عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-09-2012, 01:14 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي


محمد .. صاحب الخلق العظيم



د. طه عبدالسلام
مقالات متعلقة












محمد -صلى الله عليه وسلم- صاحب الخلق العظيم




لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنسانًا فريدًا في كل أطوار حياته منذ طفولته المبكرة.


في شبابه - قبل البعثة - كانتْ حياته نموذجًا كريمًا للخُلق الرفيع، بل يقول بعض أصحاب السِّيَر: إنَّ محمدًا وهو رضيع كان دائمًا يرضع ثَدي مُرضعته الأيمن، ولا يرضع من الأيسر، كأنما يتركه لإخوته الآخرين من الرضاعة، ولا غَرَابة في ذلك؛ فقد صنَعه ربُّه على عينه، ربَّاه فأكمَل تربيته، وأدَّبه فأحسَن تأديبه، وفطَرَه على محاسِن الشِّيم ومكارم الأخلاق، ولا يستطيع بشَرٌ كائنًا مَن كان أن يبلغَ من الخُلق الرفيع ما بلغَه خاتَم النبيين؛ لأنَّ الله هو الذي ربَّاه وكمَّله.


فَهْوَ الَّذِي تَمَّ مَعْنَاهُ وَصُورَتَهُ ***ثُمَّ اصْطَفَاهُ حَبِيبًا بَارِئَ النَّسَمِ

مُنَزَّهًا عَنْ شَرِيكٍ فِي مَحَاسِنِهِ ***فَجَوْهَرُ الْحُسْنِ فِيهِ غَيْرُمُنْقَسِمِ

وَمَبْلَغُ الْعِلْمِ فِيهِ أَنَّهُ بَشَرٌ ***وَأَنَّهُ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ






ونحن أمام حديقة أخلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغنَّاء الوارفة الظلال، الواسعة الأرجاء، نشعر أننا جدُّ عاجزين عن الإحاطة بهذا البحر الْخِضَم، فلقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - مثلاً أعلى في كل خُلقٍ كريم بما لا يبلغ الوصْف مُنتهاه، كان جَمَّ التواضع، حليمًا، شجاعًا، كريمًا، عدْلاً، حكيمًا،.... إلى غير ذلك مما لا حدودَ له، فإن الله - عز وجل - قد وفَّاه حقَّه؛ إذ قال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

ومع أنَّ الله أعطاه كلَّ أسباب الرِّفْعة والشرف، فما مِن نبي مُرسَل ولا مَلَك مُقرَّب نَال ما نالَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفضْل والكرامة، ورفيع المنزلة عند ربِّه - جلَّ وعلا - وما تيسَّر له من أسباب العَظَمة الحقيقيَّة والمهابة الربَّانيَّة، والكمال الإنساني، فقد كان - عليه الصلاة والسلام - غاية في التواضُع، كان بتواضُعه متميِّزًا، ويَخفض جَناحَه متعززًا، كيف لا وقد رسَم له ربُّه منهجَ التواضع، فقال له: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215].

يروي الإمام أحمد والبيهقي أنه - صلى الله عليه وسلم - خُيِّر بين أن يكون نبيًّا مَلِكًا، أو أن يكون نبيًّا عبدًا، فاختَار - عليه الصلاة والسلام - أن يكون نبيًّا عبدًا.

فقال له إسرافيل عند ذلك: إنَّ الله أعطاك بما تواضعتَ له، أنَّك سيِّدُ ولد آدمَ، وأنك أوَّل مَن تنشقُّ الأرض عنه يوم القيامة، وأنك أوَّل شافعٍ.

ومع ما آتاه الله من التقدُّم والإمامة والفضْل على سائر الأنبياء، فقد كان يَكْره أن يُفَضِّلَه أحدٌ على أنبياء الله؛ تواضُعًا منه - صلى الله عليه وسلم.

ورَد أنه استبَّ مسلمٌ ويهودي، فقال اليهودي معتزًّا بنبيِّه موسى: والذي اصطفَى موسى على العالَمين، فغاظَ ذلك المسلمَ فلطَمه، فبلَغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لا تُفاضلوا بين الأنبياء، ولا تخيِّروني على موسى))، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - يقول في حديث: ((لو كان موسى حيًّا، ما وسعَه إلا اتباعي)).

ولقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - متواضعًا في كل حال، متواضعًا مع أهله، متواضعًا مع خَدَمه، متواضعًا مع أصحابه ومع الناس أجمعين، أمَّا تواضعُه مع أهله، فلقد سُئِلَتْ عائشة - رضي الله عنها - ماذا يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيْته؟ فقالتْ: كما يصنع أحدُكم في بيته، يَخصف[1] نعْلَه، ويَحلب شاتَه، ويَخدِم نفسه، ويكون في مهنة أهله.

وأمَّا تواضُعه مع خَدَمه، فإن أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: خدمتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو عشر سنين، فما قال لشيء فعلتُه: لِمَ فعلته؟ وما قال لشيء تركتُه: لِمَ تركته؟ وأعجبُ من ذلك ما يَرويه أنس من سُمو خُلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تواضعه يقول: خدمتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو عشر سنين، فما صحبتُه في حضرٍ ولا في سفر لأخدمه، إلاَّ وكانتْ خِدْمته لي أكثر من خِدْمتي له.

أما تواضعُه - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه، فقد كان جَمَّ التواضُع، ومن ذلك أنه خرَج يومًا على أصحابه متوكِّئًا على عصًا، فقاموا له، فلم يفرَحْ ولَم يَشكرْهم، ولكن قال لهم: ((لا تقوموا كما يقوم الأعاجم، يعظِّم بعضُهم بعضًا، إنما أنا عبدٌ آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلِس العبد)).

وتستوقفه المرأة العجوز في الطريق، فيستمع لها وييسِّر لها حاجتها، ويسعد أنْ يجالس الفقراء والمساكين، وكان يجلس مع أصحابه مختلطًا بهم، فحيث انتهى به المجلس جلَس، ويقول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((لا تُطروني كما أطرتِ النصارى ابنَ مريم، إنما أنا عبد؛ فقولوا: عبد الله ورسوله)).

ولقد دخَل عليه رجل، فأصابته رعْدَة، وما كان محمد - عليه الصلاة والسلام - في قصْر ولا في حرسٍ، وإنما كان ذلك من هَيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله: ((هَوِّن عليك؛ فإني لستُ بملكٍ، إنما أنا ابنُ امرأة من قريش، كانتْ تأكل القديد[2] بمكة)).

أما حُسن عِشْرته وجمال أدَبه، وبَسط خُلقه مع سائر الناس، فمما تواتَر به صحيحُ الأخبار، فهذا علي - وهو أقربُ الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول: كان - عليه الصلاة والسلام - أوسع الناس صدرًا، وأصدقهم لَهْجة، وألْيَنهم عَريكة[3]، وأكرمَهم عِشْرة، وكان - عليه الصلاة والسلام - يتفقَّد أصحابَه، ويحذر الناس من غير أن يطوي عن أحدٍ بِشْرَه وبَشاشته، وكان أكْيسَ الناس، وكان يعطي كلَّ جُلسائه نصيبَهم من الإكرام؛ حتى لا يحسب جليسُه أنَّ أحدًا أكرمَ عليه منه، ويقول أنس بن مالك: ما الْتَقَم أحدٌ أُذُنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحادثه، فينحِّي رأْسَه، حتى يكون الرجل هو الذي ينحِّي رأسَه أولاً، وما أخذ أحدٌ بيده فيرسلُها، حتى يُرسلها الآخر.

وما سُئِل عن حاجة إلاَّ جاد بها، أو بميسور من القول، إن لَم تكنْ عنده، قد وسِعَ الناس بسطه وخُلقُه، فصار لهم أبًا، وصاروا عنده في الحق سواءً، ما نَهر خادمًا قطُّ، ولا ضرَب بيده أحدًا، إلاَّ أنْ يُجاهد في سبيل الله، وتقول عائشة - رضي الله عنها - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خلا في بيته عن أعين الناس بسَّامًا ضحَّاكًا، وجاء وفْدُ النجاشي، فقام - عليه الصلاة والسلام - يَخدمهم بنفسه، فقال له أصحابه: يا رسول الله، إنا نَكفيك ذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنهم كانوا لأصحابنا مُكْرِمين، وأنا أحبُّ أنْ أكافِئهم)).

وكان - عليه الصلاة والسلام - يَمزح ولا يقول إلاَّ حقًّا، جاءته عجوز تقول: يا رسول الله، ادعُ الله أن يُدْخلني الجنة، فقال: ((يا أمَّ فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز، فولَّت المرأة تبكي))، فقال - عليه الصلاة والسلام – ((أخبروها ألاَّ تدخلَها وهي عجوز؛ إنَّ الله -تعالى- يقول: ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا﴾ [الواقعة: 35 - 37])).

أما سَعة صدْره وعظيم حِلمه، فقد كان على غير ما يكون الإنسان العادي، فإن الإنسان بطبيعته رُبَّما رُكِّب فيه من غرائز ودوافع، إذا ما ارْتُكِب ضدَّه عملٌ ضارٌّ به، أو سَمِع قولاً يُغضبه، فإنه سَرعان ما تثور عواطفُه، وتتوتَّر نفسه، فيندفع بالتعجيل بالانتقام، وما كان محمد على هذا النمط قطُّ، كان منهجه في حِلمه وسَعة صدْره ما رسَمه له ربُّه بقوله: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].

وفي تأويل هذه الآية يقول له جبريل: يا محمد، إنَّ الله يأمرك أن تصِلَ مَن قطَعَك، وتُعطي من حرَمَك، وتعفو عمَّن ظلَمَك.

ولقد طبَّق الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا المنهج كأحسن ما يكون التطبيق، يروي أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه كان يسير مع النبي - عليه الصلاة والسلام - وعليه بُردٌ غليظ الحاشية، إذ بأعرابي يُسيء إليه فعلاً وقوْلاً؛ أما فِعلاً، فقد جذَبه من رِدَائه جَذْبة شديدة؛ حتى أثَّرتْ حاشية البُرد في صفحة عُنق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما قولاً فهو يقول له: يا محمد، احملْ لي على بعيري هذَيْن مِن مال الله الذي عندك؛ فإنك لا تُعطيني من مالك ولا مِن مال أبيك، فسكت رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قليلاً، ثم قال: ((المال مال الله، وأنا عبده ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلتَ بي))، فقال الرجل: لا، لا يُقاد مني، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولِمَ؟))، قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة، فضحِكَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بأن يحملَ له على بعيرٍ تَمْر، وعلى الآخر شَعير.

ولا أدَّل على تَمَكُّن صفة الحِلْم من نفسه - عليه الصلاة والسلام - وأصالتها في أخلاقه من أنَّ حِلمه كان عامًّا، حتى شمل أعداءَه، وكان سببًا في إسلام الكثير منهم، يقول عبدالله بن سلام: لَمَّا أرادَ الله هِداية زيد بن سعنة - وكان زيد من أحبار اليهود - قال زيد: إنه ما من علامات النبوة شيء إلاَّ عرَفْتُه في وجْه محمد، إلاَّ علامتين لَم أخبرْهما منه: يَسبق حِلمه جهلَ الجاهل، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلاَّ حِلمًا، يقول زيد: وكنتُ أنطلق إليه وأخالِطُه؛ لأعرف حِلمه، ثم إنه كان لزيد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دَيْن، وكان الدَّيْن محدودًا بأجلٍ، فتعمَّد زيد أن يأتِيَه قبل الأجَل بأيام، وبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج إلى جنازة ومعه بعض أصحابه، يقول زيد: فجذبتُ النبي جذبةً قوية؛ حتى سقَط رداؤه عن عُنقه، ثم أقبلتُ إليه بوجْه جَهْمٍ غليظ، وقلت: ألاَّ تقضيني يا محمد دَيْني، فما عَلِمتُكم يا بني عبدالمطلب إلاَّ مطلاً، قال ذلك، فتحرَّك عمر في قوة، ورمَى ببصره إلى اليهودي، وقال: يا هذا، أتفعَل ذلك برسول الله، وتقول ما أسمع، وتفعل به ما أرى، فوالذي بعثَه بالحقِّ، لولا ما أخاف فوْته، لسبقني رأْسُك، كل ذلك ورسول الله هادئ ساكن، يبتسم في هدوء، يقول: ((يا عمر، أنا وهو أوْلَى منك بغير ذلك، أنْ تأمرَني بحُسن الأداء، وتأمره بحسن التِّباعة؛ أي: بحُسن الطلب))، ثم يقول: ((اذهبْ يا عمر، فأعطه حقَّه، وزِدْه عشرين صاعًا من تمرٍ جزاء ما رُعْتَه))، فانطلَق معه عمر، وأعطاه حقَّه، وزاده عشرين صاعًا كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال زيد: ما هذا قال: أمرَني رسول الله أن أزيدَك هذا التمر مكان ما رُعْتُك، قال: يا عمر أتعرفني؟ قال: لا، فمَن أنت؟ قال: زيد بن سعنة، قال: الْحَبْر، قال: فما الذي حمَلك على أن تفعلَ ما فعلتَ، وتقول ما قلتَ؟ قال يا عمر: إنه ما من علامات النبوَّة شيء إلاَّ عرَفْتُها في وجْه محمد، إلاَّ هاتين العلامتين: يَسبق حِلْمه جهلَ الجاهل، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلاَّ حِلمًا، أما وأني قد خُبِّرتُهما منه، فإني أُشهدك يا عمر بأني قد رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دِينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا، وأشهدك يا عمر أني جعلتُ شَطْر مالي - وأنا من أكثر الناس مالاً - صدقة على أُمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - قال عمر: أو على بعضهم؛ فإنك لا تَسعهم، ثم انطلَق به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسْلَم وأسلمَ أهلُ بيته، وأما شمول عفوه، فكان منهجه في ذلك ما رسَمه له ربُّه بقوله: ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85].

__________________
رد مع اقتباس