
10-09-2012, 10:31 PM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
تحولات العلاقات المصرية - الإماراتية من التأرجح إلى التعاون
تحولات العلاقات المصرية - الإماراتية من التأرجح إلى التعاون
محمد عز العرب كشفت زيارةُ وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد إلى القاهرة، في السادس من سبتمبر الجاري؛ عن إمكانية التحول من التأرجح إلى التعاون في مسار العلاقات الإماراتية المصرية، لا سيما في مرحلة
ما بعد ثورة 25 يناير 2011، وأن الأزمات الإعلامية التي عرفتها علاقات البلدين على مدى الشهور القليلة الماضية قابلة للاحتواء، لا سيما وأنه لم تصدر تصريحات ولم تتخذ مواقف رسمية داعمة لتغريدات الفريق ضاحي خلفان قائد شرطة دبي المهاجمة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، غير أنه ساد التخوف الإماراتي من طبيعة العلاقة مع القاهرة مع وصول د. محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة.
مؤشرات التحول
لا يحكم العلاقات بين الإمارات ومصر التوجهات الأيديولوجية، وإنما المصالح الوطنية، سواء في السياسة أو الأمن أو الاقتصاد، بما لا يجعلها "مباراة صفرية". لذا كانت زيارة الشيخ عبد الله بن زايد إلى القاهرة "عاكسة" وليست "منشئة" لتغير آخذ في الحدوث في طبيعة العلاقات المصرية الإماراتية؛ حيث سبق هذه الزيارة عدد من المؤشرات التي تصب في اتجاه تطوير العلاقات، على النحو التالي:
- إرسال إشارات طمأنة مصرية بعدم التدخل في الشئون الداخلية الإماراتية. وكان آخر هذه الإشارات حينما ألقى الرئيس محمد مرسي في افتتاح أعمال الدورة 138 لمجلس جامعة الدول العربية بالقاهرة في 5 سبتمبر الجاري كلمة قال فيها: "لن نقبل التدخل في شئون دولة عربية شقيقة أو المساس باستقرارها وسيادتها"، وهو ما يحمل رسالة محددة لدول الخليج، وبصفة خاصة الإمارات، بعدم التدخل في شئونها الداخلية، فضلا عن انتفاء التفكير بمنطق تصدير الثورة المصرية خارج حدودها الوطنية، سواء للإمارات أو لغيرها.
- توقف الخارجية المصرية عن التعقب الإعلامي لتصريحات خلفان؛ فقد أكد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية الوزير المفوض عمرو رشدي في عدد من التصريحات لوسائل الإعلام على أن الوزارة لا تعلق إلا على المواقف أو التصريحات الصادرة عن شخصيات مسئولة، وهو ما يحمل إشارة ضمنية بعدم رغبة القاهرة في التضخيم من تصريحات ضاخي خلفان، حتى لا يُحدث تأزيما في مسار العلاقات بين البلدين.
- إرسال الإمارات مبعوثين رسميين للتهدئة مع مصر. فقد تسلم الرئيس مرسي رسالة خطية من الشيخ محمد بن راشد، رئيس وزراء الإمارات وحاكم دبي، في 1 أغسطس 2012، تضمنت مسألة محددة وهي "أن العلاقات المصرية الإماراتية شديدة العمق لا يؤثر فيها عارض"، قابلتها رسالة مصرية موازية مفادها "أن أمن الخليج العربي هو أمن مصر، وأن مصر لا تتدخل في الشئون الداخلية لأي دولة".
- إلقاء تصريحات إماراتية باعثة على التغيير إزاء مصر. حيث أعرب وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد في تصريحات بثتها وكالة أنباء الإمارات "وام" بتاريخ 4 يوليو 2012، عن "تفاؤله بأن فترة الرئيس مرسي ستشهد إنجازات ملموسة في العلاقات الثنائية ومحطات مهمة في مختلف المجالات.
- توقيع مذكرة تفاهم ثقافية بين الإمارات ومصر. بدأ مسار العلاقات الثنائية يمتد إلى الأداة الثقافية باعتبارها واحدة من المحددات الرئيسية لتقارب "نخاع الشعوب". ففي 4 يوليو الماضي، أبرمت مذكرة للتعاون الثقافي بين وكيل وزارة شئون الرئاسة الإماراتية لقطاع الشئون المحلية سعيد المقبالي والشيخ عبد التواب عبد الحكيم وكيل الأزهر، لتمويل ودعم المشروعات والبرامج التي ينفذها الأزهر بتكلفة إجمالية تبلغ 155 مليون درهم إماراتي. وبموجب المذكرة يتم تمويل إنشاء مكتبة جديدة للأزهر تليق بمكانته وما تحتويه مكتبته من نفائس المخطوطات والمطبوعات. كما تتضمن الاتفاقية تمويل مشروع سكن لطلاب الأزهر بما يتناسب واحتياجات النمو في أعداد الطلبة الدارسين في الأزهر.
- تعزيز الاستثمارات الإماراتية المباشرة في مصر. يبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر، وفقا لأحد التقديرات، 5 مليارات دولار (18.4 مليار درهم)، ومن المتوقع زيادتها بعد استقرار الأوضاع الداخلية في مصر. وقد كشف أحدث تقرير صادر عن البنك المركزي المصري أن دولة الإمارات كانت على رأس الدول العربية التي ضخت استثمارات مباشرة في السوق المصري خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام 2012، حيث بلغت استثماراتها نحو 176.9 مليون دولار، في حين بلغت الاستثمارات السعودية خلال نفس الفترة 79.6 مليون دولار، وبلغت استثمارات الكويت 17.3 مليون دولار، وبلغت استثمارات قطر في مصر 13.2 مليون دولار، وهو ما يجعل الاستثمارات الإماراتية تتفوق على غيرها، فضلا عن قيام بعض رجال الأعمال من النخبة الجديدة مثل خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بزيارة للإمارات، في أغسطس الماضي، حيث التقى بالعديد من المستثمرين الإماراتيين. ومن ثم، لم يكن غريبا تطرق زيارة الشيخ عبد الله لإقامة المشروعات المشتركة وزيادة تدفق الاستثمارات الإماراتية إلى مصر.
أسباب التحول
هناك العديد من الأسباب التي تفسر هذا التحول في طبيعة العلاقات بين الإمارات ومصر، وهي:
أولها: تبديد التخوف من نقل التجربة الثورية إلى الإمارات. فقد انطلق هذا التخوف لدى الإمارات من وجود خبرات سابقة تشير إلى أن بعض الدول قد تمثل تهديدًا للآخرين بعملها على تصدير الأفكار والقيم الثورية المعادية للأسس والقواعد المبني عليها نظمها السياسية أو الاجتماعية، وهو ما يُعتبر تهديدًا جوهريًّا لأمنها واستقرارها.
ثانيها: ضمان دعم واحدة من أهم الأطراف الداعمة لتحقيق الأمن الخليجي؛ إذ إن التوترات المستمرة التي تشهدها منطقة الخليج تشير إلى أن "أمن الخليج" لا يزال يمثل مشكلة حادة، سواء لأطرافه الأساسية أو الدول المشاطئة له، أو القوى الدولية المرتبطة به، أو القواعد العسكرية المرابطة على أراضيه.
ثالثها: تجنب ترك مصر في عزلتها الخليجية بما يؤدي إلى الاتجاه لتقوية العلاقات بين مصر وبعض القوى الإقليمية المناوئة في الكثير من توجهاتها لدول الخليج، وفي مقدمتها إيران، لا سيما فيما يتعلق بمؤازرة مصر للرؤية الخليجية المعارضة للسلوكيات الإيرانية إزاء الأرض المحتلة (الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، وزرع خلايا التجسس في الكويت، وتحريك الشيعة في شرق السعودية، والتهديد باستقلال البحرين، كما أن ترك مصر بمفردها في ظل تعثر المرحلة الانتقالية قد يغري بعض الدول الخليجية وتحديدًا قطر بالمنافسة مع السعودية فقط على تطوير شبكة المصالح مع مصر، على نحو ما دعا البعض للحديث عن "قطرنة" السوق المصري.
تحديات التحول
هناك العديد من التحديات التي قد تعرقل التحول الحادث في العلاقات بين الإمارات ومصر، والتي تتعلق في أغلبها بالمجتمعات في البلدين، على نحو ما توضحه النقاط التالية:
- بروز أصوات متشددة داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، تحاول التدخل في الشئون الداخلية لدولة الإمارات، بين الحين والآخر، وخاصة فيما يتعلق بتوجيه انتقادات حادة لتعامل الأجهزة الأمنية مع أعضاء جمعية الإصلاح، لا سيما في ظل شعورها بأنها يقف وراءها "مراكز للقوى" في السلطة الحاكمة. يقابل ذلك أيضا أصوات متشددة داخل دولة الإمارات والتي تعتبر أن التغير الحادث في الساحة الداخلية سوف يمتد إلى العلاقات المصرية الخليجية ومنها الإمارات، وهو ما يتعين الحذر من الاقتراب منه تخوفا من امتدادات العدوى الثورية.
- تصاعد الحاجز النفسي بين شعبي مصر والإمارات، بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011؛ حيث ساد توجهٌ لدى قطاعات من الرأي العام في العديد من الأقاليم المصرية بأن دول الخليج، حكومات وشعوبا، ومنها الإمارات؛ تساند نظام حسني مبارك، مع الأخذ في الاعتبار أن المجتمعات هي التي تصدر الثورات وليست الأنظمة مثلما كان الوضع في فترات سابقة، وهو ما يدفع بعض أنماط من العمالة المصرية لتنفيذ توجهاتها الثورية على الأرض الإماراتية.
- انفجار الأزمات الصغيرة التي تحدث بين الإمارات ومصر، والتي تترك تأثيرات سلبية على العلاقات الرسمية، وخاصة فيما يتعلق بحلقة الجاليات المصرية في الإمارات، والتي تتفاقم بمرور الوقت من خلال تأثيرات أجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، على نحو ما تشير إليه "أزمة العمالة المصرية التي لم يتجدد عقودها" أو "ترحيل الدعاة المصريين من الإمارات". وفي هذا السياق، من المحتمل أن يضغط اتجاه متشدد داخل بعض الإمارات السبع لاعتماد الخيار الصدامي في اتجاه العلاقات مع مصر، وتتحول النظرة الإماراتية إلى حالة "الإخوان فوبيا"، وتتكرر الأزمات لأصغر الاسباب، على نحو يعيق علاقات مستقرة بين الإمارات ومصر.
سياسات تطوير التحول
لا يمكن للعلاقات بين الإمارات ومصر أن تسير في اتجاه المباراة الصفرية التي تتضمن فائزا وخاسرا؛ بل يفترض تبديل إطارها ليصبح تنافسيًّا تعاونيًّا لمصلحة الطرفين الإماراتي والمصري، وفي هذا السياق، يمكن تطوير العلاقات بين الإمارات ومصر، وفقا للمصالح التي تدر منافع للجانبين، على النحو التالي:
- تأسيس حوار إماراتي مصري حول القضايا المتعلقة بأمن الخليج، وهو ما برز مؤخرا في دعوة الشيخ خليفة بن زايد للرئيس محمد مرسي لزيارة الإمارات، لا سيما مع الحديث المتكرر للرئيس المصري عن أن "أمن الخليج خط أحمر"، بما يؤدي لضمان عدم اختلال موازين القوى لطرف إقليمي بعينه، وتحديدا إيران، بعد سعيها لامتلاك قدرات نووية، وتوسيع دورها وتدخلها في الشئون الداخلية لدول الخليج بصفة مستمرة. وفي هذا السياق، يمكن لدول الخليج دعوة الرئيس محمد مرسي لحضور القمة الخليجية المقبلة في ديسمبر 2012، لسماع الرؤية المصرية بشأن الحد من التهديدات التي تواجه أمن الخليج، في مرحلة ما بعد الثورات الشعبية.
- عقد جلسات حوارية غير رسمية مباشرة تجمع رموز جماعة الإخوان المسلمين في مصر مع بعض الشخصيات الإماراتية ذات الثقل السياسي، بما يخلص في النهاية إلى فك الارتباط الحركي وليس الفكري بين التنظيم الأم للإخوان المسلمين في مصر وفروعه بدول الخليج، وخاصة جمعية الإصلاح في الإمارات، الأمر الذي قد يفتح الباب لتغيير حقيقي في العلاقات الإماراتية المصرية.
- الحد من التصريحات الإعلامية التي يطلقها بصفة غير منتظمة الفريق ضاحي خلفان ضد الإخوان، لأنها تعكس توجه فصيل سياسي متشدد داخل الإمارات إزاء الدولة المصرية الجديدة، وليس تجاه جماعة الإخوان المسلمين، خاصة وأنها تعبر عن أفكار –حتى ولو كانت شخصية- لأحد ممثلي الحكومة الإماراتية، ولا شك أن إيقاف مثل هذه التصريحات يعالج بدرجة كبيرة التوتر الحادث في مسار العلاقات الثنائية.
وهنا، لا بد من توجيه التحذيرات السياسية بعدم الإدلاء بالأحاديث الصحفية أو المداخلات التلفزيونية من بعض رموز النظام السابق المقيمين في الإمارات، وبصفة خاصة الفريق أحمد شفيق المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الماضية؛ لأنها تعطي انطباعًا لدى قطاع من الرأي العام المصري بأن دولة الإمارات ملجأ لفلول نظام مبارك، حيث سبق شفيق في اللجوء لأبو ظبي، نائب رئيس الجمهورية السابق اللواء عمر سليمان، وكذلك الحال بالنسبة لتواجد وزير التجارة والصناعة السابق رشيد محمد رشيد فيها لبعض الوقت، فضلا عن تناثر إشاعات صحفية حول طلب رئيس المخابرات العامة السابق اللواء مراد موافي من السلطات المصرية السماح له بالسفر إلى أبو ظبي لشغل منصب بارز في أحد الأجهزة السيادية، غير أنه تم النفي الرسمي لصحة هذا الخبر.
- الإسراع بإعادة تشكيل مجلس الأعمال المصري الإماراتي، بما يدعم التعاون بين قطاعات الأعمال في البلدين وتوسيع قاعدة الشركات الممثلة بالمجلس من الجانبين في مختلف القطاعات التجارية والصناعية والخدمية.
- تفعيل بروتوكولات التعاون الموقعة بين كل من اتحاد غرف التجارة والصناعة في الإمارات من جانب واتحاد الصناعات المصرية والاتحاد العام للغرف التجارية وجمعية رجال الأعمال المصريين من جانب أخر، بما يقلل المعوقات التي تواجه الشركات الإماراتية المستثمرة في مصر والشركات المصرية المستثمرة في الإمارات.
- اعتماد حزمة مساعدات مالية إماراتية لمصر، على شاكلة صندوق خليفة بن زايد لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مصر، بهدف توفير فرص عمل لقطاع واسع من الشباب، وهو ما قد يتم تخصيصه للتعليم أو للصحة أو للإسكان وغيرها، بما يؤدي إلى تغيير الصورة الذهنية عن الإمارات إزاء "مصر الجديدة"، لاسيما وأن التصورات الإعلامية عادة ما تكون محملة بقدر من الخيال فيما يتعلق بسوء العلاقات المصرية الإماراتية في مرحلة ما بعد الثورة.
وفي هذا السياق؛ فإن إستراتيجية "الاشتباك المصلحي" هي الأكثر فعالية فيما يتعلق بالعلاقات الخليجية المصرية، عبر رسم مسارات جديدة للمصالح الوطنية في أبعادها المختلفة، وتقليص التهديدات التي تواجه هذه المصالح، بما يعود بالمنافع، ويقلل من التكاليف بالمفهوم الاقتصادي للجانبين.
|