عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 06-03-2012, 05:51 AM
الصورة الرمزية محمد حسن ضبعون
محمد حسن ضبعون محمد حسن ضبعون غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء ((رحمه الله))
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
المشاركات: 11,961
معدل تقييم المستوى: 28
محمد حسن ضبعون is just really nice
افتراضي

حكايةُ قلم الرّصاص
"في البدء تكلّم صانعُ قلم الرَّصاص إلى قلمِ الرّصاصِ قائلاً:
هناك خمسةُ أمورٍ أُريدُكَ أن تعرفَها قبل أن أرسلك إلى العالم ...
تذكَّرها دائماً وستكون أفضل قلم رصاص .
أوَّلا: سوف تكونُ قادراً على عمل الكثير من الأمور العظيمة، ولكن فقط إن أصبحتَ في يد أحدهم.
ثانياً: سوف تتعرَّضُ لبرْيٍ مؤلِمٍ بين فترةٍ وأُخرى، ولكن هذا ضروريٌّ لجعلك قلماً أفضل!!أستمع لأبى ضبعون
ثالثاً: لديكَ قدرةٌ على تصحيح أخطاءَ قد ترتكبُها.
رابعاً: ودائماً سيكونُ الجزءُ الأهمُّ منك هو ما في داخلك.
خامساً: ومهما كانت الظّروفُ فيجبُ عليك أن تستمرَّ في الكتابة، وعليك أن تترك دائماً خطًّأ واضحاً وراءك مهما كانت قساوةُ الموقف...
سمع القلمُ ما طُلب منه فدخل علبةَ الأقلام استعداداً للسير إلى ذلك العالم المليء بالكثير من التّحدِّيات..
وأنت أيها الإنسانُ لقد تمّ إيجادُك من أجل تحقيق أهداف عظيمة...بل كلٌّ منا هو كقلم الرّصاص وُجد ليساهم في صناعة الحياة، ويبذلَ مواهبَه لخدمة الآخرين!!.
والإنسان اليوم الذي هو العنصر الأهمُّ في معادلة النّهوض، وفي تلبية متطلّبات الرّقيّ، يتساءلُ ـ ومن حقِّه ذلك ـ: هل يمكنُ أن أصبح مثلَ هذا القلم الذي لبّى دعوة صانعه، ودخل معترك الحياة بقوّة واقتدار؟؟!!، هل أستطيعُ أن أحتمل تكلفة النّهوض؟ وأن أحتمل الوخز المؤلم ؟ هل أستطيعُ أن أقنع ذوي الإعاقة الفكريّة أن اطّراحي بين يدي خالقي لا يعني أبداً العزلةَ في محراب التّعبّد، أو الاكتفاءَ بالهَمهمة المتكلَّفة الطَّافية على السَّطح، والقشريّات التي تنبتُ على حجرٍ أَيَرٍّ دون الانخراط لإقامة فريضة الحياة في سبيل الله؟ هل أستطيعُ أن أحرّر نفسي من خبث الطّمع والأنانيّة، وأن أبدأ بإصلاح الدَّاخل المليء بعفونة تقديس الذّات وجلْد الآخرين، وهل ذاك يكفي بأن يكون الجزءُ الأهمُّ منّي هو ما في داخلي، أم لا بدَّ بعد تطهير هذا الدّاخل من تلك العفونات من مَلْئه بالمفاهيم القيّمة الرّشيدة، وبالثّقافة الطَّامحة التي لا حدود تفصلُها أمام غايات تتجدّد، وآفاق تمتدُّ مدَّ البصرة، وتتوهَّجُ توهُّجَ البصيرة؟، وتسيرُ مع ركب الحضارة الإنسانيّة، وهل أستطيع أن أملك زمام المبادرة والشجاعة ـ وأنا أطمح بنفسي أن أكون العنصر الأهمّ في اكتمال حلقات الجودة، واستنهاض عناصرها ـ بأن أعترف بأخطائي بلْهَ؟ أتراجعَ عنها، فضلاً عن أن أقوم بمحوها؟؟!!.
إنَّ شَبْرَ البَسيطة هو أهْونُ على النّفس العاديَّة غير المعدَّة سلفاً وفق تدريب ممنهج، وفي وسطٍ يقبلُ التّطوّر والتّجديد، ويرفضُ الانصهارَ والذّوبان أن تفعل ذلك!!، وإنّ القلم ليملكُ من القوّة والشَّجاعة ما لا يملكُ البشرُ العاديُّون عُشرَ معشاره!!. ولكن يكفي ونحن نعقدُ الآمالَ على بعض القيادات الإدارية والتّربويّة الشّابّة المتّجهة نحو التّحديث الملتزم، والعصْرنة المتَّزنة بأن تنتهجَ الحدّ الأدنى من خصائص هذا القلم المَهيب، الذي تمَّ إعدادُه إعداداً جيِّداً كي يتمكّنَ من تنفيذ ما طُلب منه، وذلك بالعزوف عن خنْق قنوات الحوار، والتّنازل عن بعض خصوصيّات البيروقراطية العاتية؛ لأنَّ من شأن تنمية مفهوم الجودة والتّطوير العملَ بفكرٍ جماعيّ متنوّع يطغى على النّظر الأحاديّ القاصر مهما اكتمل في ذاته، ومتى احتجب السّيّدُ عن أتباعه وتوارى المسؤولُ عن معاونيه وقع في الخطيئة التي تقوده ـ بل تقودُ الجميع ـ إلى الوراء!!...فنزولُهُ من عَلٍ بقدر ما يَسمعُ صوتَ غيره هو أقلُّ القليل لتحقيق التقدّم نحو صناعة الجودة في مجتمعات تحبُو من أجل اللحاق بمن صعد أعلى السلَّم ، وارتاد الفضاءَ والمجرّات للبحث عن المزيد من النّجاحات بكلِّ ما تعنيه الكلمة، مع أننا قد برعْنا في رصد أحوالهم، وعدِّ خطواتهم، ونبش عيوبهم، وإخفاء محاسنهم، وممارسة إسقاطاتنا عليهم، وتعليق تخلّفنا واختلافاتنا بهم!!.
إنّ من أكبر التحدّيات التي تواجه القائمين على صناعة الجودة ـ باعتقادي ـ هي تلك العقائد الكلاسيكية الراسبة في النفوس والرّاكدة في الأذهان التي لا تؤمن بالتغيير ولا بالتطوير ولا تطمح في تحسين أدائها، مع اغترارها بأنّ كلَّ تغيير أو تطوير لا يمرُّ إلاَّ من خلالها!!.
ورُغم كلّ الظّروف والتّحدّيات فقد استطاع قلمُ الرّصاص أن يستمرَّ في الكتابة، ورسم خطوطه الواضحة، مخلّفاً أثراً يُحمَدُ عليه، وعملاً رائعاً يُحتَذَى به، فهل نستطيع ونحنُ نعيشُ الكثيرَ من التّحدّيات الخطيرة الدّاخليَّة والخارجيّة أن نجيب على تلك التّساؤلات الواقعيّة، حتّى نحافظَ على مكتسبات حاضرنا، ونستمرّ في استشراف غدٍ مشرق وضَّاء، خالٍ من الخطوط الباهتة أو المتعرّجة؟؟!!.
إنَّ من حقّ إنسان اليوم في مجتمعات نامية أو لنقل: (نايمة) أن يطرح كلَّ هذه التّساؤلات ؛ لأنّ حزمةً من المعوِّقات النَّفسيّة والثّقافية والاجتماعيّة المتراكمة عبر مسيرة التَّاريخ في واقع تلك المجتمعات الصَّغيرة المنغلقة على نفسها، والمشحونة بسيل من التَّفسيرات الخاطئة، والتلقين الميّت، والتّقليد الأبْله، والغوغائيّة الجامحة، والغثائيّة الجامدة يحولُ دونَ الوصولِ إلى تحقيقِ الحدّ الأدنى من عناصر النّهوض، أو حتّى الاقتراب من معايير الجودة شكلاً ومضموناً.
وإذا كان قلمُ الرّصاص قد ترك وراءهُ خطًّا واضحاً يمكنُ أن يُقرأ بوضوح، وبصمةً إيجابيةً مشرقةً على صفحات الحياة؛ فإنّه يعلّمنا أنّ الأثر الحسنَ وأنّ لمسات الإبداع، وأنّ صنائع المعروف هي أفضلُ ما يُبقيه المرءُ شاهداً عليه، وإن غُيِّب في أطباق الثَّرى، كما أنّ الخطوط العرجاء الملتوية والشائهة تخلّفُ اللعنةَ عليه، والفرحَ بازورار نحسه، وارتمائه في رَمْسه!!، وكذلك الأمم؛ (فما بكتْ عليهم السَّماءُ والأرضُ وما كانوا منظرين).
إنّ ضبعون ينبّه قلَمَه إلى أنَّ العالم الذي سيخرجُ إليه سيتعرّضُ فيه لكثير من المتاعب وأنّ نفحات الأمل لا بدّ وأن تقابلها لفحاتُ الألم، وهي لا تزيدُه إلاَّ قوّةً في العزيمة، وإصراراً على الوصول إلى الهدف.
إنّ أيَّ تكوين حضاريٍّ ناهض يبدأ بالإنسان نفسه الذي ننشدُ فيه قلمَ الرّصاص؛ فهو عنصر أساس في المعادلة النهضوية، وليس المرادُ بالإنسان عددَه، إذ لا تقاس معدّلات الجودة وتحسين الأداء بعدد الرؤوس، إذا كانت تلك الرّؤوسُ خاويةً على عروشها، وغثاءً كغثاء السّيل، بل تقاسُ بعدد ما في هذه الرؤوس من وعي وفكر وتوق للنهوض، وبما في أيديهم من استعداد للتّبرّع بالوقت والجهد، واحتمال للتعب والمشقّة لتحقيق جملة من الرّؤى والأهداف المفصليّة القريبة والبعيدة.
(أمنْ قلَّةٍ نحنُ يومئذٍ يا رسولَ الله؟ قال: لا ، أنتمْ يومئذٍ كُثْرٌ، ولكنَّكم غثاءٌ كغثاء السَّيل)!!.
إنّ هذا القلم قد خطَّ بوضوح العديد من المحاور المفصليّة لخارطة التنمية البشرية المستدامة، وإن ( الإنسان القلمَ!!) الذي سيخطُّ لنا ملامح الجودة، ويرسمُ لنا خارطة النّهوض بهذه الأمّة المكْلُومة يحتاج منَّا إلى إعدادٍ جيِّدٍ، وتكوينٍ فائق في الدِّقَّة، وإنفاقاتٍ بالغةٍ في الكرم والسَّخاء حتَّى يحتملَ البرْيَ المؤلمَ، ولكي يقتدرَ الخوضَ في غمار الحياة، ومعترك البناء.
وإعدادُ الإنسان الذي تحركه العقيدةُ الدّينيّة الممتدِحة للإنتاج والإبداع، والتي تخلقُ فيه المراقبةَ الذّاتية لتصرّفاته، وتجرّدُه من الأهواء، وتحثّه على تفعيل دوره في الاستخلاف في الأرض، وتحمّل الأمانة بمفهومها العام يكون بتوجيهه على ثلاثة أنحاء وهي:
1 ـ توجيه الثقافة.
2 ـ توجيه العمل.
3 ـ توجيه رأس المال.

ومن خلال هذا التوجيه الشّامل يتحقق الطموحُ نحو تحسين الأداء كمّا ونوعاً، وضمان عدم التّوقّف في منتصف الطّريق بالتّطلُّع إلى المزيد من السّير نحو الأفضل، كما يشعرُ الفردُ بمسؤوليته أمام الجماعة، وتشعر الجماعةُ بواجب الوفاء بالتزاماتها نحو الفرد، لتنشأ نوعٌ من العلاقات الجدلية التكاملية المتشابكة بين الإنسان كفرد في محيطه الاجتماعيّ، والإنسان كمجتمع في محيطه الإنسانيّ، وهنا تبرز أهمّيّةُ دور الاعتراف بالفضل لأهله، ووضع سنّة التّمايز والتَّقدير لا على أسس الولاءات الضّيّقة بل على منارٍ من هدي الإبداع، وجودة الأداء، وجدارة الاستحقاق .
وهذا التّوجيهُ المتكاملُ لأحد أهمّ عناصر التّكوين الحضاريّ ( قلم الرّصاص = الإنسان)يجنبنا الإسرافَ في الجهد، والتّبديدَ في الوقت، ومن خلاله كذلك يشعرُ الفرد بقيمة دوره في صناعة الجودة.
وباستلهام من هذه المصارحة الشّفّافة بين الصانع المخلص في نصحه، وبين قلمه المتميّز تركيباً وتكويناً وإعداداً نستشرفُ الخطوطَ العريضةَ والضَّروريّةَ لإعداد الشّخصيّة القادرة على المشاركة الفاعلة في البناء التّحتيّ للنّهضة، واستدراك الخصائص الحقيقية في تحقيق التّنمية البشريّة، وصناعة الجودة، وتطوير الأداء، وذلك بالتركيز على تولية القيادات العملية المتميّزة بالذّكاء العلميّ والاجتماعي، والمعروفة بقوّة التّحمُّل، والحضور الميدانيّ، والمشاركة الفعلية، بعيدا عن التنظير ورفع الشعارات، وإتقان الفرجة، والخوف من خوض غمار التجربة.
جاء في صحيح مسلم أنَّ أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ طلب الإمارة من النبي ـ  ـ فقال له: "يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها".
وفي هذا إشارة إلى أنَّ نجاحات العمل الميداني خصوصاً فيما يتّصلُ بالشَّأن العام وتحمّل المسؤوليات يحتاجُ إلى مواصفات معيّنة لابدَّ من توافرها فيمن يقع عليه الاختيارُ لذلك، خصوصا من طلب الولاية في أمر ولم يكن مؤهّلاً فيه لضعفه أو طمعه، أو قلة خبرته.
يقولُ النوويُّ معلقاً على هذا الحديث:" هذا الحديث أصلٌ عظيمٌ في اجتناب الولايات لاسيما لمن كان فيه ضعفٌ عن القيام بوظائف تلك الولاية..وأما من كان أهلا للولاية وعدل فيها فله فضلٌ عظيم.." (شرح مسلم12/210(.
إنَّ الجودة تعني الاستغناء عن تولية غير المؤهَّلين من الجهلة والضّعفاء والمتنفّذين والمتملّقين والمتسلِّقين وكلِّ مالا يقدرُ أن يحاكيَ قلمَ الرّصاص في تكوينه وهمّته...
ولكي نكون مجتمعاً حاملاً لخصائص قلم الرّصاص علينا أن نؤمن جميعاً بأنّ الإنسان هو الثَّروةُ الحقيقيّةُ لكلِّ أمَّة!!
__________________
اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلاتبغضوهم
هيا بنا نتعلم الديمقراطية
<!-- Facebook Badge START --><!-- Facebook Badge END -->
رد مع اقتباس