تقريرها بعنوان: "مصر ممارسات القبض والاعتقال وأحوال السجون "
ذكرت فيه أنها أرسلت بعثة لتقصي الحقائق في مصر في يناير وفبراير 1992 لتتحرى عن ممارسات القبض والاعتقال وادعاءات التعذيب من المحتجزين لدى قوات الأمن، وبناءاً على موافقة الحكومة سمح للبعثة بزيارة ست سجون، وفي أثناء زيارة البعثة للسجون بدأت الصحف المصرية في وصف ملاحظات البعثة واقتطفت أقوالاً لوزير الداخلية محمد عبد الحليم موسى دون الرجوع للبعثة مما اعتبرته البعثة إساءة تفسير لملاحظاتها ولذا عقدت مؤتمرا صحفياً في 22 فبراير 1992 ذكرت فيه ما ملخصه :
"إن البعثة وهى تمثل منظمة أمريكية مستقلة قد عقدت هذا المؤتمر الصحفي لترد على التقارير المضللة غير الدقيقة التي صدرت حول ملاحظات البعثة أثناء زيارتها لمصر وقد صدرت هذه التقارير دون الرجوع للبعثة في صحف الأهرام والأخبار والجمهورية والوفد وأوردت البعثة أمثلة مما نشر في صحيفة الأخبار بتاريخ 16 فبراير 1992 تحت عنوان "لجنة لحقوق الإنسان تشيد بالمعاملة في السجون"، نقلت فيها عن عبد الحليم موسى أن لجنة لحقوق الإنسان برئاسة فيرجينيا شيري أشادت بمعاملة جهاز الأمن لنزلاء السجون ولم تصادف أي شكوى أثناء زيارتها للسجون وأن ملاحظات اللجنة قد أذاعتها الإذاعات الأجنبية أمس الأول!!.
ومثل ما ذكرته صحيفة الجمهورية في 16 فبراير 1992 من أن البعثة أشارت إلى زيف ادعاءات التعذيب التي يرددها البعض وإن كل ملاحظاتهم تدور حول ازدحام السجون .
ومثل ما ذكرته الأهرام في 19 فبراير 1992 حيث نقلت عن عبد الحليم موسى إشادة اللجنة وإعجابها بمعاملة نزلاء السجون التي تتم على أحدث الأساليب الإنسانية ولم تجد اللجنة أي دليل للتعذيب، ولذا نظرا لهذه المعلومات الخاطئة قررت اللجنة نشر تحقيقها عن زيارتها لمصر :
هدف البعثة: ذكرت فيه أنه خلافا لتقارير الصحف المصرية وتصريحات وزير الداخلية فقد تلقت المنظمة عديداً من الشكاوى من السجناء والمعتقلين تدور حول موضوعين: ممارسات القبض والاعتقال وأوضاع السجون والمعاملة فيها .
ممارسات القبض والاعتقال المشاهدات الأولية: لاحظت اللجنة الانتهاكات التالية :
الحبس الانعزالي في مقار مباحث أمن الدولة في الأيام الأولى للاعتقال من غياب الادعاء القضائي حيث يتم التعذيب قبل ترحيل المعتقلين للسجون، وخلال التعذيب يتم تعصيب الأعين ونزع الملابس وتوجيه مختلف الإهانات وتضمنت وسائل التعذيب الضرب والركل والتعليق من الأيدي وعلى حواف الأبواب من الأيدي الملتوية خلف الظهر والتعليق من خلف الركبتين بعد تقييد الأرجل والأيدي وسكب الماء البارد والساخن والصعق الكهربائي والاعتداء ال***ي.
كما جمعت اللجنة معلومات عن احتجاز المعتقلين بغير تهمة أو اعتقالهم عقب الإفراج عنهم في مقار مباحث أمن الدولة لحين إصدار قرارات اعتقال جديدة، كما تعتقد اللجنة أن ظاهرة اختفاء المعتقلين ترجع لاحتجازهم بدون تسجيل في مقار مباحث أمن الدولة حيث يتم استجوابهم تحت التعذيب ثم يرحلون للسجون العمومية بعد ذلك.
أما عن أحوال السجون فقد لاحظت اللجنة غياب الخدمات الأساسية والتهوية وسوء حالة المباني وأنظمة الصرف الصحي وازدحام النزلاء وغياب الخدمات الصحية وغياب الاتصال بين النزلاء والنيابة( [16]).
القسم الثاني : التعذيب ضد المعتقلين من التيارات الإسلامية
بينا فيما سبق أن معظم السياسيين المعذبين هم من التيارات الإسلامية بل إن التعذيب البشع يكاد ألا يقع في معظمه إلا عليهم، ونحن نورد هنا ما نشرته جريدة الشعب في عام 1991:
"أوصت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في أول تقرير لها عن سجن طرة بإصلاح أوضاع السجون والمعتقلات ووقف عمليات التعذيب الوحشية التي يمارسها زبانية السجون ضد المعتقلين خاصة الذين ينتمون للتيار الإسلامي( [17]).
أمثلة من ضحايا التعذيب:
نورد هنا فقط عينة من المعذبين حتى يدرك القارئ بشاعة التعذيب الموجه ضد التيار الإسلامي:
1- تعذيب أصم وأبكم لحمله على الكلام:
محمود محمد حسن في الثامنة والثلاثين، يعمل كاتباً، وهو أصم وأبكم، قبض عليه للمرة الأولى في المنيا وهى بلدته الأصلية بالصعيد في 15 تشرين الأول "أكتوبر" 1981، وقد احتجز عاماً واحداً في سجن أبي زعبل في سجن الاستقبال والمزرعة بطرة خارج القاهرة، وورد أنه تعرض في الشهور الثلاثة الأولى للضرب الوحشي لحمله على الكلام!!!، ويعتقد أن فرع مباحث أمن الدولة في المنيا أخبر سلطات القاهرة أنه كان يتظاهر فقط بأنه أخرس رغم معرفتهم بالحقيقة، ولم تتم إحالته إلى مستشفى القصر العيني بالقاهرة لإجراء الفحوص اللازمة لتحديد ما إذا كان يستطيع الكلام إلا بعد مرور ثلاثة شهور، وقد قضى معظم فترة اعتقاله معصوب العينين مما قطع صلاته تماما بما حوله، وقد اعتقل مرات أخرى في 1986 و 1987 و 1988 و 1989، وفي "مارس"1990 قبض عليه مرة أخرى واحتجز سبعة شهور قضى معظمها في سجن استقبال طرة، ورغم أن المحاكم قد أصدرت أحكاماً متكررة بالإفراج عنه من الاعتقال الإداري كان يعاد بدلا ًمن إطلاق سراحه إلى أقسام الشرطة في المنيا أو إلى قرية دير مواس المجاورة لها حيث يظل عدة أيام حتى يصدر أمر جديد باعتقاله( [18]).
2- التعذيب للإكراه على الاعتراف بما لم يرتكبه لتغطية فشل المباحث:
مجدي غريب: في 8 أيار "مايو" 1987 قبض على مجدي غريب الذي كان طالباً في جامعة القاهرة آنذاك في منزله واقتيد أول الأمر إلى مباحث أمن الدولة بالدقي وكان متهماً فيما يبدو بالاشتراك في محاولة اغتيال اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق، وبعد اعتقاله سبعة شهور أطلق سراحه دون محاكمة، ومن أساليب التعذيب التي وصفها: الضرب بالعصا، والجلد بالسوط وهو عار معصوب العينين ويداه في القيود الحديدية خلف ظهره، والتعليق من معصميه المربوطين خلف ظهره، وتعليقه بحيث يتأرجح في وضع مقلوب من قضيب يمر خلف ركبتيه وقد ربط معصماه وكاحلاه معا، والضرب على أم رأسه، والحرق بلفائف التبغ، والصدمات الكهربائية، وصب ماء شديد الحرارة وماء بارد أيضا عليه، وانتزاع شعر لحيته.
وافرج عنه في 4 كانون الأول "ديسمبر"1987، ثم أعيد إلقاء القبض عليه يوم 22 من نفس الشهر واحتجز 24 ساعة في الوقت الذي كان يعتزم فيه هو واثنان من المعتقلين الآخرين معه التحدث إلى اجتماع تعقده جمعية مراسلي الصحف الأجنبية في القاهرة بشأن تجربتهم في المعتقل.
وكان جسده ما يزال يحمل آثار حروق لفافات التبغ بعد شهر من خروجه من المعتقل، كما كانت هناك بعض الكدمات على صدره من أثر الضرب فيما يبدو وكان الشعر قد بدأ ينمو من جديد في منتصف رأسه حيث كان الضرب المتكرر قد خلف بقعة بلا شعر( [19]).
3- الدكتور أحمد إسماعيل محمود:
ورد في تقرير لمنظمة العفو الدولية: "إنه طبيب في الخامسة والثلاثين وهو متزوج وله أربعة أبناء وقد قبض عليه يوم 17 تشرين الأول " أكتوبر "1990 إبان حملة القبض الجماعي التي أعقبت اغتيال رئيس مجلس الشعب واتهم بأن له علاقات مع الإخوان المسلمين، واحتجز مبدئياً في مركز مباحث أمن الدولة في شارع جابر بن حيان حيث عصبت عيناه وجرد من ملابسه وربطت يداه وقدماه ربطا محكماً، وقيل إنه ضرب ضرباً شديداً على وجهه ووجهت الصدمات الكهربائية إلى أعضائه التناسلية، واستمرت هذه المعاملة أربعة أيام ورد أنه منع خلالها من الطعام وترك وحده دون ملابس في غرفة قذرة، ثم نقل إلى سجن أبي زعبل حيث مكث 11 يوماً، وبعدها نقل إلى المقر الرئيسي لمباحث أمن الدولة في لاظوغلي حيث استمر تعذيبه طبقاً للأنباء الواردة، قال: "أجبرت على الرقاد على ظهري وكانت العصابة على عيني محكمة ويداي موثقتين خلف ظهري ثم وضعوا آلة حديدية بين رجلي كي تظل منفرجتين مما أحدث آلاما حادة بعضلات أعلى الفخذ ثم وجهوا الصدمات الكهربائية إلى جميع أجزاء جسمي وخصوصا أعضائي التناسلية"، وبعد 13 يوماً نقل إلى سجن طرة حيث مكث حتى أفرج عنه في 12 شباط "فبراير" 1991( [20]).
4- محمد خلف يوسف:
قال عنه تقرير لمنظمة العفو الدولية: "مدرس في التاسعة والعشرين قبض عليه في منزله في أسيوط ليلة 15 أو 16 كانون الأول "ديسمبر" 1990، ووصف المعاملة التي لاقاها قائلاً: "نقلنا إلى المستشفى التابع لفرق الأمن وهو المكان الذي يتلقى فيه ضباط الشرطة فيما أعتقد الرعاية الطبية ولكنه يستخدم في التعذيب، وطلب منا هناك أن نملأ استمارات نكتب فيها معلومتنا الشخصية واستغرق ذلك نحو ساعة ونصف ساعة، ثم سمعت من ينادي على اسمي ومن ثم أتى أحدهم بمنديل وعصب عيني وأوثق يدي خلف ظهري بقطعة أخرى من القماش ثم ضربوني في كل أنحاء جسدي بطريقة عشوائية .. صفعات ولكمات وركلات في مختلف أجزاء جسدي ومؤخرة رأسي..."
"جردوني من كل شيء إلا ملابسي الداخلية ثم هددوني بإحضار زوجتي وتعذيبها، وسألوني أسئلة مثل : هل تصلي؟ هل تلقي خطبة الجمعة في المسجد؟، وهددوني بالاعتداء ال***ي على زوجتي، ثم سمعت الباب يفتح وإذا بآخرين يدخلون ويجردونني حتى من ملابسي الداخلية، وقالوا لي إنني إذا لم أقدم لهم معلومات فلن أرى الشمس مرة أخرى ولن أعيش حياة طبيعية بعد اليوم، وقالوا إنني إذا غادرت ذلك المكان حياً فسوف أنسى حتى اسم زوجتي، وأخذوا يضربونني من جديد واستخدموا جهازاً مشحونا بالكهرباء على جسدي وركزوا على عيني وشفتي ورأسي والمناطق الحساسة الأخرى في جسدي وظلوا يكررون أنني سأنسى جميع من أعرف، واتهموني بأنني من الإخوان المسلمين".
وفي يوم الاثنين جاءوا مرة أخرى عند الظهر تقريبا وعادوا بنا إلى المستشفى ووضعوا قطعة من الصوف على عيني وبدأ العرق يتصبب مني، وقالوا لي إن علي أن أقف وذراعاي مرفوعتان وممدودتان وقدماي منفرجتان ولكن قدمي ظلتا تتعثران، وكلما تعثرت ضربوني أو ركلوا رجلي، واضطررت إلى البقاء في ذلك الوضع فترة طويلة، كان وضعا مرهقا وكنت في مسيس الحاجة لتغييره ولكنهم كانوا يضربونني بعصا كلما تراخيت في وقفتي ولو للحظة الواحدة، واقتادونا من الغرفة واحداً واحداً لإنزال مزيد من التعذيب بنا، وعندما عُدنا كان علينا أن نعود للوقوف في نفس الوضع السابق، كانوا يجبروننا على القفز أو الجلوس أو على مد أذرعنا ويضربوننا طوال الوقت بعصا بصورة عشوائية.
|