الجزء الثاني
لقاء العيون
وصل خالد ومصطفى الدرس متأخرين عن موعدهما فسامحهما معلمهما مع قليل من العتاب لأنّه كان يحبهما كثيرا وكان يتوسم فيهما خيراً. وأخذ الأستاذ المحب للطعام يأكل وهو يشرح تاريخ مصر الحديث ونهضتها على يد الوالي النجيب محمد علي الكبير.وبينما هو على ذلك لاحظ مصطفى كعادته دون أن يخبر احداً أنّ الفتاة التي تجلس بمقربة منه تنظر إلى صديقه خالد وكان مصطفى قد أخبر خالد أنّه يحب تلك الفتاة حيث كانت جميلة القوام صافية الوجه رقيقة الحديث فيما يشبه الهمس رائعة الصوت فكان لا يجد من خالد إلا عدم الإهتمام حيث يقول له أنّهما ما زالا صغاراً وليس عليهما إلا الإهتمام بدراستهما لأنّها الاهم في ذلك الوقت ثم فيما بعد فليفكر فيما يريد فما زاد هذا مصطفى إلا كل فرحة وراحه لأنّه يعرف انّها معجبة بخالد غير أن خالد في هذه المره قد لفت نظره فجأةً على مصطفى فوجده ينظر إليها فألقى بنظره عليها فإذا بعينيها عسليتي اللون تلقي بسهامها عليه وعندما لاحظت أنّه نظر إليها لفتت نظرها بعيداً عنه خجلاً منه. وإذا هو في هذا اليوم ليس بخالد الذي اعتاد عليه مصطفى فلقد اصابته سهام عينيها ورأى وجهها الناصع الجميل فأخذ طيلة يومه يفكر فيها_تلك الفتاة التي ملكت تلابيبه من مرة واحده_ فلربما نظرة اوقعت بالقلب ألف حسرة ومع أنّ الحب لم ولن يكون حسرةً يوما ما لكن عواقبه قد تكون مؤلمة جداً.
حيرة وفرحة
وفي الحقيقه لم يكن صاحبنا من المهتمين بتلك الأشياء على خلاف مصطفى الذي كان كثيرا ما يعرف واحدةً ثم يتركها وكأنًما هو يلهو ليس أكثر وفي ذلك اليوم لاحظت والدة خالد تغير حاله فتسائلت ما إن كان هناك شيء يؤرقه ؟ هل من شجار حدث معه؟ فيقول لها أنّه بتمام الخير ثم يدخل غرفته ليذاكر بعض ما اخذ بالدرس فلا يتذكر أنّه قد تلقى شيئاً إلا تلك النظره التي ما فارقت عينيه منذ حينها وكأنّ محمد علي الذي أسس تاريخ مصر الحديث لم يولد من الأصل!فهو يكاد لا يتذكر إلا عينيها الجميلتين وصوتها الرائع الرقيق وهي تحدث صديقتها وتشعر بهذا اليوم وكأنّ خالد قد محي كل ما بعقله ولم يبق به إلفا تلك الفتاه. لقد كان يعرف خالد أنّ هذه الفتاه تقطن في نفس شارعه ولكن لم يكن يهتم بالنظر إليها فلا يهمه إن كانت جارةً أم لا أما وقتها فأحس بشيء في قلبه يجذبه نحو النافذة كي ينظر على منزلها الذي يبعد عنه بما لا يتجاوز المئة متر. فأخذ ينظر إليه ولأنّه كان لا يعرف ما بقلبه وما يسميه لأنّه لم يجربه من قبل. وأحس كأنّه أول انسان يشعر هذا الشعور النبيل فتذكر قول إبي فراس الحمداني:
"أَقُوْلُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبِي حَمَامَةٌ*** أَيّا جَارَتَا لَوْ تَشْعُرِيْنَ بِحَالِيْ
مُعَاذٍ الْهَوَىَ مَاذُقْتِ طَارِقَةَ الْنَّوَىَ*** وَلَا خَطَرَتْ مِنْكِ الْهُمُومُ بِبَالِ
أَيّا جَارَتَا مَا أَنْصَفَ الْدَّهْرُ بَيْنَنَا*** تَعَالَيْ أُقَاسِمْكِ الْهُمُومَ تَعَالِيْ
أَيَضْحَكُ مَأْسُورٌ وَتَبْكِيْ طَلِيْقَةٌ*** وَيَسْكُتُ مَحْزُوْنٌ وَتَنْدُبُ سَالِيَ
لَقَدْ كُنْتُ أَوْلَىٍ مِنْكِ بِالْدَّمْعِ مُقْلَةً*** وَلَكِنْ دَمْعِيْ فِيْ الْحَوَادِثِ غَالِي"ْ
ثم ازاح كل تلك الفكر عن عقله وتذكر إنّه هو الذي كان يقول لصديقه أنّهما ما زالا صغاراً فكيف له أن يناقض ما يقول ثم أخذ يذاكر اللغة العربيه حتى يبتعد عن التاريخ وما به من أحداث ونظرات .
بينما في منزل لا يبعد عنه بما يتجاوز المئة متر كانت تجلس فتاة جميلة هادئه تستمع لأغاني العندليب وتفكر في حبيبٍ لها طال انتظاره فهو يكاد يكون لا يشعر بها وبما يجول بداخلها من مشاعر دفينع إلا أنّها شعرت بشئ من الأمل والفرحه لأنّه قد نظر إليها ولأول مرة وعسى ألا تكون الأخيره
هذا هو ما تمنت لأنّها لم تكن تعلم بما كان يفكر في نفس الوقت وكم كانت تخاف ببرائتها الفطريه أن يكون على علاقة أو اعجاب بفتاة آخرى غيرها فهي تتذكر جيداً منذ صغرها حينما تراه وتحبه كثيراً عندما كان يطوف بالمنطقة مع مصطفى ومراد وكم حزنت لحزنه عند وفاة مراد
ثم أخذت كتابها لتذاكر وبالطبع هو كتاب التاريخ لأنّه سيذكرها بأقرب شخص لقلبها وبالطبع أيضاً هذا الشخص هو ليس محمد علي!
وكلما تنتهي من استذكار مادرسته في ذلك اليوم تعيد استذكاره مرة آخرى ثم تدخل عليها أمها فتجدها تذكر فتفرح وتسعد بها وياليتها تعلم ما السبب!
وفي بيت آخر كان هناك شاب نجيب يذاكر جيداً ويفكر في فتاة كانت تنظر لصديقه ولكنّه يقول يجب ان استذكر جيداً كما قال لي خالد من قبل.
إلى اللقاء مع الجزء القادم