وصف المعركة وأحداثها
الشهيد أحمد عبد العزيز قائدا عاما لقوات المتطوعين جنوب فلسطين
فكر القائد البطل أحمد عبدالعزيز في مهاجمة واقتحام مستعمرة كفار ديروم، ولكن الإخوان حاولوا إثناءه عن ذلك لسابق تجربتهم في اقتحامها ومهاجمتها في 10/4/1948م؛ ولكنه أصر على خطته.. فمهدت المجموعة لدخول المعركة بمسح شامل لهذه المستعمرة، قام به الأخ عبدالمنعم عبدالرءوف، وعملية استكشاف قام بها الأخ لبيب الترجمان والأخ معروف الحضري، يساعدهم متطوعون آخرون، مثل: الأخ عبدالمنعم أبوالنصر، والأخ حسين حجازي، والأخ محمد عبدالغفار، وتم وضع خطة المعركة على أساس هذه المعلومات، واختيار الجنود الذين تقرر أن يشتركوا فيها.
وكانت مهمة اختيار الجنود مهمة عسيرة؛ حيث يتسابق الإخوان للتطوع للجهاد في المعركة؛ حرصًا على نيل الشهادة في سبيل الله؛ وهو ما اضطر القيادة إلى الاقتراع بينهم.
وأعدت مجموعة النسف والتدمير- بقيادة الأخ إسماعيل الفرماوي- طوربيدات البنجالور لاستعمالها في فتح الثغرات لدخول المقتحمين، وهذا الطوربيد عبارة عن ماسورة من الحديد قطرها خمسة سنتيمترات، وطولها 130 سم، معبأة بمادة الجلجانيت الشديدة الانفجار، ثم تقرر تنفيذ الهجوم على المستعمرة على النحو التالي:
يتم الهجوم على المستعمرة من شرقها وجنوبها، وفي وقت واحد، مع استعمال الوادي الواقع في الجنوب إلى المستعمرة كساتر، واستبعدت جهة الغرب لعاملين أساسيين:
1-
أن أفكار اليهود مركزة دائمًا على الجهة الغربية المطلة على الطريق الرئيسي.
2- أن الجهة الغربية أرض مكشوفة مزروعة شعيرًا، وليس بها أي سواتر يمكن أن يستتر بها المهاجمون.
على أن يأخذ رماة مدافع الهاون كميات كبيرة من قنابل الدخان والقنابل الشديدة الانفجار (ميلز) لستر الهجوم عند اللزوم بقنابل الدخان، وإلحاق الخسائر المدمرة بقنابل الميلز، وكان المسئول عن هذا العمل هو الأخ حسن الجمل.
تحركت السيارات من خان يونس إلى نقطة تجمع منخفضة قرب المستعمرة أثناء الليل وهي مطفئة أنوارها؛ حتى لا يشعر بها العدو، ثم أخذ الجنود مواقعهم المتفق عليها حتى حان وقت ضرب المدفعية للمستعمرة، فأمر الأخ عبدالمنعم عبدالرءوف كل القوات بالانبطاح أرضًا؛ حتى لا تصيبهم شظايا قنابل المدفعية، واستمر لضرب لمدة عشر دقائق.
وفي يوم 11/5/1948م صدرت الأوامر لقاذفي الهاون دخان فأطلق، ثم أمر الأفراد بالتقدم السريع والاقتحام فهجموا وكأنهم على أجنحة طير، حتى اقتربوا من الأسلاك الشائكة بسرعة أكبر من المتوقعة؛ ولكن قنابل الدخان قد نفدت بسبب عدم تقدير المسئول أهميتها، فلم يحمل معه منها إلا صندوقًا واحدًا بدلاً من ثلاثة صناديق، مستكثرًا من القنابل الشديدة الانفجار لضمان إلحاق خسائر أكبر بالعدو؛ ولهذا السبب لم تجد تعليمات اليوزباشي عبدالمنعم عبدالرءوف بإطلاق مزيد من قنابل الدخان، وانكشف المهاجمون للعدو، الذي زاد في انتباهه وتحفزه ضرب المدفعية من وراء جدر متحصنة ومسيطرة؛ وهو ما عرقل الهجوم.
وقد زاد في الارتباك أن عادت مدفعيتنا للضرب دون أمر، بينما كان المهاجمون يتقدمون، فسقطت عليهم دانات خاطئة، ضاعت في عرقلة الهجوم؛ وهو ما حدا بالأخ عبدالمنعم عبدالرءوف أن يأمر القوات المهاجمة بالانسحاب إنقاذًا للموقف، وقد أصيب الأخ كمال عزمي بدانة أثناء الانسحاب، ثم أصيب وهو يُخرج المنديل ويربط جرحه؛ ولكنه ظل مبتسمًا صامتًا حتى تم سحبه من أرض المعركة حتى الوادي، حيث نقل على نقالة إلى مكان أمين.
أسباب التراجع والانسحاب
ولقد تسببت الأخطاء الآتية في زيادة عدد الجرحى والشهداء من متطوعي الإخوان في هذه المعركة:
1- تأخر ضرب المدفعية إلى الفجر، وكان المقرر أن يتم القذف قبل ذلك بكثير لاتخاذ الليل ساترًا طبيعيًّا للمهاجمين.
2- كانت قنابل 2 رطل لا تؤثر في دشم في العدو، حتى إذا أصابتها، وذلك من متانة الدشم، فلا تترك إلا أثرًا أسودَ على جدرانها مكان الطلقة.
3- لم يحمل الأخ حسن الجمل ما يكفي من قنابل الدخان؛ وهو ما كشف المهاجمين في مواقعهم الحساسة على مشارف المستعمرة، وقد ظهر الصباح، وانعدام الساتر الطبيعي لهم، وهو ظلمة الليل، مما عرضهم لرشاشات العدو المباشرة.
عبدالمنعم عبدالرءوف الإشارة الحمراء المتفق عليها؛ وهو ما عرض المهاجمين إلى دانات المدفعية المصرية؛ لأنهم كانوا مشتبكين مع العدو في أرض واحدة.
4- عاودت المدفعية ضربها دون أن يصدر لها الأخ
دروس مستفادة من المعركة
يقول الأخ المجاهد كامل الشريف: إن تجربتنا مع كفار ديروم قد انتهت بنا إلى أننا- لظروف تدريبنا وعددنا وأسلحتنا- لم نستطع أن نهاجم المستعمرات المحصنة.. كان تحصين المستعمرات بالأسلاك الشائكة والألغام الأرضية، والأبراج التي تتيح للمدافعين مجال الرؤية والرماية على مسافات طويلة، وكذلك وجود نظام دفاعي قوي يسمح باستمرار المقاومة، حتى بافتراض أن المهاجمين نجحوا في اختراق العوائق واحتلال أجزاء من المستعمرة.. يضاف إلى ذلك أيضًا أن هذه المستعمرات تعتبر وحدة دفاعية كاملة، بمعنى أن الخطة الإسرائيلية (الصهيونية) العامة قد وضعت نظامًا للتموين والإمدادات يسمح لها بأن تصمد لوقت طويل في فترات الحصار والعزل.
ونوجز خطتنا المقبلة فيما يلي:
أولاً: استدراج سكان المستعمرات للأرض المكشوفة، وإرغامهم على القتال فيها.
ثانيًا: فرض الحصار على المستعمرات، وإرهاقها بأعمال الإزعاج والقناصة.
ولقد سلكنا لتحقيق هذين الهدفين سبلاً شتى، منها: قطع طرق المواصلات، وإقامة الكمائن، ونسف أنابيب المياه، وضرب المشاريع والمنشآت المنعزلة.
أما عن مستعمرة كفار ديروم، فقد ألزمناها بحصار محكم وإزعاج، ولست أشك في أن سكانها تعرضوا لأنواع شتى من الضيق والآلام، حتى اضطروا لإخلاء المستعمرة بعد تدميرها، وكان ذلك نجاحًا بارزًا لخطتنا التي تقوم على الحصار من ناحيةن والاستدراج للأرض المكشوفة من ناحية أخرى.
نهاية المعركة.. جرحى وشهداء
استمرت المعركة مع الخيط الأول للفجر، واستمرت حتى الظهر حين تم الانسحاب إلى الوادي، ومن هناك نقل الجرحى إلى المستشفى، وجرح في هذه المعركة أكثر من ثلاثين مجاهدًا،