تساءَلت ..
هل يُمكِن الحكم بيقين على المادي عن طريق الحواس ؟
والجواب نعم .. فاليقين من الماديات .. لا يُمكِن الوصول إليه بأي طريقٍ كان إلا بالحواس والتواتر. . لا يوجد أي طريقٍ آخر .. فالحس مصدر رئيسي من مصادر المعرفة والبرهان ولكِن يتطلب الإستقراء والتحليل الصحيح.
ولكِن يُشْتَرَطُ في استخدام الحواسِ للوصول إلى اليقين السليم الخالِ من الخداع والمغالطاتِ أمور:
1- الشرط الأول: سلامةُ الحواس من المرض أو الخلل.
2- الشرط الثاني: سلامةُ العقل من مرضٍ أو جنونٍ أو كل ما يُغيبه أو يؤثر على حكمه.
3- الشرط الثالث: العلم والإستقراء والتحليل الصحيح.
ولنضرِب المثل بما يسمى خداع الحواس .. فهذا الخداع ليْس خداعًا في حقيقتِه ..
وإنما هو فقدان الشرط الثالث أعلاه ..
أي قلة علم ممن ظن أن الحواس قد خدَعَتْه..
وغاب عنه الإسْتقراء والتحليل الصحيح.
وسنضرِب المثل في الرسالة التالية .. عن "خداع الحواس" .. لنرى هل خدعتنا الحواسُ فعلًا أم أنها نقلت نقلًا صادِقًا لمن لم يُحسِن قراءَتَه؟
وإلى المثال:
حين تضع يدَك اليمنى في ماء "ساخن" وتضع يدك اليسرى في ماء "بارِد " , ثم تنقلهما معًا إلى ماء عادي .. فإن اليد التي كانت في البرودة تستشعر سخونة في الماء العادي, والتي كانت في السخونة تستشعر البرودة في الماء العادي ..
فهل خداع الحواسٍ هذا ينبغي أن لا يُصدق, ويلزمُ عنهُ عدم تصديق الحواسِ ؟..
أم أنه نقل صادِق من الحواس لحقائِق يجِب قراءتُها صحيحة؟
هل الحواس عكست لنا شيء موجود فعلاً أم خلعت على الأشياء صفات غير صفاتها الحقيقية؟!
هل يُمكِن إذًا أن نقول أن الحواس خالفت القوانين الفيزيائِية وأضلتنا ؟
هل نتهِم الحواس ام نتهِم أنفُسَنا ؟؟
الجواب:
الحواس لم تكن على ضلالة ... بل في الحقيقة هي كانت صادقة ونقلت قانون فيزيائِي صحيح مائة بالمائة .. في حين ظننا نحنُ أن الحواس ضالة ومُضلة .. وخالفت القانون الفيزيائي.
حينما وضعنا يدًا في الماء البارد .. ويدًا في الماء الحار .. ثم وضعنا اليدين معا في ماء عادي ... فإن الحواس لم تخدعنا قط .. بل امتثلت تمام الإمتثال لحقيقة فيزيائِية علمية مفادها أن الحرار تتنقل من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسْم الأقل حرارة .. ولِذا .. نقلت لنا الحواس بالفعل وبكل صدق .. قانون فيزيائِي غفلنا عنه ولم نُدرِكه الا في القرون المتأخرة... مجرد أن تتعادل الحرارة بين الأعلى والأقل وتعدو الحرارة إلى طبيعتها في كلتا اليديْنِ .. فإن الحس ينقل لنا طبيعة الحرارة على حقيقتها من جديد .. مما يعني أن الحس في ذاتِه سليم وينقل الحقيقة والقانون الفيزيائِي بكل دقة .. تتفاوت معرفتنا بها أو احاطتنا بكنهها ..
إذًا فالحس نقل لنا صورة حقيقية من صوَر الواقِع .. ولم نكتشِف هذه الصورة أو حقيقتها العلمية إلا متأخرًا ..
إذًا المطلوب قراءة ما تنقله الحواس بشكل صحيح ..
ونظرية خداع الحواس وأنه لا ينبني على الحواس علم .. قال بها الفسيولوجي الألماني موللر , وفورباخ الذين زعموا أن الحس لا ينقل شيء ينبني عليه معرفة بالعالم الخارجي .. وإنما ينقل ما يراهُ هو !!
وبعد معرفةِ هذه الحقيقةِ الفيزيائِية .. يُرد عليهم .. بضرورة القراءة الصحيحة والعلم والإحاطة لما قد نظُنه خداعًا وهو في حقيقتِهِ قانون فيزيائِي صحيح ..
الفائِدة المنطقية : الحس مصدر رئيسي من مصادر المعرفة والبرهان
ولكِن يتطلب الإستقراء والتحليل الصحيح.