(الأول): الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وهي باقية إلى يوم القيامة، والتي انقطعت بالفتح في قوله : « لا هجرة بعد الفتح ». هي القصد إلى رسول الله صلى عليه وسلم حيث كان.
(الثاني): الخروج من أرض البدعة، قال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يُسَبُ فيها السلف.
(الثالث): الخروج من أرض يغلب عليها الحرام، فإن طلب الحلال فريضة على كل مسلم.
(الرابع): الفرار من الأذية في البدن، وذلك فضل من الله تعالى أرخص فيه، فإذا خشي على نفسه في مكان فقد أذن الله تعالى له في الخروج عنه، والفرار بنفسه يخلصها من ذلك المحذور، وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام حيث خاف من قومه فقال: {إٍنًّي مُهَاجِر ُ إِلى رَبًّي } [العنكبوت: 26]. وقال تعالى مخبراً عن موسى عليه السلام: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفَاَ يَتَرَقَّب ُ} [القصص: 21].
(الخامس): الخروج خوف المرض في البلاد الوخمة، إلى الأرض النزهة، وقد أذن للعرنيين في ذلك حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المرج.
(السادس) الخروج خوفاً من الأذية في المال، فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه.
وأما قسم الطلب، فإنه ينقسم إلى عشرة: طلب دين وطلب دنيا، وطلب الدين ينقسم إلى تسعة أنواع:
(الأول) سفر العبرة قال الله تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيْروُا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذينَ مِنْ قَبْلهِم } [الروم: 9]. وقد طاف ذو القرنين في الدنيا ليرى عجائبها.
(الثاني): سفر الحج.
(الثالث): سفر الجهاد.
(الرابع): سفر العبرة المعاش.
(الخامس): سفر التجارة والكسب الزائد على القوت، وهو جائز لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلْيكُمْ جُنَاحُ أَنْ تَبْتغُوا فَضْلاً مِنْ رَبَّكم } [البقرة: 198].
(السادس): طلب العلم.
(السابع): قصد البقاع الشريفة، قال : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ».
(الثامن): قصد الثغور للرباط بها.
(التاسع): زيارة الإخوان في الله تعالى، قال : « زار رجل أخاً له في قرية، فأرسل الله ملكاً على مدرجته. فقال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تؤديها قال: لا، إلا أنني أحبه في الله تعالى قال: فإني رسول الله إليك بأن الله أحبك كما أحببته ». رواه مسلم. وغيره.
الثالثة: هجرة القبائل إلى رسول الله ليتعلموا الشرائع ويرجعوا إلى قومهم فيعلموهم.
الرابعة: هجرة من أسلم من أهل مكة ليأتي النبي ثم يرجع إلى قومه.
الخامسة: الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، فلا يحل للمسلم الإقامة بدار الكفر، قال الماوردي: فإن صار له بها أهل وعشيرة، وأمكنة إظهار دينه، لم يجز له أن يهاجر، لأن المكان الذي هو فيه قدر دار إسلام.
السادسة: هجرة المسلم أخاه فوق ثلاثة، بغير سبب شرعي، وهي مكروهة في الثلاثة، وفيما زاد حرام إلا لضرورة.
السابعة: هجرة الزوج الزوجة إذا تحقق نشوزها قال تعالى {واهْجُرُوهُنَّ فِي اَلمَضَاجِع ِ} [ النساء: 34]. ومن ذلك هجرة أهل المعاصي في المكان، والكلام، وجواب السلام وابتداؤه.
الثامنة: هجرة ما نهى الله عنه، وهي أعم الهجر.
قوله : « فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله »: أي نية وقصداً فهجرته إلى الله ورسوله حكماً وشرعاً.
« ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها.. الخ » نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فسمي مهاجر أم قيس. فإن قيل النكاح من مطلوبات الشرع فْلمَ كان من مطلوبات الدنيا؟ قيل في الجواب: إنه لم يخرج في الظاهر لها، وإنما خرج في الظاهر للهجرة، فلما أبطن خلاف ما أظهر استحق العتاب واللوم، وقيس بذلك من خرج في الصورة الظاهرة لطلب الحج وقصد التجارة وكذلك الخروج لطلب العلم إذا قصد به حصول رياسة أو ولاية.
قوله : « فهجرته إلى ما هاجر إليه » يقتضي أنه لا ثواب لمن قصد بالحج التجارة والزيارة، وينبغي حمل الحديث على ما إذا كان المحرك الباعث له على الحج إنما هو التجارة، فإن كان الباعث له الحج فله الثواب، والتجارة تبع له إلا أنه ناقص الأجر عمن أخرج نفسه للحج، وإن كان الباعث له كليهما فيحتمل حصول الثواب لأن هجرته لم تتمخص للدنيا، ويحتمل خلافه لأنه قد خلط عمل الآخرة بعمل الدنيا، لكن الحديث رتب فيه الحكم على القصد المجرد، فأما من قصدهما لم يصدق عليه أنه قصد الدنيا فقط، والله سبحانه وتعالى أعلم.
آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 13-04-2012 الساعة 06:50 AM
|