فى التقدم العلمى والتكنولوجى عبر العصور
حضن الإسلام على العلم والتعلم منذ بداية البدايات، فكانت سورة العلق أولى السور التى نزلت على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم تخاطبه قائلة باسم رب العزة سبحانه وتعاله ( إقرأ باسم ربك الذى خلق. خلق الإنسان من علق. إقرأ وربك الأكرم. الذى علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم )(1).
وهى آيات صريحة فى أمرها، فهم المسلمون منها بأن الإقبال على العلم عبادة، بل إن فضل العلم مقدم على فضل العبادة، فقد روى عن الرسول "صلى الله عليه وسلم " قوله "فضل العالم على العابد كفضلى على أدنى رجل من أصحابى" (2).
فالعلم عندنا دين، والدين عندنا علم (3)، والآيات القرآنية التى ترفع من قيمة العلم والعلماء والمتعلمين كثيرة وصريحة الدلالة فى القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف، ولهذا كان العرب والمسلمون يعتبرون الإقبال على التعلم فرضاَ واجب الأداء، على الأفراد والجماعات، ولعل عرض الرسول على أسرى بدر تعليم الكتابة لأطفال من المسلمين يعتبر دليلاً على ما للعلم من قيمة عندهم، ولهذا نجدهم مشغولين بالدعوة والجهاد فى سبيل الله ومنشغلين بالإقبال على التعلم أيضاَ، لأنهم رأوا أن لا تقدم ولا ازدهار ولا رقى إلا بالعلم، وقد ظهر هذا الأمر خلال القرن الأول من الاستقرار الذى جاء بعد فتوحات عظيمة رحيمة، لم يشهد التاريخ لها مثيلاً فى الإنسانية والنبل وكريم الأخلاق.
بهذا ندخل إلى ساحة العلم والعلماء المسلمين لنشاهد الإنجازات الهائلة التى تمت على أيديهم فى مختلف المجالات، والتخصصات، بحيث يمكن وصفها بالشمولية الكاملة والإحاطة، ولما كانت هذه الإنجازات، بل الريادات متعددة فإننا نتناولها مرتبة ونبدؤها وفق التنظيم الآتى:
أولاً.. الطب:
يعتبر المسلمون رواداً فى علوم الطب، ونظراً لتعدد هذه الريادات فإننا نفصلها ونوزعها على النحو الآتى:
(أ) اكتشاف أنواع جديدة من المرض:
فقد كان ابن سينا أول من كشف عن مرض الإنكلستوما وسبق بذلك (دوبينى) الإيطالى بتسعمائة سنة وقد قام د. محمد خليل عبدالخالق بفحص ماجاء فى كتاب القانون عن الديدان المعوية، فتبين له أن الدودة المستديرة التى ذكرها ابن سينا هى ما نسميه الآن بالإنكلستوما، وقد أخذ جميع المؤلفين فى علم الطفيليات بهذا الرأى فى المؤلفات الحديثة ومنها مؤسسة روكفلر(4)، وابن سينا هو أول من وصف التهاب السحايا وصفاً علمياً صحيحاً، وفرق بينه وبين المرض الشبيه له، كما فرق بين الشلل الناجم عن سبب داخلى فى المخ، والناجم عن سبب خارجى، كما فرّق بين داء الجنب، وألم الأعصاب بين الضلوع، ووصف السكتة المخيّة الناجمة عن كثرة الدم، ووصف السل الرئوى وعرف عدواه وكيفية انتقاله (5).
أما الرازى فهو أول من وصف مرض الجدرى والحصبة فى كتابه ( الجدرى والحصبة) وهو الذى أعطاهما هذين الاسمين، ويُعّد هذا الكتاب من مبتكرات الرازى، وهو من روائع الطب الإسلامى، فقد عرض فيه لأول مرة لهذين المرضين وأعراضهما، وأتى فيه على ملاحظات وآراء قيمة لم يُسبق إليها (6).
(ب) الجراحة:
فالعرب المسلمون هم أول من ابتكروا خيوط الجراحة، وكان ذلك على يد الرازى وسماها العصاب (7) أما الزهراوى فهو أول من ربط الشرايين، وبهذا يكون قد سبق (باريه PARE) بستمائة عام، وهو أول من قام بعملية استئصال حصى المثانة فى النساء عن طريق المهبل، وأول من وصف النزيف، وتحدث عن استعدادات بعض الأجسام له، ونجح فى شق القصبة الهوائية، كما أجرى ايضا عملية تفتيت الحصاة، وبحث فى التهاب المفاصل، واكتشف مرآة خاصة بالمهبل، وآلة لتوسيع باب الرحم للعمليات، وأشار باستخدام مساعدات وممرضات من النساء وذلك عند إجراء العمليات الجراحية للنساء، وذلك لغرض الطمأنينة النفسية (8) وقد قام الطبيب (بدارقُس) بإجراء عملية جراحية فى الوجه للسيدة سكينة بنت الحسين عندما خرجت لها سلعة (غدة) فى أسفل عينها وأخذت تنمو بشكل كبير، فقام هذا الطبيب بإجراء عملية جراحية أزال بوساطتها الغدة ( السلعة) من أصلها وسل عروقها، فعاد وجهها إلى ما كان عليه (9)، وُينسب إلى الزهراوى الفضل فى أنه أول من فرق بين الجراحة وغيرها من المواضيع الطبية، وجعل أساسها قائماً على دراسة التشريح (10)، وهم الذين كانوا السابقين فى موضوع التشريح للجثة الآدمية، فى وقت كانت فيه الكنيسة تحرم هذا الأمر تحريماً قطيعاً(11).
(جـ) اكتشاف الجلطة:
يورد ابن أبى أصيبعة خبراً يصف فيه براعة الطبيب ثابت بن قرة فيقول إن هذا الطبيب قد اجتاز يوماً إلى دار الخلافة فسمع صياحاً وعويلاً، وقيل: مات القصاب، فقال لهم: ما مات، ولكن خذونى إليه، وعندما وصل، أمر النساء بإعداد طعام هو (المزوّرة) ثم أمر غلماناً له بأن يضربوا القصّاب على كعبه بالعصا، وجعل يده فى مجسّه، ثم أحضر قدحاً فيه ماء وفتح فم القصاب وسقاه منه، بعد أن أضاف إليه شيئاً من الدواء، فأساغه، ووقعت الصيحة والزعقة فى الدار والشارع بأن الطبيب قد أحيا الميت، فتقدم ثابت فأغلق الباب، ففتح القصاب عينيه، وبينما جلس الطبيب عنده ساعة، وأذ بأصحاب الخليفة قد جاءوا يدعونه فخرج معهم، والدنيا قد انقلبت، والعامة حوله يتعادون إلى أن دخل دار الخلافة، ولما مثل بين يدى الخليفة قال له: يا ثابت، ما هذه المسيحية التى بلغتنا عنك؟ قال: يا مولاى، كنت أجتاز على القصّاب وألحظه يشرخ الكبد ويطرح عليها الملح ويأكلها، فكنت استقذر فعله، ثم أعلم أنه سيصاب بسكتة، فصرت أراعيه وإذ علمت عاقبته انصرفت وركبتُ للسكتة دواء، ولما سمعت الصياح، قلت، هل مات القصاب؟ قالوا نعم مات فجأة البارحة، فعلمت أن السكتة قد لحقت فدخلت إليه، ولم أجد له نبضة، فضربت كعبه إلى أن عادت حركة نبضه، وسقيته الدواء ففتح عينه وأطعمته (مزوّرة) والليلة يأكل رغيفاَ وفى غد يخرج من بيته (12)
ما فعله الطبيب هنا يتمثل فى شيئين، أولهما صنع الدواء وثانيهما مداواة المريض، وأهم من هذين الملحظين تلك المعرفة المبكرة بما سيكون عليه المريض نتيجة أكله للكبد المملحة، وهى ملاحظة جديرة بالتوقف عندها طويلاَ.
(د) أمراض النساء:
يشير المختصون إلى الابتكارات المهمة فى الطب النسوى التى كانت على يدى ابن سينا، فقد وصف حالات النواسير البولية عند النساء وصفاَ علمياَ دقيقاَ وصحيحاَ، كما وصف حمى النفاس والعقم، وعلل تعليلاَ سليماَ نسبة الذكورة والأنوثة إلى الرجل دون المرأة، وهو ما يقره الطب الحديث، كما أنه تحدث عن حالات انسداد المهبل والإسقاط والأورام الليفية وسواها (13).
وأما الرازى فقد اكتشف كثيراً من أمراض النساء وفن الولادة، وتحدث فى منافع الأغذية للأم وجنينها، ومضار بعض الأغذية الأخرى والحالات التى ينبغى فيها تناولها أو تجنبها (14).
( هـ) طب الأطفال:بحث نفرمن العلماء العرب فى طب الأطفال وفى علم الأجنة والأمراض الناتجة عن الوراثة، ومنهم من ألف كتاباً فى المولودين (الخدج) (سبعة أشهر) وأصول تربيتهم، ومنهم من بحث فى شروط المرضعة وأصناف الحليب، ومنهم من بحث فى علل الأطفال وطرق معالجتهم.
وقد اعترف (سنجر) فى كتابه (مختصرتاريخ الطب) أن غالبية ما ورد فى الكتاب الصادر عن جامعة (بادوا padua) منقول عن الكتب التى ألفها العرب فى طب الأطفال وبخاصة عن أبى بكر الرازى (15).
كما التفت العرب إلى أمراض الأطفال وبخاصة الكثيرة المتكررة منها كالإسهال والربو والبول فى الفراش والتشنجات وأنواع الديدان التى تصيبهم، وعرفوا شلل الأطفال والحميات عندهم (16)، وقد أجمع العلماء العرب على أن حليب الأم أفضل أنواع الحليب للطفل، ووضعوا الشروط الصحية المفيدة للإرضاع، ونصحوا بدوام الرضاع مدة سنتين، وأن يكون الفطام تدريجياً، وهذا ما قرره الطب الحديث، وحذروا من الفطام فى فصل الحر الشديد أو البرد الشديد (17) والعرب هم أول من أنشأ مقالات خاصة فى أمراض الأطفال (18).
(و) طب العيون:
برع الأطباء العرب فى قدح (الماء الزرقاء) من العين، ومع أن لهذه العملية حتى اليوم صعوبتها وأخطارها، فإن الأطباء العرب كانوا يقومون بها بسهولة بالغة، وكانت نتيجة هذه العملية مضمونة (19).
وفى كتابه (الحاوى) تعرض الرازى (أبو بكر بن محمد زكريا) لطب العيون، كما تعرض فى الجزء الثالث لطب الأنف والأذن والأسنان، مما يعتبر بداية التخصص فى مجال الطب، إذ أن الرازى قد خصص كل جزء من بقية الأجزاء لعضو أو أكثرمن أعضاء الإنسان (20).
وكان ابن الهيثم أول من كتب أقسام العين وأول من رسمها بوضوح تام، وسمى بعض أجزائها ، وقد أخذ الأوروبيون هذه الأسماء وترجموها إلى لغاتهم، ومن الأسماء التى وضعها (الشبكية) و (القرنية) و (السائل المائى) و(السائل الزجاجى) (21).
( ز) الدورة الدموية:
ينسب الأوروبيون إلى (هارفى) اكتشاف الدورة الدموية الصغرى، ولكن هذا تم دحضه على أيدى نفر من العلماء تمكنوا من إثبات أن ابن النفيس هو أول من اكتشف الدورة الدموية الصغرى، وهو عالم عربى مصرى.
ويذكر فى هذا الصدد أن ابن النفيس قد خالف جالينوس فى موضوع مرور الدم، فقال بأن الدم يمر من التجويف الأيمن إلى الرئة، حيث يخالط الهواء، ومن الرئة عن طريق الوريد الرئوى إلى التجويف الأيسر، وقال عن هذا الوريد: إن هذا العرق يشبه الأوردة ويشبه الشرايين... وابن النفيس هو أول من فطن إلى وجود أوعية داخل عضلات القلب تغذيها، وقد خالف بذلك من سبقوه، وهو أول من وصف الشريان الإكليلى وفروعه، وهو أول من أشار إلى مرورالدم من الأوعية الشعرية (22).
(ح) الامراض النفسية:
عرف ابن سينا عدداً من الحقائق المرضية عن طريق التحليل النفسى، ففى جرجان قام ابن سينا بفحص مريض من أقرباء أمير البلاد فلم يجد به علة جسدية، فطلب رجلاً يعرف أسماء الأماكن فى تلك الناحية، فجىء له به، فلما جاء طلب إليه أن يسرد أسماء جميع الأماكن فى تلك الناحية، فلما لفظ الرجل اسم مدينة بعينها، وكان ابن سينا يجسُّ نبض المريض، اضطرب نبضه اضطرابا ظاهراً، حينئذ طلب ابن سينا رجلا يعرف أسماء الأحياء والبيوت فى ذلك المكان بعينه، فلما حضر الرجل الثانى وذكر اسم حىِّ معروف، اضطرب نبض الفتى اضطراباً ظاهراً، حينئذ طلب ابن سينا رجلاً يعرف أسماء الأحياء والبيوت فى ذلك المكان بعينه، فلما حضر الرجل الثانى وذكر اسم حىِّ معروف اضطرب نبض الفتى مرة ثانية، بعدئذ طلب رجلاً يعرف أسماء الأشخاص فى ذلك الحى، وهكذا عرف ابن سينا أن الفتى مشغوف، فقال لأهله: ليس بابنكم علة أو مرض ولكنه مشغوف بحب فلانة بنت فلان الساكنة فى المكان الفلانى من البلدة الفلانية (23).
وقد درس ابن سينا النبض دراسة متأنية وافية وربط بينه وبين أحواله المتقاربة والأمراض المختلفة، كما توسع أثر العوامل النفسية فى اضطرابه، كما توسع فى دراسة الأمراض العصبية والاضطرابات النفسية وعالجها ببراعة ونجاح (24).
وفى رسائل (إخوان الصفا) شاهد بارع على المعالجة بالتحليل النفسى، وذلك بأن نترك المريض يسرد أحواله وأسباب علته كما يشعر هو بها، ثم نحاول أن نزيل الأسباب التى شكا هو منها (25).
كان الأطباء العرب يفحصون المريض بكل دقة، وبكل الوسائل المعروفة لديهم، فيسألون المريض عما يشكو، وعن طريق معيشته، وعن عاداته، وعن الأمراض التى أصيب بها سابقاً وعن حال عائلته الصحية، ومناخ بلاده، وغير ذلك من الأسئلة المفيدة للتشخيص والتى لا يسأل خيراً منها أطباء هذا الزمان، وقد كتب ابن الهيثم عن تأثير الموسيقى فى الإنسان والحيوان، وكثيراً ما عالجوا الأمراض العصبية والعقلية بطرق فيها حذق ومهارة تدلل على علم النفس وإدراك لأثر الوهم فى المريض (26).
لقد عرف العرب بعض الأمراض العصبية ودرسوها وعرفوا كثيرا من الحقائق النفسية والمرضية عن طريق التحليل النفسى، وكان ابن سينا يرى أن العوامل النفسية والعقلية كالحزن والخوف والقلق تؤثر تأثيراً كبيراً على أعضاء الجسم ووظائفه وبهذا لجأ إلى الأساليب النفسية فى معالجة مرضاه (27).
( ط) أدوية جديدة:
اكتشف العرب أدوية جديدة لعلاج كثير من الأمراض منها الكافور والصندل والراوند والمسك والتمر هندى والحنظل وجوز الطيب، واخترعوا الكحول والمستحلبات والخلاصات العطرية، وقد استخدم الرازى لأول مرة الزئبق فى تركيب المراهم وجرّب مفعوله على القردة، وقد قام الرازى نفسه بإجراء بعض التجارب الطبية على الحيوانات، وبخاصة القرود باعتبارها أقرب الحيوانات شَبهاً بالإنسان، بالرغم من اختلاف الطبيعيتين فى بعض الأحيان، وذلك قبل إجرائها على الإنسان، ولايزال الطب الحديث يدرك أهمية إجراء التجارب العلمية على الحيوانات قبل إجرائها على الإنسان (28).
ويعتبر جابر بن حيان أول من أدخل المستحضرات الكيميائية فى الطب، وطبّقها عملياَ فى معالجة المرضى، وبهذا يكون قد تقدم بالعلاج والدواء خطوات هائلة ورائدة للأمام (29).
(ى) المخدر( البنج):
العرب هم أول من استعمل المرقد (البنج) فى الطب والعمليات الجراحية، وقد برعوا فى الطب والعمليات الجراحية واستخدموا لها الآلات والأدوات، واتخذوا من أمعاء القطط والحيوانات الأخرى وسائل لخياطة الجروح، وخففوا من وطأة بعض العقاقير التى كانت معروفة لدى اليونان (30).
وقد تمكن العرب من استخراج البنج من الزيوان أو الشيلم، وهم أول من استخدم الكاويلت فى الجراحة، وأول من وجّه الفكرفى التشخيص الطبى إلى شكل الأظافر فى مرضى السل، ووصفوا علاج اليرقان والهواء الأصفر واستخدموا الأفيون فى معالجة حالات الجنون وغيره من الأمراض (31).
(ك) الصيدلة:
العرب هم المؤسسون الحقيقيون لمهنة الصيدلة، حيث رفعوها عن مستوى التجارة، وهم الذين أنشأوا المدارس لتحضير (الأقراباذين) والأماكن لبيعها وتصريفها، وأخضعوا هذه الصناعة لرقابة الدولة لمنع الغش، فكان الصيادلة لا يزاولون مهنتهم إلا بعد الترخيص لهم، وقد اكتشف العرب أدوية جديدة عدة منها السنامكة، والكافور(32). وعديداً من الأدوية التى ذكرت سابقاً، وكان لكل مدينة مفتش خاص للصيدليات وتحضير الأدوية (33).
والعرب هم أول من قام بتغليف الأدوية المرة بغلاف من السكر ليتمكن المريض من استساغة الدواء وأما عادة تغليف حبات الأدوية بالذهب والفضة فى وقتنا الحاضر فتعود إلى ابن سينا الذى وصف الذهب والفضة كأدوية مفيدة، وقام بتغليف الأدوية المعمولة على شكل حبوب، كما برع العرب فى صنع الضمادات والمساحيق والمراهم واللزوق (34).
(ل) المطهرات:
عرف العرب أنواعاً من المطهرات التى استخدموها فى تطهير الجروح أو الحروق فكان الزهراوى- على سبيل المثال- يقوم بنقع آلاته فى (الصفراء) لتطهيرها قبل أن يقوم بإجراء عملياته الجراحية، وقد ثبت أن هذه المادة توقف تكاثر البكتيريا (35).
(م) المستشفيات المتنقلة:
العرب هم أول من استخدم المستشفيات المتنقلة من مكان إلى آخر، حسب الحاجة بالنسبة لمقتضيات العمل، وكان يحدث هذا عند انتشار الأمراض والأوبئة أو بسبب الحروب أو فى السجون، وكانت هذه المستشفيات (البيمارستانات) مزودة بما يلزم المرضى من أدوية وأغذية وألبسة وأشربة وممرضين (38).
(ن) العلاج المجانى:
ومن مفاخر العرب فى مجال الطب أنهم كانوا أول من قدم العلاج المجانى للمرضى دون تمييز بين المواطنين سواء المسلم أو غير المسلم، فكان الناس يعالجون مجاناً بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو السياسية أوالعرقية (37).
بهذا نرى أن العلماء العرب قد كانوا رواداً سباقين فى جل العلوم الطبية، وأنهم أسهموا فى دفعها إلى الأمام بحيث انتفع العالم كله من هذه البحوث، وكانت سبباً رئيسياً فى نهضة الطب الحديثة فى أوروبا، ولولا العرب لما كان هناك تقدم ملحوظ فى هذا المجال.
ثانياً.. علوم الفلك:
قام العرب بدراسة علوم الفلك عند القدماء، بعد أن ترجموها إلى العربية وفهموها وهضموها هضماً جيداً، وبعدها برزت عبقريتهم فى إنجازات مهمة كانوا هم الرواد فيها ومن هذه الريادات.
(أ) كروية الأرض:
فقد اكتشف العرب كروية الأرض وحركتها حول الشمس قبل (كوبر نيكوس) بقرون عديدة، فهذا أحد الجغرافيين العرب يقول: "إن الشمس إذا غابت فى أقصى الصين كان طلوعها على الجزائر العامرة فى بحر أوقيانوس الغربى، وإذا غابت فى هذه الجزائر كان طلوعها فى أقصى الصين، وذلك نصف دائرة الأرض (38).
وقد وضح المسلمون حقيقة كون الأرض كرة تسبح فى الفضاء (39)، وذكر الدكتور (موريس كلاين) فى كتابه( تاريخ الرياضيات من الغابر حتى الحاضر) أن البيرونى أثبت نظرياً أن الأرض تدور حول محورها، مما ساعد فى تطوير نظريات فلكية جديدة (40).
(ب) قياس محيط الأرض:
إن قياس العرب لمحيط الأرض هو أول قياس حقيقى أجرى كله مباشرة مع
كل ما اقتضته تلك المساحة من المدة الطويلة والصعوبة والمشقة، واشتراك جماعات من الفلكيين والمساحين فى إجرائه (41).
(جـ) القول بالجاذبية:
أبناء موسى هم أول من قالوا بوجود الجاذبية العمومية بين الأجرام السماوية، مما يربطها بعضها ببعض، وأن الجاذبية الأرضية تجعل الأجسام تقع على الأرض (42).
ويعتبر كتاب (الزيج الصابىء) للبتانى أبى عبد الله محمد بن سنان أول زيج يحتوى على معلومات صحيحة دقيقة وأرصاد كان لها أثر كبير فى علم الفلك خلال العصور الوسطى عند العرب وأوائل النهضة فى أوروبا، وبحث البتانى فى مقدار ميل البروج عن فلك معدلى النهار، أى الميل الأعظم وكانت القيمة التى وصل إليها من أرصاده (35، 523) صحيحة فى حدود دقيقة واحدة، ويعتبر البتانى أول من حصل على هذه القيمة لزاوية الميل الأعظم (43).
(د) ضبط حركة أوج الشمس:
قام العرب بضبط حركة أوج الشمس وتداخل فلكها فى أفلاك أخرى، وهم أول من راقب تغيرأوج الشمس، وكان الاعتقاد السائد من قبل أنه ذو طول واحد لا يتغير، فضلاً عن التحسينات التى أدخلوها على كثير من آلات الرصد، فسبقوا بذلك غاليليو وكوبر نيقوس وهم أول من عرف أصول الرسم على سطح الكرة الأرضية وعرفوا وعلّلوا كلف الشمس (44).
(هـ) تعليل الكسوف والخسوف:
علل العرب كسوف الشمس وخسوف القمر فقد ذكر القزوينى (ت 1283) أن وجه القمر الذى يواجه الشمس مضئُُ أبداً، فإذا كان القمر قريباً من الشمس، أى بيننا وبين الشمس، كان الوجه المظلم مواجهاً للأرض، فإذا بدأ القمر بالابتعاد عن الشمس إلى المشرق وبدأ ميلُ النصف المظلم من الجانب الذى يلى المغرب إلى الأرض ظهرت من النصف المضىء (المواجه للشمس) قطعة الهلال التى تواجهنا ثم يتزايد الانحراف وتزداد بتزايده القطعة التى تواجهنا من النصف المضىء حتى إذا صار القمر فى مقابلة الشمس كان النصف المواجه للشمس هو النصف المواجه لنا فنراه بدراً ثم يبدأ القمر بالاقتراب من الشمس فيبدأ الضياء بالنقصان من الجانب الذى بدأ فيه الضياء أولاً حتى إذا صار القمر فى مقابلة الشمس تماماً استحال علينا أن نرى شيئاً من جانبه المضىء أمحق نوره، فرأيناه نحن مظلمتاً، وسبب خسوف القمر توسط الأرض بينه وبين الشمس (45).
(و) القول بإهليجية المدار:
درس الكاشى غيّاث الدين بن مسعود (ت 1436) مدارات القمر وعطارد، واكتشف آن مدارات القمر وعطارد إهليجية (قطع ناقص أو شكل بيضى) وادعى العالم الألمانى (يوهان كبلر) خطأ بأنه أول من فكر بأن مدارات القمر وعطارد إهليجية (46).
(ز) تعليل المد والجزر:
يعتبر القزوينى (زكريا بن محمد محمود) أول من لفت الانتباه وربط بين حركتى المد والجزر وتحركات القمر وذلك فى كتابه المعروف عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، كما تحدث عن المجرة وأثر الشمس على الأحياء والحركة اليومية للأزهار والأوراق فى النبات وتكلّم عن الزمان، وعرفه بأنه مقدار حركة الفلك، وعن الأيام والشهور والفصول، وعرض لوصف الأرض وقال إن خط الاستواء يفصلها إلى نصفين شمالى وجنوبى (47).
(ح) ملاحظة واكتشاف سحب:
يعتبرعبدالرحمن الصوفى (ت 986 هـ) من العلماء البارزين فى مسائل علم الفلك وقد اعتمد الفلكيون المحدثون لتقدير التغير فى ضوء بعض النجوم على مؤلفاته بالإضافة إلى أنه أول من لاحظ وجود سحابة من المادة الكونية تُعرف الآن بسديم مسيبة (48)، كما تكلم ابن سينا فى كتابه (الشفاء) عن السحب، وقال : إنها تولد من الأبخرة الرطبة إذا تصعدت بتصعيد الحرارة فوافت الطبقة الباردة من الهواء، فجوهر السحاب بخارى متكاثف طاف فى الهواء، فالبخار مادة السحاب والمطر والثلج والطل والجليد والصقيع (49).
(ط) طبقة الهواء:
قضى العلماء العرب وبخاصة ابن الهيثم وقتاَ طويلاً فى دراسة طبقة الهواء حول الأرض، حتى استطاع تحديد ارتفاعها، مستنتجاً ما أثبته بطريقة دقيقة، بأن الظلام لا يحل إلا بعد انخفاض الشمس عن خط الأفق بزاوية مقدارها (19 درجة) والجدير بالذكر أن هذه القيمة تقل عن الحقيقة المحسوبة بأدق الحاسبات الإلكترونية الحديثة بمقدار درجة واحدة فقط (50).
فالعرب ما كانوا نقلة ومترجمين فحسب ولكنهم كانوا مبتكرين ومبدعين، لا فى مجال واحد فقط، بل فى كل مجالات الحياة، وهذا ما يشهد به التاريخ والمؤرخون المنصفون من شرق وغرب.
ثالثاً.. العلوم الرياضية:
للعرب فضلل لا ينكرعلى العالم كله، وهذا الفضل يتمثل فى علوم الرياضيات، وبخاصة فى الحقول الآتية:
(أ) وضع النطام الرقمى:
نقل العرب نظام الترقيم عند الهند، إذ وجدوا أنه أيسر من حساب (الجمَّل) الذى كانوا يستعملونه، فاختاروا سلسلتين عرفت إحداهما باسم الأرقام الهندية وهى: (1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9) وهى المستعملة فى معظم البلدان العربية، وعرفت إحداهما باسم الأرقام الغبارية وهى التى انتشرت فى بلاد المغرب والأندلس، ومنها دخلت أوروبا، حيث تعرف باسم الأرقام العربية وهى (1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9،.) ومازالت هى المستعملة فى المغرب العربى.. وكان الخوارزمى أول من استعمل الأرقام الهندية فى مؤلفاته، وكتابه فى الحساب هو الأول من نوعه من حيث الترتيب والتبويب والمادة، وقد نُقل إلى اللاتينية، وظل زمناَ طويلاَ مرجع العلماء، وبقى الحساب معروفاً عدة قرون باسم (الغوريتمى) نسبة إلى العالم (الخوارزمى) والخوارزمى هو أول من ألف فى علم الجبر حيث يقال إن الخوارزمى واضع علمى الحساب والجبر، وظل اللفظ الذى استعمله العرب للدلالة على هذا العلم مستعملاً حتى الآن، وكان العرب أول من أطلقه (51).
(ب) وضع النظام العشرى:
والعرب هم واضعو النظام العشرى، فإذا وضعنا صفراً أمام الرقم إلى اليمين صار عشرة أضعاف الرقم الأصلى، فإذا وضعنا صفرين صار عشرة أضعاف ما صار إليه وهكذا، كما ابتكر العرب علامة الكسر العشرى، وتنسب إلى العالم الرياضى (غياث الدين جمشيد الكاشى)، وفى كتابه (الرسالة المحيطة) وردت النسبة بين محيط الدائرة وقطرها، وهى التى يطلق عليها (ط) بالكسر العشرى، وقد أعطى قيمة (2 ط) لستة عشررقماً عشرياَ كما يأتى:
(71795865 . 83185 ) و 6 ت 2 ط. ولم يسبقه أحد فى إيجاد هذه النسبة بهذه الدقة المتناهية (52) والعرب هم أول من استخدم الصفر عام (873 م) قبل الهنود بست سنوات. يقول الدكتور (ديرك سترويك) إن (الكاشى) هو أول من فكر فى نظرية ذات الحدين، ويرجع له الفضل فى تطوير خواص معا ملاتها (53).
(ب) إدخال علم الجبرعلى حساب المثلثات:
يقول ( ايرك بل) فى كتابه (تطور الرياضيات)ان البتانى هو أول عالم أدخل علم الجبرعلى حساب المثلثات بدلاً من الهندسة، ويضيف البروفيسور الأمريكى (درك ستروك) إن البتانى أعظم عالم عربى فى علم الفلك عبر التاريخ (54).
(د) تصنيف المعادلات:
يعتبر عمر الخيام أول من حاول تصنيف المعادلات بحسب درجاتها، وبحسب الحدود التى فيها، محصورة فى (13) نوعاً، وفى عام (1079) استنتج عمر الخيام طول السنة الشمسية بما قدره (365) يوماً و (5) ساعات و (49) دقيقة و (75و5) ثانية، مستعملاً فى حساباته أرصاده المتناهية الدقة، فلم يتجاوز خطؤه نسبة يوم واحد كل خمسة آلاف عام (55).
(هـ) وضع النسب المثلثية:
يقول البروفيسور (جورج سارتون) فى كتابه (المدخل إلى تاريخ العلم) إن أبا الوفاء البوزجانى هو أول من وضع النسبة المثلثية (ظ) وأول من استعملها فى حل المسائل المثلثية، كما أوجد طريقة لحساب جداول الجيب، وكانت جداوله رائعة بدقتها، وقد حسب زاوية (30 م) وكذلك (15 م) وكانت مقاديره صحيحة إلى ثمانية أرقام، كما ابتكر حلا للمعادلة ذات الدرجة الرابعة، وهو أول من حل المسائل المستعصية على الإغريق والهنود فى الفلك باستخدام المسطرة والفرجار(56).
وقد أفلح (ابن أفلح) فى استخلاص قوانين جديدة لم يسبقه أحد إليها فى علم المثلثات، فقد ناقش بعض آراء بطليموس، حيث مهّد للجزء الخاص بالهيئة بفصل فى المثلثات، وجعل قاعدة الأقدار الأربعة، أو ما يُعرف الآن بالأبعاد الأربعة فى حسابه الخاص بالمثلثات الكروية أساساً لاستخلاص قوانينه، فوضع قانونا لم يسبقه إليه أحد، غرف فى أوروبا باسم قانون جابر(57).
(و) التفاضل والتكامل:
قال (ديفيد يوجين) فى كلمة ألقاها فى جامعة كولومبيا فى نيويورك عام 1920 إن ثابت بن قرة هو صاحب الفضل فى اكتشاف علم التفاضل والتكامل، حيث أوجد حجم الجسم المكافىء وذلك عام (870 م) وحساب التفاضل والتكامل أعان إعانة تامة فى حل عدد كبير من المسائل العويصة والعمليات الملتوية (58).
(ز)اللوغاريتمات:
ابتكر الخوارزمى علم حساب اللوغاريتمات وعمل لها جداول تُعرف باسمه محولاَ عند الغربيين إلى اللوغاريتمات، وقد حدثت تغييرات عديدة فى اسمه عند الغربيين بعد وفاته، حيث تُرجم اسمه إلى اللاتينية (alchwarizmi) ثم (al (karismi ثم ( algoritmi) ثم ( algorismi) ثم ( algorism )(59)
وينسب إلى أبى الوفاء محمد بن يحيى بن إسماعيل العباس، استخدام الممارسات والقواطع ونظائرها فى قياس المثلثات والزوايا، وفى تطوير الظل والجيب فى علم حساب المثلثات (60).
أما أبو بكر محمد بن الحسن الكرخى (ت 020 ام) فإنه أول من طور قانون مجموع مربعات الأعداد الطبيعية إلى درجة لم يسبقه إليها أحد، ولاتزال مستعملة فى القرن العشرين دون أى تغيير فيها (61).
رابعاً.. علوم الفيزياء والكيمياء:
لم تصبح الكيمياء علماً حقيقياً إلا بفضل جهود العرب ونزعتهم العلمية، فهم الذين اكتشفوا القلويات والنشادر ونيترات الفضة وعرفوا عمليات التقطير أو (التصعيد) وعرفوا الترشيح والتبلور والتكليس، كما أنهم أول من استحضر حامض الكبريتيك (زيت الزاج) والماء الملكى (حامض النيتروهيدروكلوريد) والصودا الكاوية وكربونات الصوديوم والبوتاسيوم وكلوريد الأمونيوم وكلوريد الزئبق وأوكسيد الزئبق وملح البارود والكحول والحامض الأزوتى، ولهم الفضل الأكبر فى عمليات تحسين الورق (62)، ويمكن الإشارة إلى أهم الحقول التى كان العرب فيها رواداً مجددين فى علوم الفيزياء حسب التمثيل الآتى:
(أ) الضوء:
يمكن القول باطمئنان أن العرب هم الذين سخروا الهندسة المستوية والهندسة المجسمة فى أبحاث الضوء، وذلك لغرض تعيين انعكاس الضوء على السطوح العاكسة، والمرايا الكروية والأسطوانية والمخروطية بنوعيها المحدبة والمقعرة، وقد وضع ابن الهيثم القوانين والحلول الخاصة والعامة معاً (63).
(ب) طريقة الإبصار:
من المآثر التى تُنسب إلى ابن الهيثم أنه أبطل النظرية القديمة التى كانت شائعة من العهد اليونانى، والتى تقول بأن الإبصار يكون بشعاع يخرج من البصر إلى المبصر، إلا أن ابن الهيثم بين أن المبصريجب أن يكون مضيئآ، إما بذاته أوبإشراق ضوء من غيره عليه، وأن يكون بينه وبين العين مسافة، وأن يكون بين كل نقطة من سطح البصروالعين خط مستقيم غيرمتقطع بشىء كثيف، ثم استدل من ذلك على أن السبب الأساسى فى الإبصار هو وجود المبصر مع توافر هذه الشروط (64).
وابن الهيثم أول من كتب فى أقسام العين وأول من رسمها بوضوح تام وبين كيف ننظر إلى الأشياء بالعينين فى آن واحد وأن الأشعة من النور تسيرمن الجسم المرئى إلى العينين ومن ذلك تقع صورتان على الشبكية فى محلين متماثلين، وفوق ذلك هو أول من بين أن الصلور التى تنشأ من وقوع صورة المرئى على شبكة العين تتكون بنفس الطريقة التى تتكون بها صورة جسم مرئى تمرأشعته الضوئية من ثقب فى محل مظلم، ثم تقع على سطح يقابل الثقب الذى دخل منه النور والسطح يقابله فى العين الشبكة الشديدة الإحساس بالضوء، فإذا وقع الضوء حدث تأثير انتقل إلى المخ ومن ذلك تتكون صورة الجسم المرئى فى الدماغ، وله أيضأ معرفة بخاصيات العدسات اللامة والمفرقة والمرايا فى تكوين الصور(65).
وهو أول من شرح قوس قزح والكسوف والخسوف وهو أول من اكتشف طريقة التوسيط المعروفة الآن باسم طريقة التناسب (66).
(جـ) الوزن النوعى:
العرب هم أول من وضع الجداول الدقيقة لمعرفة الوزن النوعى لكثيرمن العناصر فقد توصلوا إلى أن كثافة الرصاص هى (13، 11) وكثافة الذهب (137، 19) وهى جد قريبة إلى ما هو معروف لدينا الآن، و (للخازن) بحوث مبتكرة فى الضغط الجوى قبل (تورشلى) وهو القائل بأن للهواء قوة رافعة كالسوائل، وأن وزن الجسم المغمور فى الماء ينقص عن وزنه الحقيقى، وهو أول من اخترع آلة خاصة لمعرفة الوزن النوعى لأى سائل، كما اخترع ميزانآ غريباً لوزن الأجسام فى الماء والهواء (67).
ويعود الفضل إلى العرب فى أنهم أدخلوا طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحل، بوساطة الحامض، وهى الطريقة التى مازالت تستخدم حتى الآن (68). والخازن أول من تحدث عن الجاذبية فقال بوجود قوة جاذبة لجميع جزيئات الأجسام، وأوضح أن الأجسام تتجه فى سقوطها إلى الأرض، وذلك ناتج عن قوة تجذب هذه الأجسام فى اتجاه مركز الأرض، ورأى أن اختلاف قوة الجذب تتبع المسافة بين الجسم الساقط وهذا المركز، وكان يعلم العلاقة الصحيحة بين السرعة التى يسقط بها الجسم نحو الأرض والبعد الذى يقطعه والزمن الذى يستغرقه، وهى العلاقة التى تنص عليها القوانين والمعادلات التى ينسب الكشف عنها إلى علماء القرن السابع عشر (17)، جاليليو ونيوتن (69).
خامساً 00 الزراعة:
عرف العرب خواص الأتربة وكيفية تركيب السماد مما يلائم الأرض أكثر من غيرهم، كما أنهم أدخلوا تحسينات كثيرة على طرق الحرث والغرس والسقى، وهذا ما جعل الأندلس فى العهد العربى جنة الدنيا، حيث أخصبوا الأراضى البور، وأضافوا مواد نباتية لم يعرفها سابقوهم.
وكان لهم معرفة واسعة بالاقتصاد الزراعى، وقد أوصلوا الزراعة إلى أقصى درجات الكمال.. وقد ظهر فى العرب من اشتهر فى علم النبات بالتدقيق والبحث مثل (رشيد الدين الصورى) الذى كان يستصحب معه مصوراً عند بحثه عن الحشائش فى منابتها، ومعه الأصباغ والليق على اختلافها وتنوعها، فكان يتوجه إلى المواضع التى بها النبات فيشاهده ويحققه ويريه للمصور فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله، ويصور بحسبها ويجتهد فى محاكاتها، ثم إنه سلك أيضاً فى تصوير النبات مسلكاً مفيداً، وذلك أنه كان يُرى النبات للمصور إبان نباته وطراوته، فيصوره تلو ذلك، ثم يريه إياه أيضاً وقت ذواه وُيبسه، فيصوره، فيكون الدواء الواحد يشاهده الناظر إليه فى الكتاب، وهو على أنحاء مايمكن أن يراه فى الأرض، فيكون تحقيقه له أتمّ ومعرفته له أبين (70).
سادساً.. حساب الوقت (الساعات):
عنى العرب بالوقت عناية شديدة، ولهذا احتالوا على معرفة الأوقات لأمور شرعية، منها معرفة أوقات الصلاة، وأخرى حضارية، ومن هنا فقد تمكنوا من إختراع الآلات الآتية:
(أ)المزولة:
وتعتبر المزاول الشمسية من أروع منجزات العرب، فهى خلاصة أعمال العلماء فى هذا العلم. من حيث إعطاؤها للوقت أثناء النهار بصورة دقيقة بوساطة ظل الشمس (71).
(ب) الرقاص:
يعتقد كثير من الناس أن الرقاص (بندول الساعة) من مخترعات العالم الإيطالى غاليليو، ولكن الفضل فى اختراعه يقود إلى عالم عربى مسلم هو (على بن عبد الرحمن بن أحمد المصرى) وقد سبق غاليليو بعدة قرون، إذ تم استعماله أيضا فى الساعات الدقاقة (72).
(جـ) الساعة الزنبقية:
برع العرب فى صناعة الساعات التى تسير على الماء والزئبق وعلى الشمع، أو التى تعمل بوساطة الأثقال المختلفة، واخترعوا ساعات الشمس وأعطوها شكلا دائريا يتوسطه محور ظاهر، فاستطاعوا تحديد موضع الشمس وتحديد الوقت، وصنع التقاويم الزمنية، وكانت الساعة الشمسية النقالة، أو ما أطللقوا عليه اسم (ساعة الرحلة) أكثر اختراعاتهم أصالة وفنا فى هذا المجال، وأوجدوا أيضا الساعات الشمسية الدقاقة، التى كانت تعلن ساعة الغداء بصوت رنان، وكذلك الساعات المائية التى كانت تقذف كل ساعة كرة فى قدح معدنى، وتدور الواحدة تلو الأخرى فى شكل نصف دائرى، وما تلبث أن تبرق كلما جاوزت الساعة الثانية عشرة ليلاً، فى حين يمر فوقها هلال وضاء، وتعتمد الساعة الحديثة على الفكرة نفسها، وكذلك التصميم نفسه، اللذين كانا يعمل بهما، لأن الحركات الميكانيكية المنظمة هى التى مازالت تحكم نظام الساعات عندنا وبخاصة ساعات الحائط (73).
سابعا.. البناء:
طبق العرب المعارف والنطريات الهندسية على فن البناء، فشيدوا الأبنية التى تميزت بالفخامة والإتقان والمتانة معاَ، والتى جمعت بين التناسق والتناسب، والمثال عليها قصور الخلفاء، والمساجد، وبخاصة مازال منها موجوداً فى قرطبة، يضاف إلى ذلك النافورات المائية وطرائق توزيع المياه التى فاقت ما وصل إليه الفن الحديث (74).
ثامناً.. الموسيقى:
لقد عرف العرب فنون الموسيقى جميعها، واشتهر بينهم عديد من الموسيقيين منهم (زرياب) الذى زاد وتراً خامساً بالأندلس على الأوتار الأربعة التى كانت للعود، وهو الذى اخترع مضراب العود من قوادم النسر، وكان الفارابى هو الذى صمم (الرباب) وهو أول من اخترع (آلة القانون) وهو الذى ركبها التركيب والترتيب اللذين مازالت عليهما إلى اليوم (75).
تاسعاً.. الموازين الدقيقة:
استعمل العرب موازين دقيقة للغاية، وثبت أن فرق الخطأ فى الوزن كان أقل من أربعة أجزاء من ألف جزء من الجرام الواحد فقط، وكان لديهم موازين أدق من ذلك، فقد وزن الأستاذ (فلندرز بترى) ثلاثة نقود عربية قديمة فوجد أن الفرق بين اجزائها جزء من ثلاثة آلاف جزء من الجرام الواحد، وفى هذا يقول: إنه لا يمكن الوصول إلى هذه الدقة فى الوزن إلا باستعمال أدق الموازين الكيماوية الموضوعة فى صناديق من الزجاج لا يؤثر فيها تموجات الهواء، وبتكرار الوزن مراراً، حتى لا يبقى فرق ظاهر فى رجحان أحد الموازين على الآخر، ولذلك فالوصول إلى هذه الدقة يفوق التصور(76).
عاشرا.. الكتابة النافرة:
يورد الصفدى خبراً يشير إلى أن أول من فكر فى اختراع طريقة الكتابة بالحروف النافرة لمساعدة المكفوفين هو (على بن أحمد بن يوسف الآمدى (ت 1312م) فكان إذا ما طلب إليه كتابُُ معين قام إلى خزانة الكتب واستخرجه بنفسه وكأنه قد وضعه فى ذلك المكان قبل لحظات، وكان يتعرف عليه بطريقة اللمس، فكان إذا حصل على كتاب أخذ قطعة من ورق خفيف وفتلها وصنع منها حرفاً أو أكثرمن حروف الهجاء وسجل سعر الكتاب بحساب الجُمَّل ولصلقها على طرف جلد الكتاب ليعرف عند لمسه تلك الجهة منه (77).
حادى عشر.. الطيران:
يعتبر عباس بن فرناس أول إنسان قام بمحاولة طيران فى التاريخ، فقد اخترع آلة لهذا الغرض وقام بتجربة ذلك على نفسه، إذ مدّ لنفسه جناحين ثم صعد إلى ربوة عالية أمام جمع غفير من إهالى قرطبة، ثم اندفع فى الهواء طائراً، فخفق فيه مسافة بعيدة وطويلة، إلى أن سقط أرضاً، فلقى حتفه، لأنه نسى أن يصنع لنفسه ذنباً يحفظ التوازن
__________________
اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلاتبغضوهم هيا بنا نتعلم الديمقراطية <!-- Facebook Badge START --><!-- Facebook Badge END -->
|