
16-01-2012, 10:09 PM
|
 |
عضو قدوة
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 1,250
معدل تقييم المستوى: 18
|
|
هو البرادعي فاكر نفسه مين؟
سلام عليكم ..
د.عز الدين شكري 
يكتب
هو فاكر نفسه مين؟
" استوقفنى رد فعل البعض ممن هاجموا البرادعى لترشحه للرئاسة ثم هاجموه لعدوله عن الترشح. توقعت أن يسعدوا بالقرار، ويقولوا «أراحنا الرجل منه»، أو حتى أن يشتموه ويقولوا إن الرجل قد فشل ويدارى فشله. كل ذلك متوقَّع من أناس لا يريدون أن يروه رئيسا. لكن الغريب أنهم كالوا له الاتهامات بسبب عدم ترشحه؛ من قبيل أنه ينقلب على الديمقراطية، أو يتعالى على العملية السياسية، أو أنه يريد أن يستمر فى توجيه الرأى العام دون تحمل مسؤولية تنفيذية، أو أنه يريد أن يعيد نفسه إلى دائرة الضوء. لم يستوقفنى مضمون هذه الانتقادات، فهى بيِّنة التفاهة. لكن ما استوقفنى هو المنطق الذى تستند إليه. حين أعلن البرادعى رغبته الانخراط فى العمل السياسى قبل الثورة قامت الجوقة الرسمية بالردح له وإثارة الكراهية ضده والتحريض عليه، وهذا مفهوم، وإلا فما وظيفة الجوقة إن لم تدافع عن سيدها. لكن لماذا يردح البعض له الآن حين يترك لهم منصب الرئاسة ليعيثوا به فسادا كما شاؤوا؟ سترد سيادتك بأنهم يخافون من أثر موقفه على الناس وما يكشفه هذا الموقف من عبثية العملية الانتقالية. ممكن. لكن هل من المعقول أن يكون كل كارهى البرادعى منافقين ومأجورين وأصحاب مصلحة من أعضاء الجوقة الرسمية؟ لا أظن. فلا بد أن من بينهم من يكره البرادعى فعلا وبإخلاص، وهؤلاء هم من يثيرون الاهتمام.
من أين تأتى هذه الكراهية لشخص يقولون هم أنفسهم إنهم لا يعرفونه وإنه لا يعرفهم؟ ما المُضغة السوداء التى تفرز هذه الكراهية؟ أفهم الاختلاف فى الرأى، وفى المصلحة، وفى العقيدة السياسية والتوجهات، وأفهم عدم الثقة والحذر. وأفهم أن يحدد الناس مواقفهم بناء على هذه الاختلافات. لكن أن تكره رجلا لدرجة أن ترفض كل فكرة يطرحها وترى خلفها نية سوداء، فإن دعاك للوقوف ظننت أنه يريد أخذ مقعدك، وإن دعاك للجلوس قلت إنه يريد أخذ مكانك، وإن دعاك للصلاة قلت إنه يريد سرقة حذائك، وإن دعاك للاطمئنان قلت إنه يريد تنويمك، وإن دعاك للحذر قلت إنه يريد تشتيتك، فهذا يعنى أمرا واحدا هو أن لديك مشكلة أكبر وأعمق من هذا الرجل. ما هذه المشكلة؟ هل هو الخوف المتأصل فى نفوس البعض والذى يجعلهم يرون أعداء فى كل الناس؟ لكن لماذا نقصر كراهيتنا العميقة تلك على الآتين من خارج السلطة؟ لماذا لا نكره حكامنا بنفس هذه الطريقة؟ هو إذن أمر يتعلق بالسلطة نفسها، أو بالأدق بتحدى السلطة.
مرة أخرى، لا أتحدث عمن يهاجمون البرادعى لتعارض ما يمثله مع مصلحتهم وارتباطهم بالنظام السابق، فموقفهم مفهوم وعقلانى. لكنى أتحدث عمّن تحركهم كراهية حقيقية للرجل تجعلهم يصبّون غضبهم عليه سواء قرأ آيات من الذكر الحكيم أو قال ريّان يا فجل. هؤلاء الناس يكرهون من يتحدى السلطة القائمة. لماذا؟ لأنهم يخافون هذه السلطة، أيا كانت، وترسَّخ خوفهم وتحوَّل إلى حالة من الاستكانة القدرية. رتّب هؤلاء الناس حياتهم ورتّبوا أمانهم النفسى على وجود هذه السلطة واعتنائها بشؤونهم -يسعون لزيادة هذا الاعتناء وتحسينه بالاقتراب منها أو مناشدتها. لكن فى كل الأحوال صارت هذه السلطة مصدر الأمان ومصدر العناية. فإن أتى مَن يتحدى هذه السلطة هزّ عرش هذا الأمان وأشعرهم بأن استسلامهم واستكانتهم ليست قدرية، وأنهم ضعفاء وجبناء وأنصاف بشر، وهو شعور لو تعلمون مؤلم للنخاع. من الطبيعى إذن أن ينتفض هؤلاء الناس هجوما على ذلك المتحدى للسلطة القدرية، سواء جاء من فيينا أو من كفر البطيخ. ومن هنا يأتى سؤالهم «هوّ فاكر نفسه مين؟» هذا السؤال ترجمته غير المكتوبة هى «ادخل فى الصف معنا وكن مثل الناس. ارض بما رضينا به واقعد ساكتا». لكن الرجل لا يدخل فى الصف ولا يسكت، وهو ما يثير غضبهم الممزوج بالكراهية العميقة «هوّ فاكر نفسه مين؟».
الموضوع ليس كراهية البرادعى يا سادة، الموضوع هو إدمان الاستبداد، كراهية من يدعو للحرية والمساواة، واستمراء الذل والمسكنة."
سلام عليكم..
__________________
|