الموضوع: لمحات شخصية
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13-04-2012, 09:09 PM
المفكرة المفكرة غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 1,413
معدل تقييم المستوى: 18
المفكرة is on a distinguished road
افتراضي

حياتي (بقلم فرانك مكورت) (عدد نوفمبر 1999من مجلة Reader’s digest)
هذا الكاتب الناجح عانى في أول حياته كمدرس ثم فتح باب خزانة.
في صيف عام 1957 أنهيت دراستي الجامعية و في الخريف اجتزت الامتحان لأحظى بشهادة لتدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الثانوية.
في الصحيفة اليومية صفحة بها إعلانات عن وظائف خالية للمدرسين. معظم الأماكن الشاغرة في مدارس مهنية ، و قد حذرني أصدقائي من تلك المدارس ، قالوا لي : لا تقرب تلك المدارس فالطلبة هناك قتلة ، سيمضغونك ثم يتفلونك!
أردت العمل في أحد مدارس الضواحي الغنية حيث الأولاد يبتسمون بفرح و بهجة و تخيلت نفسي أقرأ لهم كتب الأدب الإنجليزي القديم فيعجبون بإلقائي . و عندما ينجح الطلاب و الطالبات فإن آباءهم سيدعونني للعشاء في أفضل البيوت!
في المدارس التي تقدمت للعمل بها ، أخبروني أنني ذكي و متحمس لكن لكنتي الأيرلندية تحول بيني و بين الوظيفة. لم يوظفني أحد و انتهى بي الأمر بالعمل في وظائف أخرى.
في منتصف شهر مارس من عام 1958 وجدت إعلانًا في جريدة يطلب مدرسًا للغة الإنجليزية في مدرسة مهنية و ذهبت للتقدم لها. مساعد الناظر فحص رخصة التدريس ثم أخذني لرؤية الناظر الذي لم يتحرك من كرسيه و نفث دخان سيجارته في وجهي و أخبرني أن مدرس اللغة الإنجليزية تقاعد في منتصف الفصل الدراسي لذلك تعين مدرس بديل له لحل ذلك الأمر الطارىء. كما أخبرني أنه لا يمتلك منصبًا لمدرس يدرس اللغة الإنجليزية فقط لذلك يتعين علي أن أدرس الطلاب مادة الدراسات الاِجتماعية أيضًا.
_ لكنني لا أعرف أي شيء عن منهج الدراسات الاِجتماعية .
نفث دخان سيجارته ثم قال: لا تقلق لهذا الشأن . ثم ناولني كتاب (عالمك و أنت ) عن الاقتصاد الاجتماعي و ابتسم خلال الدخان قائلا: (عالمك و أنت ) سيغطي كل الأشياء.
أخبرته أنني لا أعرف شيء عن المواطنة أو الاقتصاد فقال لي: اقرأ عدة صفحات مقدمًا عن الطلاب و عندها يصبح كل ما تخبرهم به أخبارًا هامة.
علي أن أنسى الضواحي الغنية ، أمامي الآن كتاب (عالمك و أنت ) ليساعدني في يومي الأول في مهنة التدريس. تصفحت تاريخ الولايات المتحدة من وجهة نظر اقتصادية. فصول الكتاب عن الحكومة الأمريكية و نظام البنوك ، كيف تقرأ تقارير سوق البورصة و كيف تضبط موازنة المنزل و كيف تحصل على قرض و رهن عقار. ينتهي كل فصل من الكتاب بالحقائق و الأسئلة للمناقشة.
لا أدري كيف سأقف أمام المراهقين و أخبرهم حقائق الاقتصاد بينما أنا مدين بالمال للعديد من الأشخاص من أماكن مختلفة!
أخبرني الناظر أن تلك فرصتي الذهبية لأدخل عالم التدريس و أبدأ مهنتي به. سأحب الأولاد و يحبوني لأنني قريب من سنهم.
بالطبع وافقت ، سأكون في المدرسة اليوم التالي.
في يومي الأول بالمدرسة ، تدافع الطلاب حولي و كانوا يتحركون و هم يدفعون بعضهم البعض. الآ يدرون أنني مدرس ؟ ألا يرون كتاب (عالمك و أنت ) معي؟
توقعت أن يتوقفوا عن سوء التصرف و إلقاء الأشياء حين أدخل الفصل و أضع كتبي على مكتب المدرس. لم يفعلوا و لم أدرِ ماذا أفعل إلى أن خرجت من فمي أول كلماتي كمدرس ، ألا و هي : (توقفوا عن إلقاء الشطائر و الأطعمة!).
جلسوا في أماكنهم و صاروا يتهامسون ، ينظرون إلي ثم يتهامسون و يضحكون.
ماذا أفعل في أول مرة أدرس فيها و طلابي يلقون الشطائر و الطعام على بعضهم و أحدهم يميل من النافذة و يتحدث مع آخر في فناء الفصل؟ لا يريدون أن يقرأوا أو يكتبوا.
قال لي الطلاب : كل المدرسين السابقين طلبوا منا أن نكتب أشياء مملة مثل ماذا فعلنا في الصيف أو قصة حياتنا. منذ الأول الإبتدائي و نحن نكتب قصة حياتنا ثم يعطينا المدرسون درجات و هذا أمر ممل.
حين حان موعد الامتحان ، ساد الصمت القاعة و شعرت بنظرات الجمود تملأ أعين طلابي. بينما كنت أراقب عليهم ، أخذت استكشف خزانة كتب قديمة في خلفية الفصل لأجدها ممتلئة بالكتب و الصحف القديمة ومئات الأوراق مكتوب بها مواضيع الإنشاء التي لم يتم تصحيحها و يعود تاريخها للعام 1942.
كنت على وشك التخلص منها جميعًا في سلة المهملات لكنني بدأت بقراءة إحداها.
الأولاد وقتها (1942) كانوا يودون القتال للانتقام من مقتل إخوتهم و آبائهم في الحرب العالمية الثانية.
كتب أحدهم : (لا أريد خوض الحرب كي لا أقتل إيطاليًا فأنا أمريكي من أصل إيطالي ، من أقتلهم قد يكونون أبناء عمومة).
الفتيات كتبن يعبرن عن مشاعرهن أثناء الانتظار. إحداهن كتبت : أنتظر جوي لأتزوجه و ننتقل إلى جرسي بعيدًا عن أمه.
جمعت تلك المقالات و وضعتها على مكتبي ثم بدأت أقرأها في الأسابيع التالية في الفصل على الطلاب. عرفوا أسماء كاتبي المقالات من أقربائهم . أثناء القراءة تعرف طالب على قصة أبيه و قال: هذا والدي و قد قتل في الحرب. أثناء قراءة قصة أخرى ، قال طالب: هذا عمي و قد قتل في حرب أخرى.
كانت القصص عن عائلات كثيرة من هذا الحي. كانت المقالات مكتوبة على أوراق متداعية فخشينا أن تتفتت بين أيدينا أثناء القراءة. أردنا الحفاظ على مئات القصص فقررنا أن نكتب تلك القصص للحفاظ على التاريخ القريب لتلك العائلات . لم يعترض أحد. كل استخدم قلمه لنقل تلك المقالات لورق جديد و استغرق ذلك بقية الفصل الدراسي.
كانت الدموع تتخلل الكتابة و أحيانًا ما انفجرت المشاعر و سمعنا كلمات مثل : هذا والدي عندما كان في الخامسة عشر، أو تلك عمتي و قد ماتت و هي تلد طفلها.
فجأة اهتموا بمقالات عنوانها حياتي لأنها مثلت تاريخ أقربائهم. وددت لو أقول لهم : ما رأيكم لو كتبتم قصص حياتكم للجيل القادم ؟ لكنني تركت الموقف يمر بلا تعليق لأنني لم أرغب في قطع حبل الصمت الذي يعم الفصل. صمت أحضر الناظر يتفقد الأمر ثم تركنا و شأننا حين رآهم منهمكين في الكتابة.
في الصيف أعطيت جميع الطلاب درجات تؤهلهم للنجاح و شعرت بالامتنان للمقالات التي جعلتني أبقى على قيد الوظيفة في الأشهر الأولى من عملي كمدرس.
رد مع اقتباس