هل تورطت " أنصار الشريعة" بقتل السفير الأمريكي في ليبيا؟
هل تورطت " أنصار الشريعة" بقتل السفير الأمريكي في ليبيا؟
ماري فيتزجيرالد
عرض شيماء أحمد محمود، مترجمة في الشئون السياسية والاقتصادية
في وقتٍ لا يزال فيه الغموض يلف ملابسات مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في الهجوم الذي طال القنصلية الأمريكية في بنغازي احتجاجًا على الفيلم المسيء للرسول محمد، صلى الله عليه وسلم؛ أُلقيت مسئولية الهجوم على كتيبة أنصار الشريعة، وهي ميليشيا صغيرة من المتشددين تتخذ من بنغازي مقرًّا لها، وتشكلت في مطلع هذا العام بقوام 250 عنصرًا.
وفي هذا المضمار؛ أجرت "ماري فيتزجيرالد" مراسلة قسم الشئون الخارجية في صحيفة "آيريش تايمز" الأيرلندية؛ حوارًا هاتفيًّا مع قائد كتيبة "أنصار الشريعة" محمد الزهاوي، وقائد اللجنة الدينية في الكتيبة الشيخ ناصر الطرشاني. وقد نشر موقع مجلةُ "فورين بوليسي" في الثامن عشر من سبتمبر 2012 التقريرَ الذي أعدته المجلة حول هذه المقابلة تحت عنوان "أنصار الشريعة: لم نكن نحن". وعلى حد قول الصحفية؛ أُجريت المقابلة الهاتفية قبل ساعات من لقاء الزهاوي والطرشاني مع رئيس أركان القوات المسلحة الليبية يوسف منقوش في ليلة السابع عشر من سبتمبر الجاري.
اتهامات لأنصار الشريعة.. والجماعة تنفي
في أعقاب الهجوم الذي أودى بحياة السفير الأمريكي وثلاثة أمريكيين آخرين في الأسبوع الماضي؛ برزت دلائل حول تورُّط كتيبة "أنصار الشريعة" في هذا الاعتداء؛ إذ أقرّ شهود عيان برؤية رايات الكتيبة أثناء الهجوم وأُناس مدججين بالسلاح يدخلون ويخرجون بحذر من مقر الكتيبة. وقال مسئولون ليبيون عديدون، بمن فيهم رئيس المؤتمر الوطني الليبي محمد مقريف: إن المهاجمين كان من ضمنهم رجال مدججون بالسلاح ينتمون إلى فئة من "أنصار الشريعة" كانت على اتصال بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وقد ألقى البعضُ اللومَ على الكتيبة لتنفيذها سلسلة من الهجمات الأخرى، بما ذلك تدنيس قبور الجنود البريطانيين في ليبيا، وتدمير الأضرحة الصوفية في المنطقة. وفي هذا الإطار، يشكو مسئولون أمنيون من أن كتيبة "أنصار الشريعة" رفضت الجهودَ المبذولة لدمج مقاتليها مع القوات الحكومية في ليبيا الوليدة.
في الجانب المقابل ، فإن الزهاوي والطرشاني ينفيان أي علاقة لأنصار الشريع مع تنظيم القاعدة، ويؤكدان أن الجماعة ما هي إلا كتيبة تأسست في وقت سابق من هذا العام وتضم 250 رجلا.
وقال الزهاوي: "قاتَلَت عناصرنا على الخطوط الأمامية إبان الحرب الليبية لإسقاط القذافي ، وكانت تلك العناصر في ذلك الوقت تابعة لكتائب متفرقة.. غير أن مجموعة منّا قررت العمل معًا لإنشاء كتيبة منفصلة تحت اسم "أنصار الشريعة"، وذلك بهدف دعم الشريعة الإسلامية بوصفها المرجع الرئيسي في ليبيا".
ونفى الزهاوي والطرشاني تورُّط أي من أعضاء الكتيبة في الهجوم على القنصلية الأمريكية، وأشارا إلى أنه لم يكن أحد منهم ضمن الـ50 شخصا الذين أعلن المسئولون الليبيون اعتقالهم. وبرر القياديان الهجوم بأنه "رد" على الفيلم المسيء للرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، غير أنهما أعربا عن عدم تأييدهما لهذا التصرف. فقال الطرشاني: "لا نحبّذ شيئًا من هذا القبيل كحل للمشكلة، هذا خطأ، وقتل السفير لم يكن متعمَّدا لأنه توفي نتيجة اختناق. ويبدو أن الناس لم يكونوا على علم بوجوده في الداخل".
ورأى الزهاوي والطرشاني أن الاتهام الموجّه ضد "أنصار الشريعة" له دوافع سياسية، فقال الطرشاني: "نطلب ممن يتهمون عناصرنا بالضلوع في الهجوم أن يتقدّموا بأدلة دامغة تثبت ذلك.. وأولئك الذين يتهموننا أو يلقون اللوم علينا هم من خصومنا من العلمانيين الذين لا يرغبون في رؤية بصمة أنصار الشريعة في بنغازي".
وردًّا على سؤال حول روايات لشهود عيان بشأن حمل المهاجمين راية إسلامية سوداء؛ قال الطرشاني إن تلك الرايات لا تخص الكتيبة وحدها، وإن ثمة العديد من الكتائب التي تستخدمها أيضًا، "ومن ثم لا يعد ذلك دليلًا". ونفى عضوا الكتيبة معرفتهم الجهة المسئولة عن تنفيذ الهجوم، ولكنهما أشارا بأصابع الاتهام إلى بقايا نظام العقيد الراحل معمر القذافي. فقال الزهاوي: "لا يمكننا استبعاد ضلوع الموالين للقذافي في ذلك، فكل شيء ممكن في هذه الحالة".
استقلالية أنصار شريعة بنغازي
وفقًا للزهاوي والطرشاني، ليست كتيبة بنغازي هي الكتيبة الوحيدة التي تحمل اسم "أنصار الشريعة"، فثمة كتيبة أخرى تحمل هذا الاسم في درنة، وهي مدينة تبعد 156 ميلا شرق بنغازي، ولهذه الكتيبة تاريخ طويل من المعارضة الإسلامية للقذافي. ومع ذلك، نفى القياديان وجود أي تواصل بين كتيبتهم وكتيبة درنة، أو أي رموز أخرى تحمل نفس الاسم.
وردًّا على سؤال حول ما إذا كانت لكتيبة "أنصار الشريعة" علاقة بأبي سفيان بن قمو، وهو معتقل سابق في جوانتنامو قاد جماعة من المقاتلين إبان الثورة الليبية في العام الماضي؛ أجاب الطرشاني قائلا: "لا إطلاقا، هو من جماعة "أنصار شريعة" أخرى. نحن نشترك في الاسم ولكن ليس في العمل".
شجب الزهاوي والطرشاني الرأيَ القائل بأن كتيبة "أنصار الشريعة" لا تحظى بقبولٍ حسنٍ عند معظم الناس في بنغازي. بيد أن الصحفية شككت في هذا الادعاء، قائلة للقيادييَّن: إنه تواترت أنباء حول قيام عناصر من الكتيبة في شهر يونيو 2012 بقيادة شاحنات صغيرة محمّلة بأسلحة ثقيلة على طول الواجهة البحرية للمدينة بهدف الدعوة إلى التنفيذ الفوري لأحكام الشريعة، وعليه خرج السكان المحليون في مظاهرة مناهضة لعناصر الكتيبة، ورشقوهم بالحجارة.
أثناء حديث الصحفية معهما؛ حاول الزهاوي والطرشاني مواجهة الاعتقادات القائلة بأن "أنصار الشريعة" عبارة عن ميليشيات مسلحة ذات ميول غريبة بالنسبة للمجتمع الليبي. فقال الزهاوي: "نحن نساهم في الحفاظ على أمن بنغازي"، مشيرًا إلى أن رجاله عملوا على حراسة مستشفى الجلاء، وهي أكبر مستشفيات المدينة. وأكد الزهاوي أن طبيبًا من أطباء مستشفى الجلاء أشاد له بجهود عناصر الكتيبة في تأمين المنشأة، وقال له إن تلك العناصر أكثر انضباطًا وموثوقية من تلك المكلّفة بمهمات التأمين.
وفي إشارة إلى جهود كتيبة "أنصار الشريعة" الأخرى، قال الطرشاني إن الكتيبة فتحت عيادة طبية تقدم العلاج المجاني للفقراء، وأنشأت مركزًا لإعادة تأهيل مدمني المخدرات. وفي هذا الصدد؛ أضاف الطرشاني قائلا: "نحن نحاول أن نضعهم على الطريق المستقيم حتى يتمكنوا من عيش حياة طبيعية داخل المجتمع".
موقف غامض إزاء الحكومة الليبية الجديدة
ترى الصحفية ماري فيتزجيرالد أن ثمة دلائل تشير إلى أن أنصار الشريعة ما زالوا لا يميلون للحكومة الليبية الجديدة. فعندما سألت الصحفية القياديين عما إذا كانا معترفين حقا بالحكومة الليبية الجديدة المنتخبة ديمقراطيًّا، فكّر الزهاوي والطرشاني مليًّا ، ثم قالا إنها سيُبديان رأيهما النهائي بعد الانتهاء من صياغة الدستور الجديد، مضيفان: "لا يعني ذلك أننا لا نعترف بالحكومة، ولكنها لا تزال حكومة مؤقتة من وجهة نظرنا لأننا لم ننته من صياغة الدستور بعد".
وعندما سألته الصحفية عن رأيه في ما إذا صدر دستورٌ لا يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية إلى حدٍّ ما، قال الزهاوي: "كل العلامات تشير إلى أن الدستور الجديد سيكون إسلاميا بمعنى الكلمة، وكلنا لا نرغب في إعلان وجهة نظرنا مقدّما"، مضيفا: "فلننتظر صياغة الدستور الجديد وبعدها سنتحدث"،ومن ثم وصفت الصحفية إجابات القياديين في هذا الصدد بـ"الغامضة".
تشير المراسلة في تقريرها إلى أن الزهاوي والطرشاني واثقان من أن القيادة الليبية لن تتحرك ضدهما، ناقلة عن الطرشاني قوله: "نحن نستبعد احتمال مهاجمة قوات الأمن الليبية لنا لأن مسئولي الأمن المحليين يعرفون جيدا أننا أبرياء، وأن لا علاقة لنا بالهجوم الذي شُنّ ضد القنصلية الأمريكية". غير أن الطرشاني لا يستبعد تمامًا احتمال شن القيادة الأمريكية هجومًا مضادًّا، حسبما جاء في التقرير.
وفي نهاية المقابلة؛ وجّه الزهاوي رسالة إلى الولايات المتحدة قائلا: "لسنا سعداء بما حدث للقنصلية والسفير.. وفي الوقت نفسه نطلب من الحكومة الأمريكية أن تنظر في أسباب حدوث ذلك. فهناك أشخاص في الولايات المتحدة يحاولون تخويف المسلمين، والإساءة إلى دينهم".
آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 22-09-2012 الساعة 10:20 PM
|