
04-09-2012, 02:41 PM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
التساؤلات الغائبة حول استرداد الأموال المصرية المنهوبة
التساؤلات الغائبة حول استرداد الأموال المصرية المنهوبة
 د.عبد المنعم سعيد
من الرائع دائمًا أن توجد جهود مضنية من أجل استرداد الأموال "المنهوبة" أي تلك التي جرى أخذها بدون وجه حق، وتهريبها إلى الخارج نتيجة استغلال النفوذ السياسي أو الاقتصادي أو الاحتيال على القوانين واللوائح القائمة
.ومنذ قيام ثورة يناير 2011 أصبح موضوع استرداد الأموال المنهوبة على قائمة الأعمال الوطنية؛ حتى إن لجانًا شعبية تكونت بسرعة من أجل السعي لاسترداد هذه الأموال، تبعتها لجان قانونية ورسمية ودبلوماسية تعمل على تحقيق هذا الهدف.
ومما شجع وحمس الكثيرين للمشاركة في هذا المجهود أن سمة "الفساد" أصبحت من السمات الشائعة حول النظام السابق والتي جرى التأكيد عليها بشكل مستمر، وجرت عليها تقديرات بدأت بالنسبة لرئيس الجمهورية وأسرته فقط إلى حوالي 70 مليار دولار. ورغم أن هذا المبلغ تراجع أحيانا إلى ثلاثة ونصف مليار دولار؛ إلا أنه ظل يصعد ويهبط في أرقام تظل كلها فلكية.
وكان آخر هذه التقديرات ما قدمه في حديث لمحطة سي.بي.سي التلفزيونية د. محمد محسوب، وزير الشئون القانونية، ونائب رئيس حزب الوسط، وعضو اللجنة الشعبية لاسترداد الأموال المنهوبة التي تم تأسيسها في بداية الثورة؛ مفادها أنه جرى نهب ما يقرب من 10 مليارات دولار سنويًّا في المتوسط خلال الثلاثين عاما الأخيرة، أي ما يقدر بحوالي 300 مليار دولار، أو ما يوازي 1.8 تريليون جنيه مصري بأسعار هذه الأيام، أو ما يساوي تقريبًا حجم الناتج المحلي الإجمالي مرة ونصف الآن.
وجاءت هذه التصريحات في معرض حديث الوزير عن تشكيله للجنة جديدة لاستعادة الأموال المنهوبة تتكون من قانونيين، ودبلوماسيين، وممثلين للمجتمع المدني. وهي سمات ثلاثة تكفل القدرة القانونية على إثبات الحق المصري في استعادة هذه الأموال؛ والقدرة السياسية على التفاوض مع الدول لكي تؤثر على بنوكها فتوافق على استرداد هذه الأموال منها؛ والقدرة الشعبية التي توضح للعالم أن اللجنة الجديدة تمثل الشعب المصري وثورته، ومن ثم فإن حسن التعامل مع الموضوع من جانب الدولة المودع فيها الأموال المنهوبة سوف يكون له تأثيره الإيجابي في العلاقات مع مصر وشعبها إذا جرت الموافقة، أو السلبي إذا ما تم الرفض.
هذه الجهود محمودة ولا شك، سواء كانت شعبية، أو من نيابة الأموال العامة، أو من وزارة الشئون القانونية، أو أي من الجهات الأخرى التي تصدت للموضوع. والسؤال هو ما هي الحصيلة النهائية للجهود السابقة، وأهمها في رأيي الجهود التي بذلتها نيابة الأموال العامة تحت رعاية المستشار الجوهري التي قدرت حجم الأموال المنهوبة بما مقداره 100 مليار دولار؟ وقامت هذه اللجنة بالفعل بزيارة العديد من الدول، وحصلت حسب ما ورد في الصحف على موافقات بتجميد هذه الأموال المنهوبة، والاستعداد للبحث في كيفية عودتها إلى مصر.
بعد ذلك فإن الموضوع يبقى عصيًّا على الانتقال إلى مرحلة ما بعد النوايا الطيبة؛ وفي الظن أننا ربما لا نحتاج لجنة جديدة برغم ما نحتاج إلى تعزيز الجهود التي بذلت بالفعل من قبل اللجنة القضائية لأن تعدد اللجان والجهات ربما يؤدي في النهاية إلى اضطراب الجهات المستقبلة للأموال والتي تحتاج للتعامل مع جهة وحيدة يكون لها السلطة والمسئولية للتعامل مع قضايا رد الأموال. هذه اللجنة القانونية استعانت بالفعل بقانونيين محترفين، كما أنها تعاونت مع وزارة الخارجية واستخدمت دبلوماسييها، ومن الجائز أن استخدام ممثلين للمجتمع المدني، أو للثورة المصرية، قد لا تكون له فائدة كبرى لأن الدول لا تتعامل في العادة إلا مع جهات رسمية، ومن ناحية أخرى فإن البريق الذي حصلت عليه الثورة المصرية في بدايتها أخذ في التراجع بعد أن اختفت جماعات الشباب التي أعطتها هذا البريق، وتولى أمر الثورة المصرية جماعات جديدة تحتاج دول العالم -وخاصة الحاصلة على الأموال- إلى التفاهم معها على ترتيبات الأوضاع في الشرق الأوسط.
ولكن المسألة ليست فقط شكل اللجنة التي سوف تقوم بالمهمة، ولكن أيضا موضوع عملها. فما نعرفه حتى الآن عن الأموال المنهوبة لا يزيد عن رقم ما يعبر عن إجمالي هذه الأموال؛ كما نعرف معلومات متناثرة عن ذلك الجزء منها الذي تملكه أسرة الرئيس السابق. ولكن ما لا نعلمه أكثر كثيرا من ذلك، فنحن لا نعرف أرقام حسابات هذه الأموال، أو على الأقل الرأي العام، ولا نعرف ما إذا كانت هذه الحسابات لشركات أو لأفراد، وهل هي موضوعة في حسابات جارية أو توفير أو في صناديق استثمار، وهل هي جماعية أو فردية، وهل يخص بعضها الدولة أو مؤسسات الأمن القومي أو بعض الأفراد ومن هم؟.
وعلى سبيل المثال فقد نشر أن مئات الملايين من الفرنكات السويسرية يملكها الرئيس السابق مع 19 مسئولا آخر، فمن هم، ولماذا كان الحساب مشتركا بين الرئيس وهؤلاء؟ وهناك أمثلة أخرى على أن كثيرا من المصريين يساهمون في شركات أجنبية، ويستثمرون أموالا في أسواق مال دول أخرى، فضلا عن الاستثمارات العقارية، فهل تدخل هذه الأخرى في نطاق البحث، وهل يتطابق ذلك مع قوانين الدول المستقبلة للأموال؟
الأسئلة حول الأموال المنهوبة كثيرة، وبعضها ينبغي البحث عن إجابات له في مصر ذاتها. فهذه الأموال عند خروجها إما أنها خرجت في شكل تحويلات، ومن ثم نستطيع معرفة قدرها واتجاهاتها وغرضها والشخص الناهب لها؛ أو أنها خرجت في شكل نقدي وتم نقلها في حقائب عبر طائرات خاصة.
ولكن مثل ذلك يصعب البحث عنه في الدول الغربية المتقدمة، فمن المعروف مثلًا أن القانون الأمريكي يمنع دخول أكثر من 10 آلاف دولار نقدا مع الأسرة القادمة إلى الولايات المتحدة. ومن ثم فإن نقل الأموال نقدا يستحيل مع هذه الدول، أما إذا كانت هذه الأموال قد ذهبت إلى بنوك دول فاسدة هي الأخرى وتقوم بعمليات ما يسمى غسيل الأموال فإن المعرفة فضلا عن استرداد الأموال ربما يكون أمرا صعبا للغاية. وإذا ذهبت الأموال إلى دول تخصصت في استقبال مثل هذه الأموال المنهوبة مثل جزر "كويمان" أو جزر أخرى في البحر الكاريبي أو ما يقال عنها بنوك "أوفشور" أي تلك التي لا تنتمي إلى أي دولة؛ فإن السعي فيها لن تكون له فائدة كبرى.
لا أدري ما إذا كان قد جرى البحث في كل هذه الاتجاهات، ولكن عرضها يحدد الصعوبات والتحديات التي تقف أمام جهد هذه اللجان. فالأموال المنهوبة لم تذهب إلى دول يمكن التفاوض معها لاستردادها، كما نحاول استرداد القطع الأثرية المنهوبة،
والتي تساعدنا قوانين دولية على استردادها، ولكنها تذهب في اتجاهات شتى تحتاج إلى خبرات كبيرة وصبر عظيم.
|