أما عن الشكوكِ والهواجِس .. فهي تؤثر على الطمأنينةِ لا على علم اليقين:
فمن يطلُبُ علمَ اليقين , يكفي لثبوت اليقين دليل واحد صحيح لا شبهةَ فيه .. ولو كان قلبه ممتلِئًا بالشكوك .. لأن الأصل المتيقَنُ لا يُزيله شك طرأ عليه (الإحتمال لا يؤثر في المقطوع بصحته).
بمعنى وصلك دليل صحيح قاطع على صحةِ الشيء .. ثم شككتَ فيه باحتمال او شبهة مجردةٍ أو غيرِه ..
فهل زال اليقين؟!.. الجوابُ : لا .. فلا عبرة بالإحتمال الذي لم ينشأ عن دليل .. ويظل اليقين عليه دليلُه مهما شككت فيه بشكٍ لا دليل عليه إلا الإحتمال والخاطر والإضطراب .. ولزوال الإضطراب والخاطر يلزَمُ الإنسان أن يقوي يقينه بالأدلة المتضافرة مع العبادة والإتباع.
والشك بلا بينةٍ لا يعدو كونه تقلب نفسي إن كان المشكوك فيه علم دنيوي , أو تخبط شيطاني في لحظة يأس أو لحظة خلو قلب أو لحظة بعد عن الرب المعبود إن كان المشكوك فيه اعتقاد وإيمان جزم القلب بصحته وعرف قطعية أدلته.
وعلم اليقين وحدَهُ دون طاعةٍ او في نفسٍ مضطربةٍ ممتلِئةٍ بالشهوات أو الشبهات هو ما يوحي بأنه لا يوجد علم اليقين .. والحقيقة أن علم اليقين موجود ولكن اكتفى الإنسان منا بأن يختزله في عقلِهِ .. ولم يُسْكِنه بعدُ في قلبِه .. وبالتالي فلا يوجد طمأنينة النفس وسكينتها ورضاها عن أدائِها لحق هذا اليقين ..
ولِذا فالعلاج الصحيح للشبهات والشهوات بعد علم اليقين هو الإتباع والتعبد والطاعة والإستقامة بمجرد العلم والإيمان باليقين .. قال تعالى " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا , تتنزل عليهم الملائِكةُ ألا تخافوا ولا تحزنوا" .. قال صلى الله عليه وسلم " قل آمنت باللهِ ثم استقم" .. فلابد من الإستقامة الفورية بعد الإيمان واليقين العقلي .. حتى تسكُن الطمأنينة في القلوب وتستقر وتذوب الشبهات والشكوك.
ولذا فمهم جدًا أن نفرق بين التيقن من صحة الشيء .. وبين اطمئنان الإنسان إلى يقينِه ..فالتيقن يكفيه دليل واحد يُقام به الحُجة .. اما الإطمئنان فيكون بالعلم و "العمل والعبادة" .. العلم : أي كلما زادت الأدلة كلما زادت طُمأنينةُ الإنسان .. والعمل : أي كلما أتبع يقينَهُ بالعبادة والإستقامة تسكُن نفسِه عند الشبهات وتزول .. وإلا فلن يُفيد المضطرب ألف دليل عقلي صحيح لو أنه لا يعمل ولا يتعبد بما علِمَ صحتَه.
مثال (1):
علم اليقين: الواحد نصف الإثنين ..
فلو أن احدًا شكك في هذه .. فشكه لا ينفي يقينية وصحة هذه الحقيقة .. ويكون شكه في ذلِك لا يعدو كونه خاطر او سفسطة أو اضطراب نفسي.. ولكي يطمئِن لهذه الحقيقة .. فإنه يُمكِن أن يُثبتها بكثيرٍ من الأدلة المتضافرة المتفقة.
مثال (2):
علم اليقين: الكعبة في مكة.
الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْكَعْبَةِ وَالتَّوَجُّهُ إِلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ .. هو علم اليقين.. فلو أن احدًا شكك في هذه .. فشكه لا ينفي يقينية وصحة هذه الحقيقة .. ولكي يطمئِن إلى وجودها .. فيكونُ ذلِك برُؤْيَتُهَا عيْنَ اليقينِ في العمرة والحج .. ثُمَّ بِالدُّخُولِ فِيهَا والتعلُق بأستارها يَكُونُ حَقَّ الْيَقِين.
مثال (3):
علم اليقين: الله واحِد ..
فالعلم بأن الله واحد , بدليل صحيح على ذلِك.. هو علم اليقين..... ثم الوقوف على عدد كبيرٍ من الأدلة كلها تصُب وتتضافر في معنى واحد وهو أن الله واحد .. هو عين اليقين ..... ثم أن يكون العبد ربانيًا متبعًا مؤمنًا مطمئِنًا بالوحدانيةِ مهديًا إلى كتاب الله وسنةِ نبيه المرسَل .. هو حق اليقين.
مثال (4):
علم اليقين : حفظ الله للقرآن الكريم من التحريف ..
فالعلم بحفظ الله للقرآن : "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" .. يكفيه دليل واحد يُثبِتُه .. وهو علم اليقين ..... ثم الوقوف على أدلة كثيرٍ متضافرةٍ كلها تُثْبِتُ الحفظَ هو عين اليقين ... ثم العمل بما في هذا الكتاب الخاتمِ بإيمانٍ ويقين جازمٍ هو حق اليقين.
|