بسم الله الرحمن الرحيم
شرح حديث: ( من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة)، وقطع حجج المرجئة
قال عليه الصلاة والسلام:
( من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة)..
افترق الناس في هذا الأثر على قولين:
القول الأول:
أن قول القلب واللسان كاف في دخول الجنة، ولو لم يعمل القائل خيرا قط..
وهذا قول المرجئة الفقهاء..
والغلاة منهم وهم الجهمية قالوا: لو صدق بقلبه أو عرف الله فذلك كاف في دخول الجنة، ولو لم ينطق بالشهادة، ولو لم يعمل خيرا قط، قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا تنفع مع الكفر طاعة..
هذا القول انتشر بين المسلمين في العصور المتأخرة حتى طغى على:
القول الثاني القائل:
أن القول (قول القلب واللسان) وحده ليس كاف في دخول الجنة، بل لا بد من العمل ( عمل القلب والجوارح)..
وهذا قول السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين..
ونحن نعتقد اعتقادا جازما أن ما قاله السلف الذين هم أتباع وأصحاب النبي هو الصواب، لكن السؤال هنا:
كيف نجيب عن الحديث الآنف، الذي يصرح بأن النطق بلا إله إلا الله يدخل الجنة؟..
الجواب:
قيل: إن ذلك كان قبل نزول الفرائض، في أوائل الدعوة في مكة..
وقيل: هو في حق من قالها فمات بعدها موقنا بها..
وكان في هذا الجواب رد على المرجئة، غير أنه لا يعني أن السلف كانوا يظنون أن الإيمان قبل نزول الفرائض كان مجردا عن العمل، مقتصرا على تصديق القلب واللسان..
فهذا ما لا يجوز أن يظن بهم وهم أعرف الناس بمعنى لا إله إلا الله وأعلمهم بالواجب الثقيل الذي تلقاه المؤمنون الأولون قبل نزول الفرائض..
إن شهادة التوحيد في أول الدعوة لم تكن كلمة تقال باللسان فحسب، ولا يمكن أن تكون كذلك في أي وقت من الأوقات، وإلا فما معنى تلك المعاناة القاسية التي واجهها الصحابة الأولون وما موجبها؟..
إنما كانت هذه الشهادة نقلة بعيدة، ومعلما فاصلا بين حياتين لا رابطة بينهما، حياة الكفر وحياة الإيمان، وما يستلزم ذلك من فرائض ومشقات أعظم من فريضة الصلاة والزكاة ونحوها، من ذلك:
فريضة التلقي الكامل عن الله ورسوله، ونبذ موازين الجاهلية وقيمها وأخلاقها وأعرافها وتشريعاتها..
ومن ذلك:
الولاء المطلق لله ورسوله، والعداء الصارم للكفار، ولو كانوا آباء أو إخوانا أو أزواجا أو عشيرة..
ومن ذلك:
فريضة الصبر على الأذى في الله، التي لا تطيقه إلا نفوس سمت إلى قمة حمل الواجبات الثقيلة..
وهذا ونحوه هو ما كان يعانيه بلال وهو يسحب في رمضاء مكة وتلقى عليه الأثقال..
وما كان يكابده سعد وهو يرى أمه تتلوى جوعا، فيقسم لها لو أن لها مائة نفس فتظل تخرج نفسا نفسا حتى تهلك لما رجع عن دينه..
وما كان آل ياسر يلقونه من عذاب وغيرهم..
__________________
|