ، بعث معهم الرسول اثنين من أصحابه لتعليم القرآن و الدين و الدعوة اليه ، و هما : عبد الله بن أم مكتوم ، و مصعب بن عمير .
بيعة العقبة الثالثة : و كانت فى الموسم التالى لموسم البيعة الثانية ، و بعدها تمت هجرة الرسول من مكة الى المدينة .. و كان المبايعون فيها خمسة وسبعين ، منهم امرأتان .. و لقد مثل الأوس فى هذا العدد أربعة عشر ، و كان للخزرج الباقى ..
و فى عقد هذه البيعة و ضحت البنود الأساسية لتأسيس " الدولة الجديدة – الى جانب الايمان " بالدين الجديد " – فلقد اتفقوا على هجرة الرسول و أصحابه الى بلدهم ، و حمايته و منعه مما يمنعون عنه أنفسهم و نساءهم و أبناءهم ، و بايعوه على أن يحاربوا معه " الأسود و الأحمر " ، أى كل من يعاديه و يعتدى عليه و على دعوته فى موطنه الجديد .
و من هذا النفر ، الذين غدوا أشبه مايكونون " بالجمعية التأسيسية " للدولة العربية الاسلامية ، اختار الرسول اثنى عشر نقيبا ، و أصبحوا هم قادة الأنصار فى مجتمع المدينة المسلم ، تسعة من الخزرج ، و هم : أبو أمامة أسعد بن زرارة ، و سعد بن الربيع ، و عبد الله بن رواحة ، و رافع بن مالك بن العجلان ، و البراء بن معرور ، و عبد الله بن عمرو بن حرام ، و سعد بن عبادة بن دليم ، و المنذر بن عمرو بن خنيس ، و عبادة بن الصامت ... و ثلاثة من الأوس . هم : أسد بن حضير ، و سعد بن خشيمة بن الحارث ، و رفاعة بن عبد المنذر .
و المؤرخون الذين يجعلون " بيعة العقبة " بيعتين لا ثلاثا ، يسقطون من حسابهم الأولى ، و يجعلون الثانية هى الأولى ، و الثالثة هى الثانية .. وواضح للمتأمل على أنها . جميعا ، بيعة واحدة ، تمت على مراحل ، و تطورت بنود عقدها ، و نما محتواه حتى أصبح عقد تأسيس " دولة " ، بعد أن بدأ بالاستجابة و الاهتداء ، فقط ، الى الاسلام " كدين " ..
و غير بيعة تأسيس الدولة العربية الاسلامية الأولى ، و بيعة تأسيس دولة الخلافة الراشدة ، يذكر تراثنا و تاريخنا – بعد القرآن الكريم - :
بيعة الرضوان ( تحت الشجرة ) : و لقد تمت فى الحديبية – و هى قرية سميت باسم بئر – و بينها و بين مكة مسيرة يوم - .. و كان المسلمون قد خرجوا من المدينة الى مكة قاصدين العمرة فى ذى القعدة سنة 6 هـ ( مارس – ابريل سنة 628 م ) . فاعترضت قريش طريقهم ، و أبت السماح لهم بأداء شعائر العمرة فى بيت الله بمكة – و لم تكن قد فتحت – فأقام المسلمون بالحديبية ، و بعث الرسول الى قريش عثمان بن عفان ، مفاوضا فاحتجزته قريش ، و شاع أنهم ***وه ، فأعلن الرسول ، صلى الله عليه وسلم فى المسلمين : لانبرح حتى نناجز القوم .. و دعا الناس الى " البيعة " على القتال ، فتمت " البيعة " تحت شجرة هناك .. و المؤرخون مختلفون فى عدد المبايعيين يومئذ ، فمنهم من يقول انهم ألف و ثلثمائة ، و منهم من يجعلهم ألفا و خمسمائة و خمسة و عشرين .. الخ .. الخ .. و لقد أشار القرآن الكريم الى هذه البيعة عندما قال الله تعالى فيها : ( لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم مافى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم و أثابهم فتحا قريبا . ) – " الفتح : 18 " - .
و منذ ذلك التاريخ ، تأسيس الدولة العربية الاسلامية ، و تبلور التراث السياسى العربى الاسلامى ، اتخذ مصطلح البيعة تلك المعانى ، و استمر كذلك حتى الآن .
و لقد اتفقت كل فرق الاسلام ، باستثناء الشيعة ، على أن " البيعة " هى الطريق لتولى الخليفة و الامام السلطة العليا بالدولة .. أما الشيعة فانفردوا بجعل الإمامة شأنا سماويا ، أوصى به الله سبحانه الى نفر بذاتهم و عينهم بذواتهم لهذا المنصب ، و من ثم فلا مكان فيه للبيعة ، و لا رأى فيه للمبايعين .

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 10-01-2012 الساعة 11:42 PM
رد مع اقتباس