
15-06-2012, 03:46 PM
|
موقوف
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2010
العمر: 39
المشاركات: 431
معدل تقييم المستوى: 0
|
|
كان واقفا على تلة رملية فى الصحراء
راح يرمق بنظرة زجاجية رمادية افسدها الصديد قرص الشمس الاصفر الصخم الملتهب الذى بدأ رحلة الغروب
مسح عرقة الغزير بمنديل محلاوي ضخم وتنهد قائلا فى مرارة :
" عرفت وهدان منذ سنوات عديدة حين تفتحت عيناى على الحياة لم نكن لنفترق ابدا لكن احكام وتضاريس القدر قررت ان تفرقنا لازمان ...
كان وهدان عاطفيا رومانسيا حساسا ومريضا نفسيا لا بأس به ابدا بالمرة "
ان المرض النفسى والعصبى ليس عارا على المرء طالما لا حيلة له فى ايجاده وامتلاكه
لكم عانى المسكين فى حياته من بأساء وضراء !! وكان ناقما على حياته وعلى من حوله من حيوانات
وطيور
وصراصير حقل وصراصير حمام
وهذا امر سئ لكنه على اية حال فقد حدث...
توارت الشمس خلف السلاسل الجبلية الضخمة مخلفة شفقا لامعا مضيئا حين استطرد الرجل:
" دعونى باختصار ممل اسرد لكم قصته الدرامتيكية لربما خرجتم منها بفائدة مثلما فعلت انا .!!"
.................................................. .........................
حين قابلتة اول مرة منذ سنوات .. جسلت امامة فى مكتبه ... واعطانى سيجارة من سجائرة النفاذة الرائحة واشعلها لى فى تردد .. وقالى لى :
دعنى يا صديق اخبرك بقصتى ..
واننى لأختلس نفس كلامه الذى اتذكره فلا تؤاخذونى لو نسيت
.................................................. .................................
انا الاستاذ وهدان حندقها .. استاذ مساعد بكلية .......... Bla Bla Bla ,, Etc الخ ....
لدى عيادة خاصة قلما استعملها لعلاج المرض النفسى
حياتى هى خليط من الاوراق والمحاضرات والمراجع التى التهمت سنى عمرى الذى قارب الخامسة والخمسين ... حتى زحف الصلع على رأسي التى اصبحت لامعة كبطن ضفدع
لدى زوجة مخلصة .. عرفتها منذ ربع قرن وتزوجتها قبل ان اعلم ان الحب هو أسوأ واجمل سوء تقدير للرجل والمرأة على حد سواء حيث انه يشبة فاكهة الرومان فى عذوبة مرارتة وحلاوة عذوبتة ...
رزقنى منها الله بثلاثة الابناء ...
لم تشك منى قط ولن تفعل
وبرغم كثير انشغالى وكثير اعمالى الا اننى لم اقصر فى حقها لحظة
وهذا ما جعل لحبنا رونقا وعبيرا خاصا جدير بوضعة بجوار قصص عنتر وعبلة
او قيس وليلى
او جميل وبثينة
او حتى بجوار روميو وجوليات
ادخل عياتى متى سمح لى وقتى بهذا
ارى سكرتيرى الخاص عاكفا على تصفح مجلات ميكى ماوس وتان تان المصورة بالالوان
حيث انه يمر بمرحلة مراهقة متأخرة لم يمكننى شفاءه منها للاسف
القيت عليه تحية الصباح كالمعتاد فهب من مكانة مدهوشا كعفريت وهتف :
" مساء الخير يا دكتور وهدان -- هناك مريض زارك مرتين اليوم وقال ان سيعود اليوم "
شعرت بالفخار لحظة لكننى عدلت وضع نظارتى الطبية على انفى وقلت
" مرحبا به متى حل"
ودخلت حجرة الفحص وجلست كطاووس اخرق مغرور
اننى انظر الى العالم الخارجى المحيط من خلال عدسة النظارة السميكة لكننى ارى ما لا يراه الاخرون
ارى عالما من المرضى النفسيين واؤلئك الاناس يزيدون الاوضاع سوءا بغبائهم احيانا
لأن الحياة بطبيعتها مخيبة للامال
غرفة مكتبى انيقة ونظيفة
وذلك لا يمنع من وجود عنكبوت صغير يغازل امرأتة العنكبوتة المنشغلة بنصب شباك واهية لأصطياد ذبابة بائسة
او باعوضة شرسة عطشى للدم البشرى تربض على جبهتى وتسبر مماصتها واهدابها الحادة فى جلدى لامتصاص قطرة دم كأنها طفل يرضع من ثدى امه ..
حين اشعر بالقرصة فى جلدى ملتهبة كجهنم اقفز فى مقعدى صارخا كأن احدهم طعننى فى بطنى بخنجر اصفر قديم صدئ ...
اتوجع واتقافز كطائر لقلق ... وحين يدخل سكرتيرى الخاص يجدنى على هذى الحالة يقسم بأنه يرى تشابها بينى وبين طائر ابا القردان
لكننى اعلم انه واهم
حيث ان طائر ابو القردان لا يملك نظارة طبية ولا يرتدى بدلة كحلية لامعة كالتى ارتديها الان
اجلس فى مقعدى مرة اخرى خلف مكتبى
احاول ان استرخى واظل افكر للحظات فيما حدث
هل انا مصاب بهلع مرضى ما
كل الناس تصاب ولابد بلسعة باعوضة لكنها لا تتوتر مثلما افعل
فما هو التشخيص المناسب لما يحدث لى
ان ادق وصف علمى سيكولوجى قد اقترحه لحالتى هو Bug-Phobia
او الخوف الهلعى من الحشرات الطائرة والزاحفة
راق لى هذا التعبير ودونتة فى مسودة صغيرة قد ابحث عنه فى المراجع الطبية الكبيرة يوما ما
استغرقتنى لجة عميقة من الافكار بل من احلام اليقظة للحظات
فالطبيب النفسانى ليس معصوما من المرض العقلى لانه انعكاس لعقد ورغبات مكبوتة
فلم اشعر بدخول سكرتيرى الخاص فى العيادة وهو يصيح فى حماس بلغ مبلغه ولست اعرف سببه كأنة حل ازمة البانج فى الحابون او انهى الاستيطان الامريكى فى العراق
اقتباس:
لاحظ ان هذا الكلام كتب فى عهد كان الامريكان قد احتلوا فية العراق لسنين
|
" لقد وصل الزبون الذى اخبترك عنه يا دكتور وهدان "
شعرت بالاهانة فى شخصى من كلمة "زبون" حيث شعرت اننى بائع فاكهة
انتزعت نفسى من عالم ما وراء النظارة والعدسات
ودعكت عينى المجهدة ولم الو على شئ وقلت فى هدوء مصطنع :
" مرحبا به متى حل .. هلم به الى حالا ............"
خرج سكرتيرى الشاب المتحمس بلا سبب
وعكفت على تنظيم طتبى المتناثرة على المكتب قبل ان يدخل الزبون
اقصد المريض
فتح الباب ودخل الرجل
دعونى اصفة لكم
كان رجلا فى الثلاثينات من عمره
وسيما قليل الشئ
ولولا انه خالى الشعر واصلع كبطن ضفدعة مثلى لقلت انه يشبة الشاب المغمور "احمد عز"
كث اللحية والشارب كأنة اجليزى قادم من العصور الوسطى يرتدى عدسة واحدة صغيرة على عينة اليمنى تسمى" مونوبول" ربما تكون قد رأيت واحدة مثلها فى احدى افلام تشارلز ديكنز
فبدا اشبة بكارل ماركس المادى الجدلى
وفى عينه اليسرى الخالية من التعبير بلادة مريض الجهل المركب
دعوته للجلوس والاسترخاء فى سرير الفحص
خلع نعلية اللذين يستحقا وضعهما فى متحف للتراث الطبيعى
وكان يرتدى بذلة كحلية عفى عنها الزمن اكلا وشربا
كأنة ورثها عن خاله الذى مات محترقا فى حريق القاهرة 1952م
تناولت من درج مكتبى الصغير كابسولة "فالينيل" Tablet Valinil منوم " مهدئ اعصاب"
ودسست الكابسولة اسفل لسانة المشقوق كألسنة الثعابين والحيايا
وربت على كتفية فى هدوء لأشعره بالراحة والاسترخاء قليلا
ان المريض النفسى كلب متوحش ينبغى ترويضة
حيث لا يوجد قانون بشرى اجتمع عليه وجدان البشر يقضى بشنقهم او خنقهم حد الموت
ولأن كلب حى افضل من اسد ميت
جلست بجواره فى مقعدى كأننى احد اصحاب المقاعد الوثيرة من علماء المجتمعات
" الانثروبولوجى" الذين لم يكلفوا انفسهم عناء دراسة المجتماعات دراسة حيادية موضوعية وفضلوا الجلوس فى الظل مستمعين الى روايات وقصص البحارة المغامرون لوصف تلك الاصقاع التى زاروها متعبين منهكين خائرى العزم والقوى ...!!
وقلت للمريض الممد امامى كلجثة الهامدة
:" استرح واسترخ يا رجل وقص لى حكايتك "
استنشق الرجل نفسا عميقا مشبعا بالملح واليود كأنه على شاطى البحر المالح المشبع بأكسيد الكربون واليود
وسال الزبد من بين شفتيه ككلب البولدوج كأننى دسست بين شفتية كابسولة سيانيد سام وليس مهدى اعصاب
مسح الرغوة البيضاء التى تساقطت على صدره بكم بدلته المهترئة فى المغسلة
كأنة قادم من مصارعة ثيران وتجشأ كديناصور تجرع برميل من مشروب Se7en Up الغازى
وقال فى مرارة :
" قبل ان احدثك على نفسى دعنى اعرفك بأسمى ومهنتى اولا
اسمى "بوابة الثانوية العامة .. واعمل كمدرس تربية فنية للمراحلة الاعدادية و................................................. .........
......................
اسف -- سوف انام لان الجو خانق وحين اصحو باذن الله سوف استكمل كتابة الامر ...
بقلم مدرس بالاجر
فى الجمعة : الرابعة عصرا
|