عرض مشاركة واحدة
  #422  
قديم 14-05-2012, 12:35 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

باب الخوف من الشرك
وقول الله عز وجل : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء : 48 و 116] وقال الخليل - عليه السلام - : وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم : 35] وفي الحديث : أحمد " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " فسئل عنه قال : " الرياء وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : البخاري تفسير القرآن ، أحمد . من مات وهو يدعو من دون الله ندا ، دخل النار أخرجه البخاري . رواه البخاري ولمسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مسلم الإيمان ، أحمد . من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار أخرجه مسلم. .
فيه مسائل : الأولى : الخوف من الشرك .

الثانية : أن الرياء من الشرك .

الثالثة : أنه من الشرك الأصغر .

الرابعة : أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين .

الخامسة : قُرْب الجنة والنار .

السادسة : الجمع بين قربهما في حديث واحد .

السابعة : أنه مَنْ لقيه لا يشرك به شيئا ؛ دخل الجنة . ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ، ولو كان من أعبد الناس .

الثامنة : المسألة العظيمة : سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عباد الأصنام .

التاسعة : اعتبار بحال الأكثر لقوله : رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ

العاشرة : فيه تفسير " لا إله إلا الله " ، كما ذكره البخاري .

الحادية عشرة : فضيلة من سَلِمَ من الشرك .

الشرح : كل من حقق التوحيد فلا بد أن يخاف من الشرك ؛ ولهذا كان سيد المحققين للتوحيد محمد - عليه الصلاة والسلام - يُكثر من الدعاء بأن يبعد عنه الشرك ، وكذلك كان إبراهيم - عليه السلام - يكثر من الدعاء ؛ لئلا يدركه الشرك ، أو عبادة الأصنام .

فمناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة ، وهي أن تحقيق التوحيد عند أهله لا بد أن يقترن معه الخوف من الشرك ، وقَلَّ من يكون مخاطرا بتوحيده أو غير خائف من الشرك ، ويكون مع هذا على مراتب الكمال ، بل لا يوجد . فكل محقق للتوحيد ، وكل راغب فيه حريص عليه : يخاف من الشرك ، وإذا خاف من الشرك فإن الخوف الذي هو فزع القلب وهلعه ، يجعل العبد حريصا كل الحرص على البعد عن الشرك والهروب منه والخوف من الشرك يثمر ثمرات منها :

- أن يكون متعلما للشرك بأنواعه ، حتى لا يقع فيه .

- ومنها أن يكون متعلما للتوحيد بأنواعه ، حتى يقوم في قلبه الخوف من الشرك ويعظم ، ويستمر على ذلك .

- ومنها أن الخائف من الشرك يكون قلبه دائم الاستقامة على طاعة الله مبتغيا مرضاة الله فإن عصى ، أو غفل كان استغفاره استغفار من يعلم عظم شأن الاستغفار وعظم حاجته للاستغفار ؛ لأن الناس في الاستغفار أنواع ، لكن من علم منهم حق الله - جل وعلا - وسعى في تحقيق التوحيد وتعلم ذلك ، وسعى في الهرب من الشرك : فإنه إذا غفل وجد أنه أشد ما يكون حاجة إلى الاستغفار ، ولأجل صلاح هذا بوب الشيخ - رحمه الله - هذا الباب الذي عنوانه ( باب الخوف من الشرك ) ، فكأنه يقول لك : إذا كنت تخاف من الشرك كما خاف منه إبراهيم - عليه السلام - وعرفتَ ما توعد الله به أهل الشرك من أنه لا يغفر لهم شركهم ، فينبغي لك أن تعلم وأن تتعلم ما سيأتي في هذا الكتاب ، فإن هذا الكتاب موضوع لتحقيق التوحيد ، وللخوف من الشرك والبعد عنه ، فما بعد هذين البابين : ( باب من حقق التوحيد ) و ( باب الخوف من الشرك ) تفصيل لهاتين المسألتين العظيمتين اللتين هما : تحقيق التوحيد ، والخوف من الشرك ؛ بيان معناه وبيان أنواعه .

وقد ذكرنا فيما سبق أن الشرك هو : إشراك غير الله معه في أي نوع من أنواع العبادة ، وقد يكون أكبر ، وقد يكون أصغر ، وقد يكون خفيا .

قال الشيخ رحمه الله : ( وقول الله - عز وجل - : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء : 48 و 116])
- والمغفرة هي : الستر لما يخاف وقوع أثره ويقال في اللغة : غفر : إذا ستر ، ومنه سُمِّي ما يوضع على الرأس مغفرا ؛ لأنه يستر الرأس ، ويقيه الأثر المكروه من وقع السيف ونحوه ، فمادة ( المغفرة ) راجعة إلى ستر الأثر الذي يخاف منه ، والشرك والمعصية لهما أثرهما إما في الدنيا وإما في الآخرة أو فيهما جميعا . وأعظم ما يُمَنُّ به على العبد أن يغفر ذنبه ، وذلك بأن يستر عليه ، ويُمحي عنه أثره ، فلا يؤاخذ به في الدنيا ، ولا يعاقب عليه في الآخرة ، فلولا المغفرة لهلك الناس .

ومعنى قوله - جل وعلا - في هذه الآية لَا يَغْفِرُ أي : أبدا ، فقوله : لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ هذا وعيد بأنه - تعالى - لم يجعل مغفرته لمن أشرك به ، وقد قال العلماء في قوله : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ إن في هذه الآية دليلا على أن المغفرة لا تكون لمن أشرك شركا أكبر ، أو أشرك شركا أصغر ، فإن الشرك لا يدخل تحت المغفرة ، بل يكون بالموازنة ، فهو لا يغفر إلا بالتوبة ، فمن مات على ذلك غير تائب فهو غير مغفور له ما فعله من الشرك ، وقد يغفر الله - تعالى - غير الشرك كما قال وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فجعلوا الآية دليلا على أن الشرك الأكبر والأصغر لا يدخل تحت المشيئة .

وجه الاستدلال من الآية : أن ( أن ) في قوله - تعالى - : لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ موصول حرفي ، فتؤول مع الفعل الذي بعدها وهو يشرك بمصدر - كما هو معلوم - ، والمصدر نكرة وقع في سياق النفي ، وإذا وقعت النكرة في سياق النفي عمت ، قالوا : فهذا يدل على أن الشرك الذي نفي هنا يعم الأكبر والأصغر ، والخفي ، فكل أنواع الشرك لا يغفرها الله - جل وعلا - وذلك لعظم خطيئة الشرك لأن الله - جل وعلا - هو الذي خلق ، ورزق ، وأعطى ، وهو الذي تفضل ، فكيف يتوجه القلب عنه إلى غيره ؟! لا شك أن هذا ظلم في حق الله - جل وعلا - ولذلك لم يغفر . وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأكثر علماء الدعوة .

وقال آخرون من أهل العلم : إن قوله هنا : لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ دال على العموم ، لكنه عموم مراد به خصوص الشرك الأكبر ، فالمقصود بالشرك في قوله : لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ هو : الشرك الأكبر فقط دون غيره ، وأما ما دون الشرك الأكبر فإنه يكون داخلا تحت المشيئة ، فيكون بالعموم في الآية مرادا به الخصوص ، لأنه غالبا ما يرد في القرآن هذا اللفظ : أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ونحو ذلك ويراد به الشرك الأكبر دون الأصغر ، وهذا في الغالب - كما سبق - فالشرك غالبا ما يطلق في القرآن على الأكبر دون الأصغر ، ومن شواهد ذلك ، قوله - جل وعلا - : وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ فقوله في الآية : يُشْرَكَ هو - أيضا - : فعل داخل في سياق الشرط ، فيكون عاما ، لكن هل يدخل فيه الشرك الأصغر والخفي ؟؟ الجواب : أنه لا يدخل بالإجماع ؛ لأنه تحريم الجنة ، وإدخال النار ، والتخليد فيها ، إنما هو لأهل الموت على الشرك الأكبر ، فدلنا ذلك على أن المراد بقوله : إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة : 72] أهل الإشراك بالله الشرك الأكبر ، فلم يدخل فيه الأصغر ، ولم يدخل ما دونه من أنواع الأصغر .

فيكون المفهوم - إذًا - من آيتي سورة النساء كالمفهوم من آية سورة المائدة ، ونحوها وهذا كقوله في سورة الحج وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج : 31] فهذا ونحوه وارد في الشرك الأكبر .

فيكون - على هذا القول - المراد بما نُفي هنا في قوله : لَا يَغْفِرُ أَنْ الشرك الأكبر . ولما كان اختيار إمام الدعوة ، كما هو اختيار عدد من المحققين : كشيخ الإسلام : ابن تيمية ، وابن القيم وغيرهما أن العموم هنا شامل لأنواع الشرك : الأكبر ، والأصغر ، والخفي ، كان الاستدلال بهذه الآية صحيحا ؛ لأن الشرك : أنواع ، وإذا كان الشرك بأنواعه لا يغفر ، فهذا يوجب الخوف منه أعظم الخوف ، فإذا كان الشرك الأصغر : كالحلف بغير الله ، وتعليق التميمة ، والحلقة ، والخيط ، ونحو ذلك من أنواع الشرك الأصغر ، كقولك : ما شاء الله وشئت ، ونسبة النعم إلى غير الله ، إذا كان ذلك لا يغفر فإنه يوجب أعظم الخوف كالشرك الأكبر .

وإذا كان كذلك ، فيقع في الخوف من الشرك مَنْ هم على غير التوحيد ، كمَنْ يعبدون غير الله ، ويستغيثون بغير الله ، ويتوجهون إلى غيره ، ويذبحون وينذرون لغيره ، ويحبون غير الله محبة العبادة ، ويرجون غير الله رجاء العبادة ، ويخافون خوف السر من غير الله ، إلى غير ذلك من ألوان الشرك ، فيكون هؤلاء أولى بالخوف من الشرك ؛ لأنهم وقعوا فيما اتُّفِقَ عليه : أنه لا يغفر . كما يقع في الخوف من الشرك أهل الإسلام الذين قد يقعون في بعض أنواع الشرك الخفي ، أو الشرك الأصغر بأنواعه ، وهم لا يشعرون أو وهم لا يحذرون .

فإذا علم العبد المسلم أن الشرك بأنواعه لا يغفر ، وأنه مؤاخذ به ، وأن الصلاة إلى الصلاة ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان : لا تكفر ذنب الوقوع في الشرك الأصغر ، فيجب أن يعظم في قلبه الخوف منه . فإن قيل : فبماذا يغفر إذا ؟ فالجواب أنه لا يغفر إلا بالتوبة فقط ، فإن لم يتب فثمة الموازنة بين الحسنات والسيئات ، ولكن ما ظنكم بسيئة فيها التشريك بالله مع حسنات ؟ فمن ينجو من ذلك ؟!! لا ريب أنه ينجو إلا من عظمت حسناته ، فزادت على سيئة ما وقع فيه من أنواع الشرك . ولا شك أن هذا يوجب الخوف الشديد من الشرك بعامة ؛ لأن المرء يكون على خطر عظيم إذ وُزنت حسناته وسيئاته ، ثم كان في سيئاته نوع من أنواع الشرك ، لأن من المعلوم وأن الشرك بأنواعه من حيث ال*** أعظم من كبائر الأعمال المعروفة .

فوجه الاستدلال من آية النساء وهي قوله - جل وعلا - : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ أن فيها عموما يشمل أنواع الشرك جميعا ، وأنها كلها لا تغفر ، فيكون ذلك موجبا للخوف من الشرك ، وإذا وقع أو حصل الخوف والوجل من الشرك في القلب ، فإن العبد سيحرص على معرفة أنواعه حتى لا يقع فيه ، ويطلب معرفة أصنافه وأفراده ، حتى لا يقع فيها ، وحتى يحذِّر أحبابه ومن حوله منها ؛ لذلك كان أحب الخلق ، أو أحب الناس ، وخير الناس للناس : من يحذرهم من هذا الأمر ، ولو لم يشعروا به ولو لم يعقلوه قال - جل وعلا - : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران : 110] لأنهم يدلون الخلق على ما ينجيهم ، فالذي يحب للخلق النجاة هو الذي يحذرهم من الشرك بأنواعه ، ويدعوهم إلى التوحيد بأنواعه ؛ لأن هذا أعظمُ ما يُدعي إليه ؛ ولهذا لما حصل من بعض القرى في زمن إمام الدعوة تردد وشك ورجوع عن مناصرة الدعوة ، وفَهْمِ ما جاء به الشيخ - رحمه الله - وكتبوا للشيخ وغلَّظوا له القول ، وقالوا : إن ما جئت به ليس بصحيح ، وإنك تريد كذا وكذا لمّا حصل منهم ذلك ، أجابهم بكتاب قال في آخره بعد أن شرح التوحيد وضدَّه ، ورغَّب ورهَّب : ولو كنتم تعقلون حقيقة ما دعوتكم إليه لكنت أغلى عندكم من آبائكم وأمهاتكم وأبنائكم ، ولكنكم قوم لا تعقلون . انتهى كلامه - رحمه الله - . وهو كلام صحيح ، ولكن لا يعقله إلا من عرف حق الله - جل وعلا - فرحمة الله على هذا الإمام ، وأجزل له المثوبة ، وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء ، ورفع درجته في المهديين ، والنبيين ، والصالحين .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 14-05-2012 الساعة 12:53 AM