عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 29-05-2012, 12:59 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

العلمانية فى الفكر العربى
يرتبط مفهوم العلمانية ارتباطا شديدا بالفكر الغربى ، و قد ظهرت الفكرة اثر الدعوات التى انطلقت منذ أواسط القرن السادس عشر ، و بعد الصراع الناشئ بين الكنيسة الكاثوليكية المسيطرة آنذاك على الحياة الدينية و على الحياة السياسية ، و بين الحركات البروتستانتية التى اعتبرت بمثابة اصلاح على المستويين الدينى و السياسى ، و من ضمن هذه الدعوة كان التوجه لتحقيق نوع من الاصلاح يحقق فصلا بين الدين و السياسة ، و اعتبار الدين علاقة ايمانية بين الانسان و خالقه ، و ذلك من أجل ضرب نفوذ الكنيسة القوى و اعتبار السياسة طريقة تنظيم للحياة لا حاجة لها لرجال الدين . لكن سلطة الكنيسة ظلت مع ذلك قوية ، و كانت الثورة الفرنسية بمثابة أول تحقيق فعلى لهذه المبادئ ، إذ استطاعت الثورة أن تحد من سلطة رجال الإكليروس الذين مثلوا الدين فى السياسة من ضمن تحالفهم مع النبلاء ، و من ضمن نفوذهم فى البلاط . و قد استطاعت الثورة الفرنسية أن تقنن المبادئ الليبرالية التى قامت عليها و أن توجد إطارا للعلمانية التى لم تقتصر على الحد من سلطة رجال الدين بل تعدت ذلك الى علمنة قوانين الدولة ، و إقرار فصل نهائى بين السلطة الدينية و السلطة السياسية ، فحل التشريع المدنى بدل الكنسى فى العديد من المجالات ، و لعل أهمها ميادين التعليم و الأحوال الشخصية و إقرار الزواج المدنى مع كل ما يرتبط بذلك من تغيرات إجتماعية و تربوية .
كانت مبادئ هذه الثورة من أولى الأفكار التى تسربت الى الشرق . و كان لها تأثيرها فى توجيه الأفكار الإصلاحية ، و منها الأفكار العلمانية . و لم يكن الاحتكاك بأفكار الثورة الفرنسية الاحتكاك الوحيد بين الشرق و الغرب ، فقد تم هذا الاحتكاك بأشكال مختلفة و ساهم فيه العديد من المصلحين فى مصر و سوريا و لبنان ، إن بزيارتهم لبعض عواصم أوروبا و تسجيل انطباعاتهم أو من خلال نشر هذه المبادئ فى الصحف و المجلات التى انتشرت مع مطلع القرن التاسع عشر و أسهمت الى حد بعيد فى نقل الأفكار و نشرها . يضاف الى ذلك حملة نابليون على مصر بما أعقبها من نشر مبادئ جديدة و إدخال اصلاحات بدت فريدة فى حينها ، يضاف الى ذلك بدء اتصال وثيق بين الشرق و الغرب ، فى تركيا وسط الدولة العثمانية و فى مصر وذلك من خلال تعزيز الجيش و تحديثه و إدخال أساليب جديدة فى التعليم ، كدراسة الحقوق و الهندسة و الطب و إرسال بعثات متكررة للإطلاع على الأفكار الجديدة الرائجة فى الغرب ، يضاف الى ذلك أيضا الاطلاع على الأساليب و النظم السياسية الديموقراطية التى سادت فى تلك الفترة و ابداء الإعجاب بها ، و قد نقلت بعض مواد هذه الدساتير وراجت الدعوات للإقتداء بها و الأخذ بما يتمشى مع روح الدين الاسلامى و مع التطور الاجتماعى . و قد ساهم كل من رفاعة رافع الطهطاوى ، ( 1801 – 1873 ) ، و خير الدين التونسى ، ( 1810 – 1879 ) ، و هما من أوائل المصلحين فى نصيب من ذلك .
كذلك ساهمت الإصلاحات التى أقرت فى الدولة العثمانية ووضع دستور جديد يكفل حرية المواطنين و يضمن تساويهم بنصيب فى توفير جو للأفكار العلمانية الجديدة . و كذلك كان التأثر بالغا جدا بالتنويرين الأوروبيين ، من فولتير الى مونتسيكو و روسو و بعلماء الاجتماع على تعدد مذاهبهم من دارون الى سبنسر و دوركهايم و أوغست كونت و سواهم .
فى هذا الجو وبسبب الانفتاح على الغرب بدأت استجابة المثقفين و ذلك من ضمن اتجاهين متباينين . الإتجاه التقليدى ، الداعى الى أخذ موقف سلبى من الغرب بقيمه و علومه ، و الدعوة الى نوع من السلفية تكون بمثابة تحصين من الغرب . و الدعوة التحديثية التى اتخذت موقفا ايجابيا اتسم بالدعوة الى التكيف مع الأشكال السياسية و الاجتماعية الجديدة ، و الاستفادة من العلوم و الاكتشلفات التى اعتبرت سببا فى تقدم الغرب و رقيه و تفوقه . هذا الاتجاه الثانى يضعنا مباشرة أمام تيار الأفكار التى برزت فى هذه الفترة ، و التى ننسبها الى الاتجاه العلمانى ، ذلك أن الحركة الاصلاحية التى كانت تهدف كما قال الامام محمد عبده ( 1849 – 1905 ) ، و هو ليس من المفكرين العلمانيين ، الى تحرير العقل من قيود التقليد ، و كانت جميع الأنظار متجهة الى التفوق العلمى الذى اعتبر محك الأفكار الاصلاحية و غاية الاصلاح فى آن . و قد أدت الرغبة هذه الى بروز اتجاه عقلانى فى التفكير ، صحيح أنه لم يثمر فى البداية ، إلا أن هذا الاتجاه كان الممهد لتقبل اصلاحات سياسية أول الأمر و لتقبل الأفكار الراديكالية فى ميادين العلوم الاجتماعية و الأنثروبولوجية .
يمكن تقسيم العلمانيين العرب الى قسمين : علمانيون مسيحيون ، و علمانيون مسلمين ، و ذلك انسجاما مع الواقع التاريخى من جهة و تسهيلا للدراسة من جهة ثانية .