بل بلغت رحمته بالحيوان
- فقد أخرج أبو داود بسند حسن عن عبد الرحمن بن عبد الله قال :
" كنا مع رسول الله في سفر فرأينا حمرة (1) معها فرخان لها فأخذناهما فجاءت الحمرة تعرش (2) فلما جاء الرسول قال : من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها ".
وبعد هذا كله يُوصف النبي بالقاتل المُعتدي
والتي بدأت : منذ بزغت وأشرقت شمس الإسلام على جزيرة العرب ومنذ أعلن الرسول عن دعوته بدأ العداء على هذا الدين وعلى الرسول الأمين
- تارة بإيذائه والإساءة إليه فكما عند البخاري ومسلم من حديث ابن عباس :
" قال لما نزلت هذه الآية " وأنذر عشيرتك الأقربين " ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فقال يا بني فلان يا بني فلان يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا : ما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال فقال أبو لهب تبا لك أما جمعتنا إلا لهذا ثم قام فنزلت هذه السورة " تبت يدا أبي لهب " وقد تب كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة " .
ومنذ هذه اللحظة التي أعلن فيها النبي عن ميلاد فجر جديد للإنسانية انفجرت مكة بمشاعر الغضب حينما سمعت هذه الصيحة العالية المدوية وكأنها صاعقة قصفت السحاب فرعدت وبرقت وزلزلت الجو الهادئ .
وبدأت الحرب على الرسول بشتى أنواعها وأشكالها تارة بإيذائه والإساءة إليه وتارة بمحاولة قتله وتارة بحربه وتارة باتهامه في أهل بيته وتارة بوضع السم له في الطعام وتارة ... وتارة
_________________________________
(1) طائر مثل العصفور .
(2) تعرش : ترفرف .
- أخرج النبي عن عبد الله بن مسعود قال :
" بينما رسول الله يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سلا(1) جزور بني فلان فيأخذه فيضل في كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله والنبي ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت وهي جويرية فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا ثم قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات
فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع ولم أحفظه فوالذي بعث محمدا بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ".
وتارة بمحاولة قتله :
ولم تنتهي الحرب بل مازالت الحرب مستمرة على المصطفى ..
ويحاول عقبة بن أبي معيط خنق النبي وقتله :
- فقد أخرج البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت ابن عمرو بن العاص :
" أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي ، قال: بينا النبي يصلي في حجر الكعبة ، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي قال: {أتقتلون رجلا يقول ربي الله} الآية ".
بل ظل الاعتداء بالنبي حتى مات متأثراً بالسم الذي دسوه له في كتف الشاة ، فقد أخرج البخاري عن عائشة (رضي الله عنها) قالت :
" كان رسول الله يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أُبهري من ذلك السم ".
__________________________________________
(1) السلا : هي الجلدة التي يكون فيها الولد ، يُقال لها ذلك في البهائم أما الآدميات فتسمى المشيمة .
(2) مبتوراً : هالكاً أو مصروفاً عن الخير .
والله تعالى يُدافع عن نبيه وخليله
كانت الأنبياء قبل النبي يقفون أمام عشيرتهم ويدافعون عن أنفسهم
- فلما قال قومُ نوح لنوح {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ( الأعراف 60 )
قال نوح دفاعاً عن نفسه : {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } ( الأعراف 61 )
- وقال قوم هود لهود : {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } ( الأعراف 66 )
فقال هود دفاعاً عن نفسه {يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } ( الأعراف 67 )
- ولما قال فرعون لموسى {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا }
فقال موسى رداً عليه {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا } ( الأسراء 102 )
وغير ذلك من النماذج والتي فيها تولى كلُ نبي الدفاع عن نفسه إلا النبي فإن الله جلَّ وعلا تولى الدفاع بنفسه عن خليله وحبيبه !
- فلما قال أبو لهب تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا
فنزل قوله تعالى : {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ( المسد 1)
- وعندما قال قومه : إنه كاهن ، قال تعالى : {َلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } ( الحاقة 42 )
- وعندما قالوا : إنه شاعر ، فقال تعالى : {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } ( يس 69 )
وقال تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ } ( الحاقة 41 )
- وعندما قالوا : إنه ضال ، فقال تعالى : {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } ( النجم 2 )
- وعندما قالوا : أنه مجنون ، قال تعالى : {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } ( القلم 2 )
- ولما اتهموه فيما جاء به من عند ربه عزَّ وجل
فقال الله عزَّ وجل دفاعاً عنه : {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } ( التكوير 24 )
أي ليس هذا النبي بمتهم فيما يخبر به عن الله عزَّ وجل .
- ولما مكث رسول الله أياماً لا ينزل عليه جبريل :
" فقالت أم جميل امرأة أبي لهب ما أرى صاحبك إلا قد ودعك وقلاك ، فقال تعالى : :
{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }
- في رواية البخاري :
" اشتكى النبي فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا فأنزل الله عز وجل: "والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى"(1) ، (2)
- ولما مات عبد الله الابن الثاني لرسول الله :
استبشر أبو لهب وهرول إلى رفقائه يبشرهم بأن محمداً صار أبتر
فنزل قول الله عزَّ وجلَّ : {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }(2) ، (3) ( الكوثر 3 )
- ولما قالوا : {إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ } فقال تعالى : {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ }
( النحل 105 )
وصدق ربنا حين قال : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} وقال تعالى : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }
- ويستمر هذا الكلأ وهذه الرعاية الربانية لخير البرية من ملك الملوك إلى أحب خلقه إليه ويحفظه عن كيد الكائدين ومكر الماكرين ، كيف لا وهو القائل :{وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }( المائدة 67)
- وترى هذه العصمة والرعاية للحبيب في مواقف عديدة لا نستطيع أن نحصرها في هذا المقام ومنها :
(1) لما كاد المشركون للرسول الأمين واجتمعوا على قتله وعزموا على ذلك ليحلوا بينه وبين الوصول إلى أصحابه في المدينة إذ بجبريل ينزل بوحي من الله عزَّ وجل " لا تبت في فراشك الليلة "
__________________________________
(1) ما ودعك : ما تركك يا محمد . (2) وما قلى : ما أبغضك .
(3) شانئك : مبغضك .
(4) الأبتر : المقطوع الأثر أو الخير .
(2) ويخرج النبي من بين أظهرهم ويذري التراب على رؤوسهم وهو يتلو قول الحق سبحانه :
{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ( يس 9 )
فيخطف الله أبصارهم وما من رجل إلا ويضع رأسه على صورة ويغط غطيطاً ويخرج النبي سالماً يكلؤه الله بحفظه ورعايته .
(3) ولما وصل المشركون إلى الغار الذي فيه النبي هو وأبي بكر فقال أبو بكر كما عند البخاري:
" نظرتُ إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا ، فقال النبي : يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللهُ ثالثهما "
(4) وفي أثناء سيره إلى المدينة يلحق به سراقة بن مالك لينال منه رجاء الفوز بالمكافأة التي أعلنت عنها قريش وهي مئة ناقة لمن يأتي بالنبي وصاحبه حيين أو ميتين .
ولكن بأمر من الله ساخت قائمتا فرس سراقة بن مالك في الرمال فخر عنها ثم زجرها حتى نهضت فلم تكد تخرج يديها حتى سطع لأثرهما غبار أرتفع في السماء مثل الدخان فعلم سراقة أن الرسول ممنوع .
(5) وها هو رجل يحاول قتل النبي ولكن الله يحول بين ذلك مصداقاً لقوله تعالى :
{وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } والقصة ذكرها البخاري عن جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما) قال :
" غزونا مع رسول الله غزوة نجد، فلما أدركته القائلة ، وهو في واد كثير العضاه ، فنزل تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه ، فتفرق الناس في الشجر يستظلون ، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله فجئنا ، فإذا أعرابي قاعد بين يديه
فقال: (إن هذا أتاني وأنا نائم، فاخترط سيفي، فاستيقظت وهو قائم على رأسي، مخترط صلتا
قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فشامه ثم قعد، فهو هذا) "
الله أكبر الرجل يحاول قتل النبي ومع هذا لم يعاقبه النبي
__________________
يسخر من الجروح من لا يعرف الالم
آخر تعديل بواسطة عمر ابو قطرة ، 15-09-2012 الساعة 12:41 PM
|