قبل الجواب عليْه .. أرى من الأهمية توضيحُ مراتِبُ اليقينِ الثلاثة .. والتي استنبطها العلماءُ من كتاب الله:
1- علم اليقين
2- عين اليقين
3- حق اليقين.
وأدلة الأول والثاني من سورة التكاثُر "كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ".
ودليلًُ الثالث هو قوله تعالى " إن هذا لهو حق اليقين , فسبِّح باسمِ ربِّك العظيم"
فاليقين هو العلم بحقيقة الشيء عقلًا (علم اليقين) , ثم الطمأنينة القلبية أو رؤْيته رؤْيا العين (عين اليقين) , ثم أداءُ حقِّه عملًا وتعبدًا وتسبيحًا (حق اليقين).
وبالتالي فيُمكِنُنا تقسيمُ اليقينِ في الدُنيا إلى مراتِب ثلاثة:
1- مرتبة العلم : وهي الإستدلال واقامة الحجة .. أي العلم القائِم على التفكُر والتدبر وطُرُق الإستدلال .. ويكفي للعلمِ باليقين دليل واحد لا شبهةَ فيه .. وهذا حجة على العقل.. ولو كان ممتلئًا بالهواجِس والشكوك والشبهات.. ولو كان أميًا مفرغًا من كل علم .. وبه تُقام الحجة على النفسِ وعلى غيرها المسلِمِ والكافر.
2- مرتبةُ المعاينة (بالطمأنينة أو الرؤية): وهي استقرار اليقين في القلب , وقد تكون بلا علمٍ يرق له القلب مباشرةً كقذف الإيمانِ في القلوب .. وقد تكون بالعلم والإستزادةِ من الأدلة المتوافقة المتطابقة في الأمر المعنوي.. أو تكون بالرؤيةِ في الأمر المادي .. ونتاجُهُ يكون التصديق الجازم الذي يزول معهُ كل هاجس وهذا حجة على القلب .. فيكون سببًا لإسلام كافر .. أومزيلاً لشبهات مسلمٍ عاصٍ .. أو طمأنينةً للمؤْمنين كما مع ابراهيم عليه السلام " أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتى, قال أو لم تؤمن؟, قال بلى , ولكن ليطمئِن قلبي" .
3- ثم مرتبة الحق (حق اليقين): وهو بعد العلم والعمل والمباشرة لهذا اليقين.. يأتي أداءُ حقه فيكون المستيقِنُ في كنفِ الله, عبدا ربانيًا سائِرًا على ارض الله بالطاعة والعمل والعبادة.. "إن هذا لهو حق اليقين , فسبح باسم ربك العظيم".
وموضوعنا هذا يُركِّزُ على المرتبةِ الأولى أي مرتبةُ العلم باليقين .. فالباحث عن اليقين يبحث عن أدلة اليقين .. أي عن علم اليقين..
وأما عين اليقين وحق اليقين .. فهذا خارج عن موضوعِنا .. لأنه يتعلق بالإتباع والعبادة والمداومةِ على الطاعات.
وبالتالي فلكي نصِل الى اليقين ..
- إن كنت تقصِد به مرتبتَهُ الأولى وهو ما يتحدث عنه هذا الإطار.. أي العلم باليقين .. فهذا يكفيه دليل واحد صحيح خال من الشبهة والغلط ..
- وإن كنت تقصِدُ بهِ مرتبته الثانية أي المعاينةُ والطمأنينةِ بعد الإيمان .. فهذا يكون بجعل هذا اليقين نُصْبَ عينيْك ومراعاتِهِ بالعمل والعبادة .. والإستزادة من الأدلة والعلم .. وإذا كثرت الدلائل وتوافقت وتطابقت صارت سببا لحصول اليقين القلبي , إذ يحصل بكل واحد منها نوع تأثير وقوة فتتزايد حتى يجزم بها قلبه... ويُغذي هذا الجزْمَ باتباع العلماءِ والصالحين.
- وإن كنت تريد به حق اليقين .. فهذا يعني ان تكون عبدا ربانيًا سائِرًا على ارض الله بالطاعة والعمل والعبادة بما استيقنتَ صحّتَه ووصلَ إليْكَ علمُه.
وعليْهِ فيكون جواب سؤالِك :
1- ان اليقين لابد له من دليل صحيح .. ( يؤْخَذُ عن عالمٍ أو يخرُج من عقل قادر على الإسْتدلال).
2- ولابد له من عالم يؤْخَذ عنه العلم أو الدليل ..
3- ولابد له من قلب يسعى للطاعة والعمل بما استيقنَ منه.