في بيان معنى توحيد الألوهية وأنه موضوع دعوة الرسل
توحيد الألوهية: الألوهية هي العبادة:
وتوحيد الألوهية هو: إفراد الله تعالى بأفعال العباد التي يفعلونها على وجه التقرب المشروع، كالدعاء والنذر والنحر، والرجاء والخوف، والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة، وهذا النوع من التوحيد هو موضوع دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم، قال تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } [النحل: 36. ]، وقال تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }. [الأنبياء: 25. ]
وكلُّ رسول يبدأ دعوته لقومه بالأمر بتوحيد الألوهية، كما قال نوح وهود وصالح وشعيب: { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } [الأعراف: 59، 65، 73، 85. ]، {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه }. [العنكبوت: 16. ]
وأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصًا له الدين }. [الزمر: 11. ]
وقال صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ". [الحديث رواه البخاري ومسلم. ]
وأول واجب على المكلف: شهادة أن لا إله إلا الله والعمل بها، قال تعالى: { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك }. [محمد: 19. ]
وأول ما يؤمر به مَنْ يريد الدخول في الإسلام: النطقُ بالشهادتين، فتبين من هذا: أن توحيد الألوهية هو مقصودُ دعوة الرُّسل، وسُمِّي بذلك، لأن الألوهية وصف الله تعالى الدال عليه اسمه تعالى (الله )، فالله: ذو الألوهية، أي المعبود.
ويقال له: توحيد العبادة؛ باعتبار أن العبودية وصفُ العبد، حيثُ إنه يجبُ عليه أن يعبد الله مخلصًا في ذلك؛ لحاجته إلى ربه وفقره إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:
( واعلم أن فقر العبد إلى الله: أن يعبده لا يُشرك به شيئًا، ليس له نظير فيُقاسُ به؛ لكن يُشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب، وبينهما فروق كثيرة؛ فإن حقيقة العبد قلبه وروحه، وهي لا صلاح لها إلا بإلاهها الله الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره. ولو حصل للعبد لذات وسرور بغير الله، فلا يدوم ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، وأما إلهه فلا بد له منه في كل حال، وكل وقت وأينما كان فهو معه ). [مجموع الفتاوى (1 / 24 ). ]
وكان هذا النوع من التوحيد هو موضوع دعوة الرسل؛ لأنه الأساسُ الذي تُبنى عليه جميع الأعمال، وبدون تحققه لا تصحُ جميعُ الأعمال: فإنه إذا لم يتحقق؛ حصل ضده، وهو الشركُ، و قد قال الله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 48، 116. ]، وقال تعالى: { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } [الأنعام: 88. ]، وقال تعالى: { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين }. [الزمر: 65. ]
ولأن هذا النوع من التوحيد؛ هو أول الحقوق الواجبة على العبد، كما قال تعالى: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا } [النساء: 36.] الآية، وقال تعالى: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا } [الإسراء: 23.] الآية، وقال تعالى: { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا } [الأنعام: 151 ـ 153.] الآيات.