
24-09-2012, 06:31 AM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
الطائفية في العراق
الطائفية في العراق
فنر الحداد
[فنر الحداد باحث في معهد الشرق الاوسط في جامعة سنغافورة و باحث زائر في جامعة لندن.]
[غلاف كتاب فنر الحداد "الطائفية في العراق". الصورة من المؤلف] - كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
- قبل الإجابة على هذا السؤال يجب النظر الى تطور الأحداث على مدى ستة عشر سنة، من 1991 ولغاية 2006 وما جرى خلالها. في الحقيقة كان البحث في بداية الأمر عن ذاكرة أحداث 1991: كيف لشعب أن يختلف هذا الإختلاف الجذري في الذاكرة بين التمجيد والتخوين؟ كيف لتمرد ضد نظام مستبد يفتقر لقاعدة شعبية (خاصة في آذار 91 بعد كوارث حرب الخليج) أن يولد انقساماً اجتماعياً بهذا العمق؟ وماذا كان أثر هذا الانقسام في الذاكرة على العلاقات الاجتماعية في ظل الحصار والتفتت الاجتماعي عامة في تلك الحقبة. عندما بدأت التطرق لهذه الاسئلة وجدت أن جوهر الموضوع هو الانقسام الطائفي والهوية الطائفية. أصبح البحث في ما يسمى "الطائفية"،وهو مصطلح مطاطي يكاد أن يخلو من أي معنى أو دقة علمية، أمراً ملحاً خاصة في عام 2006 والحرب الأهلية الطائفية مشتعلة في العراق.
باختصار، حاولت فهم الهوية الطائفية في العراق، وأهم من ذلك حاولت فهم ديناميكية العلاقات الطائفية، بمعنى آخر التفاعل الاجتماعي بين المكون السني والمكون الشيعي في المجتمع العراقي. اهتمامي ليس بالطائفية السياسية فحسب، وإنما بدور ومكان الهوية الطائفية في العلاقات الاجتماعية. من المشاكل العديدة التي ترافق الحديث عن الطائفية في العراق أن هذا الموضوع لا يزال يعاني من كونه نوعاً من التابو - خاصة في فترة ما قبل السقوط. الأمر الآخر والمنبثق من هذا الإشكال هو أن ندرة النقاش الجاد والمحايد في هذه الأمور خلق نوعاً من الجهل الذي جعل الكثيرين - ومنهم الباحثين - ينظرون إلى موضوع الطائفية من منظور المحصلة الصفرية: ففي غالب الاحيان إما ان نسمع الرأي الاختزالي الذي يكاد ينبثق عن وطنية عراقية أو تضامن مع الشعب العراقي والذي يشتهر بالمصطلح الاستهلاكي (كلنا إخوان) أو (إحنا ما عدنا شيعة وسنة)، خلاف ذلك الرأي نجد البعض الآخر، وخاصة في الغرب، يضخمون من شأن الهوية الطائفية في العراق تاريخياً واجتماعياً وسياسياً, بمعنى آخر يتصورون ويصورون كل ما هو عراقي على أنه طائفي. في ظل هذا الاستقطاب العاطفي في الآراء كان أملي بأن يكون كتابي خطوة نحو نقاش موضوعي بعيد عن التبسيطات المسيسة والعاطفية. موضوع الهوية الطائفية ليس موضوع صراع أزلي كما يروج دعاة التقسيم، و لا موضوع مؤامرات خارجية تمزق شعب متكاتفاً كما يؤمن بعض الوطنيين العراقيين والمتضامنين معهم، خاصة من اليسار.
- ماهي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب ؟
قبل الاجابة على هذا السؤال يجب أن نحذر من أن أي فكرة أو أطروحة عن أي هوية جامعة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار نقطتين أساسيتين. أولا: ما يقال عن الجماعة الفلانية مثلاً (الشيعة) أو (السنة) لا يمكن فعلاً أن يشمل جميع الشيعة ولا جميع السنة، وعلى المتابع أن يدرك دور المتغيرات العديدة المتعلقة بالهوية الطائفية (مثلا الطبقة، التحصيل الدراسي، درجة الايمان، المكان الجغرافي، من مكان الى آخر، وبين الريف والمدينة، البيئة السياسية, الوضع الاقتصادي. . . الخ). النقطة الثانية: هي أن الهوية (طائفية أم غيرها) ليست ثابتة لا من حيث المحتوى ولا من حيث الأهمية. لا يمكن الحديث بدقة أو عقلانية عن (شيعة) و (سنة) بشكل عابر للزمان والمكان، فأهمية هذه المسميات ومحتواها للفرد المنتمي إليهما في حالة تذبذب مستمر تجاوباً وبشكل يعكس السياق الاجتماعي والفكري في لحظة أو حقبة معينة. مثلاً، لا يمكن أن نمزج مضمون الهوية الشيعية العامة أو الوعي الجمعي السني أو حتى رسوخ الهوية الشيعية/السنية في المجتمع العراقي في ستينيات القرن الماضي مع الفترة الحالية. إن المزج بين الحقبتين يولد إشكالاً يتمثل في يتجاهل دور المحتوى السياسي المتغير في بروز هذه الهوية أو تلك. لذا نجد الكثير من العراقيين يصرون على عدم أهمية الهوية الطائفية في المجتمع العراقي بناء على ذكرياتهم من ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي, ويتم هذا الإصرار بشكل مطلق وعابر للزمان والمكان والسياق ما يجعل من المستحيل فهم الهوية الطائفية من غير اللجوء إلى نظريات المؤامرة او صب اللوم على أيد خارجية. كذلك القطب المضاد والذي يصور الشيعة والسنة على أنهم في عداوة أزلية لا تسمح لأي حل غير إعادة رسم حدود العراق و المنطقة برمتها حيث لا يميزون بين فترة وأخرى مفترضين أن الهوية شيء ثابت وراسخ وما جرى بعد الـ2003 من تخندق واقتتال طائفي هو دليل على واقع العلاقات الطائفية الحقيقي الأبدي في العراق أو غيره!
حاولت في كتابي أن احلل المتغيرات المتعلقة بالهوية الطائفية لكي نفهم كيف تتقدم وتتراجع أهمية الهوية الطائفية بين فترة وأخرى. أو، بمعنى آخر، كيف لنا أن نفهم ما يبدو ظاهراً متناقضاً بين التزاوج والتعايش والحرب الاهلية؟ ومن هذه المتغيرات العوامل الاقتصادية والتأثيرات الخارجية ومنافسة الرموز (symbols) ومن خلالها النزاع حول تحديد الهوية الوطنية. وباعتقادي إن أكبر تعقيد في فهم الهوية الطائفية هو في علاقتها مع الهوية الوطنية حيث الرؤية الشائعة تصر على أن الهويتين، الطائفية والوطنية، متناقضتان وأن الهوية الطائفية تتسم بالتخلف والعداء والرجعية، وتدور في فلك مستقل عن الهوية الوطنية. وهذه النظرة تعزز المحصلة الصفرية التي تصر على أننا إما إخوان (وطنيون) او أعداء (طائفيون)! وهذا هو أحد أهم محاور الكتاب والذي يتلخص بعنوانه الفرعي: (رؤى مضادة للوحدة). النزاع الطائفي أو المنافسة الطائفية في العراق لا تجري على حساب الوطنية وإنما باسمها. المنافسة تتمحور حول الوطنية - وبمعنى أدق محتوى الوطنية - أكثر من الدين أو الخلافات الفقهية والفلسفية. ولذلك نجد أن هدف هذه النزاعات ليس تقسيم العراق ولا خلق دول (شيعية) و (سنية) كما يتوقع الكثير - (ومنهم نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن!). الهدف باختصار هو ترقية الرواية والرموز الخاصة بالطائفة إلى مستوى الرواية المركزية الوطنية، وبالتالي التأكيد على رؤية الجماعة - مثلا شيعية العراق وعراقية التشيع! لذلك فان الإشكال ليس في غياب الحس الوطني وإنما في تعدد الرؤى للوطنية الواحدة. في رأيي إن أسلم طريقة للتغلب على هذه النزعات هي من خلال إشاعة وطنية تتسم برمزية عابرة للطائفة. ومن خلال مثل هذه الوطنية يصبح من الممكن حصر رمزية الهوية الطائفية في المساحة الخاصة والمجال الديني. من مستلزمات هذه الفكرة أن تكون الدولة في نظر الشعب أقرب ما يمكن إلى الحياد الطائفي. ولكن للأسف فإن تاريخ العراق الحديث وحتى يومنا هذا يجعل من العراق نقيض الحياد الطائفي. والموضوع حقيقة لا يقتصر على السياسة بل يتعلق بتصورات الناس. مثال على ذلك: في الحقبة الصدامية عانى الشيعة، كما كل اطياف الشعب العراقي، ألوان الاستبداد والاضطهاد، ولكن كم من هذا الاضطهاد الذي عانى منه الشيعة كان مبنياً على الهوية الطائفية؟ هل كان العنصر الأساس في الحرمان والتمييز الهوية الطائفية أم الهوية المناطقية والعشائرية؟ وأيا كان السبب في ذلك فان الشيعة كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ضحية الاضطهاد الطائفي، وبالتالي فهم معرضون للمبالغة في دور هويتهم الطائفية في الصعوبات التي واجهوها. وهذه الظاهرة ليست ذاتية فحسب، بل هي تعبر الذات وتؤثر في مفاهيم الآخر والمراقبين عامة. ولذلك يصبح التمرد في الجنوب (تمرداً شيعياً) ولكن تمرد الدليم بعد حادثة بيت مظلوم يسمى (تمرداً عشائرياً). أما اليوم فقد تبدلت الادوار بالكامل حيث السنة هم من يشعرون الآن بأنهم ضحية الاضطهاد الطائفي، وبناء عليه يرون عنصراً طائفياً في تقصيرات وتعسف الدولة. و في الحالتين - الشيعة بالأمس والسنة اليوم - توجد هناك مبررات عديدة للشعور بالاضطهاد الطائفي، ولكن في الحالتين يأخذ هذا التعليل للاضطهاد والتمييز صبغة شمولية وهذه ظاهرة شائعة بين كثير من الجماعات المهمشة عالمياً. اليوم الوضع في العراق يشجع مثل هذه النظرة نتيجة الدور المحوري للهوية الطائفية في تأسيس العراق الجديد وبالتالي مزج المصلحة السياسية مع الهوية الفرعية وأيضا نتيجة تبني الدولة الصريح للهوية الشيعية التي تعزز شعور السنة بالتهميش.
لتوضيح هذه الامور يركز الكتاب على فترة الحصار و ولادة العراق الجديد حتى نهاية الحرب الأهلية عام 2008. وخاتمة الكتاب تذكر بما أتى ذكره في المقدمة: حيث لا يوجد شيء ثابت في الهوية، و العلاقات الطائفية هي أقرب إلى عملية أو ديناميكية مستمرة ومضطربة تستجيب للتغيرات في المناخ الإجتماعي والإقتصادي والسياسي.
- ماهي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
- ثمة صعوبة في أي بحث يتعلق بالامور الحسية. فكيف لنا أن نقيس الانتماء أو المشاعر أو الهوية؟ لذلك أي حديث عن الهوية يجب أن يبدأ بالتاكيد على مطاطيتها. بخصوص الهوية الطائفية في العراق، وجدت أن الحساسيات والنرجسيات التي غالباً ما ترافق مواضيع الهوية مضاعفة نتيجة التسييس. وبينما هذا شئ طبيعي في العراق و العراقيين نتيجة مآسي السنين التسع الأخيرة والتي تتعلق بالهوية الطائفية، فإني وجدت نفسي أمام هذه التعقيدات ليس فقط في العراق، وإنما خارج العراق ومع غير العراقيين ايضاً. ومازلت إلى حد الآن أواجه اتهامات باني (طائفي) أو منحاز إلى هذه الطائفة أو تلك فقط لأني أبحث في موضوع الهوية الطائفية. مع العراقيين، ومع غيرهم من الذين يمكن وصفهم "الملكي أكثر من الملك" أجد أن الحديث عن انقسام طائفي بحد ذاته وبغض النظر عمّا إذا كان هذا الانقسام إيجابياً أو خبيثاً او متقلباً، يستفز البعض - ومن هناك تأتي الاتهامات بالطائفية أو حتى الاستشراق. برأيي أن هناك حساسية غير عقلانية مقابل أي حديث عن هويات فرعية عراقية وأعتقد بان هذا ناتج عن أمرين: أولاً: إرث النظام السابق الذي حارب التعبير عن الهويات الفرعية وبالتالي حولها إلى نوع من التابو, وثانياً: كردة فعل ضد بعض الأطراف، لا سيما الإدارة الأمريكية، التي ضخمت أهمية الهوية الطائفية وصورت العراقيين على أنهم شيعة وسنة فحسب. ورغم أني أؤكد على حماقة مثل هذا التبسيط لأي مجتمع، أرى في نفس الوقت أنه يتوجب علينا أن لا نرادف هذا التضخيم لمكان الهوية الطائفية في العراق بتبسيط قد يصل أحيانا إلى نفي وجود مسألة طائفية تستحق الدراسة والتحليل. في الحقيقة لا يوجد مجتمع في العالم متجانس كلياً، والبشر خبراء في التقسيم! فاذا تجانسنا مذهبياً، سنتعدد عرقياً، وإذا تجانسنا عرقياً، سنتعدد عشائرياً. . . إلخ. التعددية ليست مشكلة ولا تهديد بحد ذاتها، ماهية التعددية وكيف تنظم في الحياة العامة وما هي الانعكاسات السياسية للتعددية هي التي تحدد طبيعتها.
- كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/ال*** الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
- حاولت قدر الامكان أن أدخل قاعدة نظرية للحديث عن الهوية الطائفية. لا أعتقد أنه من الممكن معالجة هذا الموضوع فقط على أساس تاريخ العراق والتجربة الشخصية. لذلك اعتمدت على عدة نظريات من عدة فروع في العلوم الاجتماعية، منها الهوية، سيكولوجيا الجماعات، الوطنية، علوم سياسية وعلم الصراعات الإثنية. حاولت كذلك أن أقارب بين الحالة العراقية ودول أخرى واجهت صعوبات في التعامل مع التعددية فوجدت أن ديناميكيات نزاعات الجماعات من دولة إلى أخرى متشابهة رغم بعض الخصوصيات. بالنسبة إلى حقل دراسة العراق وتاريخه الاجتماعي أتمنى أن يكون الكتاب بداية نقاش موضوعي عن الهوية الطائفية بعيداً عن التخندق والنرجسيات الضيقة. كذلك بالنسبة إلى العلوم السياسية والهوية، آمل بأن أكون قد قدمت نظرة تحليلية وموضوعية للحالة العراقية قد يستفيد منها الباحث المختص بهذه الامور بغض النظر عن تركيزه الجغرافي.
- ماهو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية؟
- إن هذا الكتاب يمثل لي خطوة على طريق ربما يكون طويلاً في دراسة مشاكل الهوية والتعددية بالرغم من تركيزه على الحالة العراقية التي وجدتها تصلح لتكون مثالاً لحالات تعاني منها شعوب أخرى.
- من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
- طبعاً المختصون هم أول جمهور مفترض ولكن أتمنى أن يصل الكتاب إلى جمهور أوسع لا سيما إن موضوع الهوية الطائفية لا يزال يشغل حديث الناس ويثير جدالات حادة واحياناً غير عقلانية. بودي طبعاً أن يصل الكتاب إلى العراقيين ولذلك أتمنى أن يترجم الكتاب إلى العربية في المستقبل.
إذا كان لي أن أوصل نقطة (ربما تكون يتيمة) إلى القارئ فهي أن الهوية الطائفية ليست ثابتة، لا من حيث الأهمية ولا البروز ولا المحتوى ،و بناء على ذلك لا يجوز التعميم ولا يجوز الكلام عن (الشيعة) و (السنة) كأنهم ظاهرة ثابتة عابرة الزمان والمكان.
- ماهي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
- أعمل حالياً على كتابي الثاني والذي سيتطرق إلى موضوع انقسام الذاكرة في العراق، وهو موضوع متعلق بالهوية. والكتاب سيعالج أحداث 1991 وتغيرات الخطاب الرسمي تجاه تلك الأحداث. وأتوقع أن يكون الكتاب جاهزاً للنشر في 2015. قبل ذلك سأستمر بالعمل في حقل الذاكرة والهوية، بالتحديد أتوقع نشر بحث قريباً عن ذاكرة الحرب الأهلية وآخر عن إصلاح المناهج الدراسية.
منقول
|