فاعلية دور جامعة الدول العربية في الأزمة السورية
فاعلية دور جامعة الدول العربية في الأزمة السورية
بروس مادي فايتسمان في ظل ما يشهده العالم العربي من اضطرابات مصاحبة لموجة الربيع العربي؛ حرصت بعض الأوساط الأمريكية البحثية والرسمية على مراقبة رد فعل جامعة الدول العربية إزاء تدهور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وجهودها لإرساء الاستقرار هناك.
وفيما يتعلق بهذا الشأن؛ كتب بروس مادي فايتسمان، وهو باحث في مركز موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة تل أبيب، مقالا نشرته مجلة "دورية الشرق الأوسط" (Middle East Quarterly) تحت عنوان: "جامعة الدول العربية تظهر على الساحة".
استهل الباحث سطوره بالقول إن ظهور جامعة الدول العربية مجددا على الساحة السياسية كان من النتائج غير المتوقعة للاضطرابات العربية، منوها إلى أنها باتت جزءًا لا يتجزأ من المناورات الدبلوماسية في عدد من المجالات.
ويُذكر أن جامعة الدول العربية منحت الغرب شرعية التدخل العسكري الذي أطاح بمعمر القذافي، ودعمت جهود مجلس التعاون الخليجي الرامية إلى الإطاحة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وعملت بدأب لحل الأزمة السورية. ولعل ما دفع النخب العربية الحاكمة -التي تعي تماما مدى التعاطف واسع النطاق إزاء الاحتجاجات- إلى التدخل ولعب دور في وضح حد للاضطرابات؛ هو إدراكها ضرورة تعزيز مصداقيتها، وإرضاء الجماهير، وذلك على حد اعتقاد الباحث.
الخلفية التاريخية لجامعة الدول العربية
يعرض الباحث لخلفية إنشاء جامعة الدول العربية. ويبدأ بتأسيسها في مارس 1945، وتمثّلت أهدافها في تعزيز وتنسيق البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأعضائها، وفي التوسط في حل النزاعات التي تنشأ بين دولها أو بين دولها وأطراف ثالثة. بيد أنها لم تتمكن إلا من توطيد التعاون بين أعضائها فقط، وعجزت عن تحقيق الجزء الأكبر من تطلعاتها. وأكّدت الشقوق العميقة والمنافسات بين الدول العربية، فقد فشلت الجامعة في وضع إطار مؤسسي قوي، على حد قول الباحث الذي يلفت إلى أن الجامعة -التي مقرها القاهرة والتي يرأسها دبلوماسي مصري رفيع المستوى- كانت بمثابة ذراع للسياسة الخارجية المصرية، وأداة لتعزيز مكانة مصر كقائدة للعالم العربي.
ومع ذلك؛ أدت القممُ التي عقدتها جامعة الدول العربية إلى نتائج هامة، منها: تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964 باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتعليق عضوية مصر في الجامعة في عام 1978 بعد توقيعها اتفاقية سلام مع إسرائيل، وإدانة أغلبية ضئيلة من الدول العربية في عام 1990 غزو صدام حسين للكويت.
أما على مدى العقد الماضي؛ فقد تلاشت أهمية قمم جامعة الدول العربية، وكان ذلك ملحوظًا بشكل خاص في قمة 2004 التي استضافها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي؛ إذ إن القمة أعلنت آنذاك الالتزام بإصلاح الحياة السياسية كليًّا، وإرساء ديمقراطية حقيقية، وحرية الفكر والتعبير والعقيدة؛ إلا أن الأنظمة العربية عجزت عن مباشرة عملية إصلاح حقيقية، مما مهّد الطريق لانتفاضات 2011.
موقف الجامعة من الأزمة السورية المتفاقمة
قد تمر شهورٌ عديدة قبل أن تُهدم الجسور الواصلة بين الأسد والكتلة السنية العربية المناهضة لإيران. ويُذكر أن أول ما قام به نبيل العربي بعد توليه منصبَ الأمين العام لجامعة الدول العربية هو مقابلة بشار الأسد في دمشق؛ حيث ندد بالتدخل الأجنبي في سوريا، وشجب إعلان الرئيس باراك أوباما فقدان الأسد شرعيته. وعند تلك النقطة، بدت عملية الإصلاح التي تعهد بها الأسد هي أفضل وسيلة لخروج سوريا من محنتها، من وجهة العربي.
بيد أن ثقة العربي في التزام الأسد بالإصلاح باتت تتلاشى شيئا فشيئا. فبعد أسابيع من التنديد بوصف أوباما وبعد يوم من إدانة مجلس التعاون الخليجي النظام السوري؛ أصدر العربي بيانًا رسميًّا أعرب فيه عن قلقه إزاء تدهور الوضع في سوريا، وحث الحكومة على وضع حدٍّ لعمليات قمع المعارضة.
والتقى العربي مع الأسد مجددًا يوم 10 سبتمبر، وخرج وهو متفائل بأن الأسد سيعمل على نزع فتيل الأزمة؛ إلا أن آماله أُحبطت فيما بعد إثر تراخي الأسد عن الإصلاح. ومن ثم تدخلت بعثة وساطة تابعة لجامعة الدول العربية لوضع حد للأزمة السورية، وشملت البعثة رئيس الوزراء القطري، ووزراء خارجية من كل من الجزائر ومصر وعُمان والسودان، ونبيل العربي كذلك. وطالبت هذه البعثة نظام الأسد بما يلي:
أولًا: وضع حد للقتل والعنف.
ثانيًا: الإفراج عن المعتقلين.
ثالثًا: سحب الجيش من المدن.
رابعًا: فتح حوار مع المعارضة برعاية الجامعة.
خامسًا: إتاحة حرية الوصول إلى الصحفيين الأجانب.
سادسًا: قبول دخول بعثة مراقبة متعددة ال***يات تابعة لجامعة الدول العربية إلى سوريا من أجل مراقبة مدى امتثال النظام السوري لخطط الجامعة المطروحة.
بيد أن دمشق تأخرت في الاستجابة لتلك المطالب، مما دفع جامعة الدول العربية يوم 12 نوفمبر إلى تعليق مشاركة سوريا في أنشطتها، تمامًا مثلما فعلت مع ليبيا. وصوت ثماني عشرة دولة لصالح هذا التعليق. وفي ذلك اليوم، أشار الملك عبد الله، ملك الأردن، إلى وجوب تنحي الأسد، وكان هو أول رئيس عربي يطالب بتنحي الأسد.
وفي السابع والعشرين من نوفمبر؛ أعلنت جامعة الدول العربية فرض عقوبات على سوريا؛ وشمل ذلك فرض حظر سفر على كبار المسئولين السوريين، وتجميد الأصول السورية في البلدان العربية، ووقف العمليات المالية مع البنوك السورية الكبرى. ومن ثم وافق النظام السوري رغمًا عنه على دخول طلائع بعثة جامعة الدول العربية إلى سوريا.
من جهته؛ شجب بشار الأسد الإدانات العربية الموجهة ضده، مستنكرًا غفلة الدول العربية عن دور سوريا في تمثيل الهوية العربية. ولعل ما ضيق صدر الأسد هو أن تعليق مشاركة سوريا في أنشطة جامعة الدول العربية يعني حرمانها من عروبتها. وشدد الأسد على أن سوريا وقعت ضحية مؤامرة دولية دبّرتها القوى الإقليمية والعالمية التي أرادت في الماضي زعزعة استقرار سوريا، وتحقيق مصالحها الخاصة.
واستطرد الباحث في مقاله مشيرًا إلى أن جامعة الدول العربية دعت بعد فشل بعثتها الأسدَ إلى تسليم مهامه لنائبه، وإنشاء حكومة وحدة وطنية، ونالت تلك الدعوة دعم الولايات المتحدة وتركيا.
وفي أوائل مارس؛ أوفد الأمين العام للأمم المتحدة سلفه كوفي عنان إلى دمشق بوصفه ممثلًا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وذلك في محاولة لإيجاد وسيلة لإخراج سوريا من الظلمات إلى النور؛ إلا أن ذلك لم يُجد نفعا؛ إذ صعّدت القوات السورية هجومها، وارتفعت أعداد الضحايا، مما دفع العربي إلى الدعوة إلى إجراء تحقيق دولي في الجرائم التي تُرتكب ضد المدنيين السوريين ومحاكمة مرتكبيها.
ومن جهتها؛ أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي إغلاق سفارتها في سوريا ودعت المجتمع الدولي إلى "اتخاذ تدابير حازمة وسريعة لوقف عمليات القتل والتعذيب في سوريا، ووضع حد للانتهاك الصارخ لكرامة الشعب السوري وحقوقه المشروعة".
ويخلص الباحث إلى أن نفوذ جامعة الدول العربية ما زال محدودا، وخاصة في الأزمة السورية؛ على الرغم من إشادة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون بتحركات الدول الأعضاء، ورغم آمال الليبراليين العرب بشأن إمكانية مساهمة الجامعة في تعزيز كينونة المواطنين العرب في كافة أنحاء المنطقة.
آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 08-09-2012 الساعة 07:28 AM
|