
26-09-2012, 02:47 PM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
إلى أين تتجه علاقات واشنطن والقاهرة بعد الفيلم المسيء للرسول؟
إلى أين تتجه علاقات واشنطن والقاهرة بعد الفيلم المسيء للرسول؟
رضوى عمار تمر العلاقات المصرية – الأمريكية حالياً، بثان أزماتها بعد ثورة 25 يناير، بسبب الهجمات "الشعبية" على السفارة الأمريكية بالقاهرة، والتي جاءت كرد فعل على فيلم "براءة المسلمون" الذي أنتج في الولايات المتحدة، وتعتبر هذه ثاني أزمة في العلاقات بين البلدين حيث كانت الأولى تتعلق بوضعية منظمات المجتمع المدني الأمريكية العاملة في مصر،
ومنها: المعهد الوطني الديمقراطي والمعهد الجمهوري الدولي، اللذان يتبعان بصفة رسمية الحزبان الديمقراطي والجمهوري، وبيت الحريات، والمركز الدولي للصحفيين. لكنها تعتبر الأولى بعد فوز محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، في انتخابات الرئاسة المصرية.
علاقات مرتبكة:
يشير تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في رده على التعامل المصري مع الاحتجاجات أمام السفارة الأمريكية، في 12سبتمبر من أنه لا يمكن اعتبار الحكومة المصرية "حليف، كما أنها ليست عدو، هي حكومة جديدة تحاول البحث عن طريق"، إلى واقعية الإدارة الأمريكية في التعامل مع مصر حاليا، وإدراكها أن العلاقات معها خلال هذه الفترة لن تكون خالية من الأزمات أو التوترات.
منذ ثورة 25 يناير ، كان هناك تردد أمريكي حول كيفية التعامل مع مصر، التي ظلت طوال عهد الرئيس مبارك "حليف استراتيجي" لواشنطن في المنطقة، وقد كان تشكل نوع من التوافق داخل الإدارة الأمريكية على قبول نتائج التغيير الثوري في مصر أيا كانت، والتعامل معه كأمر واقع، بما في ذلك سيناريو سيطرة الأخوان المسلمين على الحكم في مصر. وطوال المرحلة السابقة على انتخابات الرئاسة المصرية، سعت واشنطن لبناء علاقات "بناءة" مع الأخوان في مصر، وكان لهذه الجهود أهميتها في علاج الأزمة الأولى التي نشبت مع واشنطن ، والتي عرفت إعلاميا بأزمة المنظمات الأمريكية.
حيث ثمنت واشنطن دور الأخوان المسلمين في احتواء أزمة المنظمات، حتى أن بعض أعضاء الكونجرس، ذكروا أن بيان حزب الحرية والعدالة الذي أبرز أهمية دور المنظمات غير الحكومية وإيجاد تشريعات تدعم هذا الدور في 20 فبراير 2012 لعب دور في هذا الصدد.
وقد أكدت هذه الأزمة أن الأخوان المسلمين، هم شريك آخر لواشنطن في مصر، الى جانب المجلس العسكري، وهو ما يبرر اتجاه واشنطن لتوفير الدعم المالي والاقتصادي لمصر، بعد انتخابات الرئاسة، ووعدها بخفض الديون المصرية، حيث:
- سمحت إدارة أوباما في مارس 2012 بتقديم 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية لمصر، رغم هواجس أعضاء بارزين في الكونجرس حول دور الجيش المصري في عملية التحول الديمقراطي.
- عملت واشنطن على إنهاء إجراءات تخفيف الديون المصرية بمقدار 1 مليار دولار، وأرسلت بعثة من الشركات الأمريكية عالية المستوى لدفع العلاقات التجارية.
- زيارة روبرت هرماتس وكيل وزارة الخارجية للنمو الاقتصادي لمصر للتفاوض على حزمة المساعدات، والذي قال أنها سوف تخفف عن مصر جزء من الضغط المالي المباشر دعماً لخطة الإصلاح الحكومية المصرية. وإعلانه عن الدعم الأمريكي لقرض الـ4.8 مليار دولار التي طلبها الرئيس محمد مرسي من البنك الدولي.
- اقتراح إدارة أوباما تمويلاً قدره 800 مليون دولار للسنة المالية 2013 التي تبدأ في أكتوبر الأول، لمساعدة دول أخرى شهدت ثورات رغم أن كثير من تلك الدول نددت بالولايات المتحدة.
ولكن دفعت أزمة الفيلم المسيء، تيارات داخل الإدارة الأمريكية لإعادة النظر في كيفية التعامل مع مصر، حتى أن بعضها طالب باتباع سياسة الإكراه Coercion diplomacy، التي اتبعها جونسون اتجاه مصر في أثناء حكم عبدالناصر منتصف الستينات، من خلال المطالبة بقطع المعونة الأمريكية عن مصر، ووقف المساعدات الاقتصادية لها. حيث:
- طالب السيناتور راند بول Rand Paul(R-KY) أن توقف واشنطن كل المساعدات الأجنبية إلى مصر وليبيا استجابة لأحداث في بنغازي والهجمات على السفارة الأمريكية في القاهرة.
- قدم في 13 سبتمبر الجاري ، مشروعين للكونجرس، الأول يقرر تقديم تقرير إلى الكونجرس بشأن الهجمات على السفارة الأمريكية في ليبيا ومصر واليمن، ليساعد أعضاء الكونجرس على تقرير الدول التي تستحق المساعدة الأجنبية، ويطالب الثاني بتعليق المساعدات لمصر وليبيا حتى يؤكد الرئيس للكونجرس أن الحكومتان قدموا الحماية الواجبة للسفارات والقنصليات الأمريكية.
وفي المقابل، تعاملت الخارجية الأمريكية بحذر، حيث صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، في 14 سبتمبر، خلال مراسم استقبال جثث الدبلوماسيين الأمريكيين الذين قتلوا في بنغازي بأنه "لم تبدل شعوب مصر وليبيا واليمن وتونس استبداد دكتاتور باستبداد الغوغاء" وأنه "يجب على الناس العقلاء والقادة العقلاء في هذه البلاد أن يفعلوا كل ما بوسعهم لاستعادة الأمن ومحاسبة المسئولين عن هذه الأعمال العنيفة". كما أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جورج ليتل أن وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في 14 سبتمبر، للتأكيد على أهمية ضمان سلامة وأمن البعثة الأمريكية، وقد أفاد بتأكيد السيسي التزام مصر بتأمين المنشآت الدبلوماسية الأمريكية والموظفين الأمريكيين.
استنفار "إخواني" :
كانت ردود فعل الحكومة المصرية على التصريحات الأمريكية، أكثر أهمية من ردها على الاحتجاجات أمام السفارة الأمريكية، في فهم أبعاد الحرص المصري على الاحتفاظ بالعلاقات مع واشنطن بدون مشاكل على الأقل خلال المرحلة الحالية. حيث كثفت القاهرة اتصالاتها بواشنطن في محاولة لاحتواء الأزمة، على مسارين، الأول رسمي على مستوى مؤسسات الدولة، والآخر غير رسمي على مستوى حزب الحرية والعدالة.
فعلى المستوى الرسمي، صرح الرئيس مرسي في 12 سبتمبر، بتكليفه السفارة المصرية في واشنطن باتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد منتجي الفيلم المسيء للنبي محمد، كما أكد أيضاً على "حق التظاهر السلمي في حدود القانون"، وأن الدولة ستتصدى "بكل حزم لأي محاولة غير مسئولة، للخروج عن القانون." كما شدد ياسر علي المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية في 16 سبتمبر ، على أنه لا هوادة في حماية البعثات الدبلوماسية ولا تفريط ولن تتوان الدولة المصرية في ذلك.
كما أجرى وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو اتصالاً بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في 15 سبتمبر أكد من خلاله رفض القاهرة الفيلم، وأنه يندرج ضمن أعمال إثارة الكراهية ضد الشعوب ، ويتنافى مع القوانين والأعراف الهادفة إلى تنمية علاقات السلام والتفاهم بين الشعوب والدول، وأكد أن السلطات المصرية مصرة على القيام بواجباتها "كاملة في حماية السفارات والبعثات الدبلوماسية الموجودة على الأراضي المصرية، وأنها لن تسمح بالاعتداء على الممتلكات الأجنبية في مصر في شكل عام".
إلى جانب ذلك، أكد رئيس الوزراء هشام قنديل في مقابلة أجرتها معه بي بي سي العربية، في 17 سبتمبر ، أن أعداد من المتظاهرين تلقوا أموالاً للاحتجاج أمام السفارة الأمريكية، وأن هناك تعقب لهؤلاء الأشخاص للوصول للفاعل الرئيس المحرك لهؤلاء المتظاهرين.
وعلى المستوى غير الرسمي، سعى حزب الحرية والعدالة وجماعة الأخوان المسلمين، للتأكيد على عدم مسئولية الإدارة الأمريكية عن الفيلم، وتأكيد مسئولية أقباط المهجر عنه، وهذا ما أكده بيان حزب الحرية والعدالة الصادر في 11 سبتمبر، حيث قدم محامي جماعة الإخوان المسلمين بلاغ إلى النائب العام في مصر ضد عدد من الأقباط المنتجين للفيلم المسيء للرسول (موريس صادق، عصمت زقلمة، مرقص عزيز، تيري جونز).
وتراجعت الجماعة عن دعوتها إلى تنظيم وقفات أمام مساجد الجمهورية في الجمعة التالية على الأحداث 14 سبتمبر والاقتصار على التواجد الرمزي في ميدان التحرير، كما اتجهت لمخاطبة الرأي العام الأمريكي من أجل تفسير ما جرى في مصر.
حيث أكد بيان الحزب في 13 سبتمبر، على أن التعبير السلمي ضد الفيلم المسيء للنبي حق بل واجب على الشعب المصري بمسلميه ومسيحيه، كما طالب بـ "إصدار اتفاقية دولية تجرم الإساءة للمقدسات والرموز والديانات السماوية واعتبار من يخالف ذلك يهدد الأمن والسلم الدوليين ويعرضه إلى عقوبات رادعة".
إلى جانب ذلك، صرح عصام العريان، القائم بأعمال رئيس حزب "الحرية والعدالة" ، خلال لقاء صحفي عقده في قاعة مؤتمرات الأزهر يوم 16 سبتمبر تلقيه اتصالاً من البيت الأبيض أشاد فيه بموقف الحزب في أحداث السفارة الأمريكية ووصفه بـ"الجيد والمحترم". وقال أن "البيت الأبيض ثمن دورنا كحزب في التعامل مع الحدث". وأكد حرص الحزب على توطيد العلاقة بالجانب الأمريكي وتفادي توتير العلاقات معه مع الوضع في الاعتبار الاحترام المتبادل والأسس المشتركة بيننا".
كما أرسل خيرت الشاطر، رسالة إلى الشعب الأمريكي نشرتها جريدة نيويورك تايمز الأمريكية في 13 سبتمبر بوصفه نائب المرشد، أعرب فيها عن تعازيه إلى الشعب الأمريكي، وأكد فيها عدم "تحمل الحكومة الأمريكية أو مواطنيها المسئولية عن أعمال فئة قليلة أساءت إلى القوانين التي تحمي حرية التعبير"، وأمل أن تكون " العلاقات التي سعى الأمريكيون والمصريون لبنائها خلال الشهرين الماضيين تستطيع أن تتجاوز هذه الأحداث".
حرص متبادل:
لا يزال هناك حرص أمريكي على الاحتفاظ بعلاقات قوية مع مصر، وهذا ما يفسره توضيح المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، للتصريح الخاص بأوباما حول مصر، حيث ذكر أن كلمة "حليف هي مصطلح قانوني. والرئيس من الناحيتين الدبلوماسية والقانونية كان يتحدث بطريقة صحيحة، وهي أننا ليس لدينا معاهدة تحالف مع مصر".
كما يقابل التيارات التي تدعم باتجاه تبني دبلوماسية الإكراه، تيارات أخرى يبدو أنها لا تزال هي المؤثرة حتى الآن، والتي تفضل تبني دبلوماسية الترغيب Appeasement Diplomacy، وهذا ما تعبر عنه نانسي بيلوسي زعيمة الأقلية في الكونجرس، حيث اعتبرت أن النجاح الاقتصادي مهم لاستقرار الدولة وهو ما تبرز أهميته في استقرار الإقليم والعالم والسلام العالمي. ويرى هذا التيار أن القطع المفاجئ للتمويل قد يدفع حكومة مرسي الجديدة لقطع العلاقات مع الشركاء الغربيين لصالح قوى إقليمية أقل تسامحاً، وأن نجاح أو فشل مصر في التحول نحو الديمقراطية سيكون عامل محدد في مستقبل التغيير الذي تنشده الثورات العربية في الإقليم برمته.
ويقابل ذلك حرص جماعة الأخوان المسلمين في مصر على عدم توتر العلاقات الأمريكية مع مصر، خاصة وأن الدعم الذي تقدمه واشنطن للجماعة، وحرصها على نجاح تجربتها في الحكم في مصر، توفر لها قدر كبير من الشرعية الداخلية، فضلا عن الشرعية الإقليمية، فحتى الآن لم تتبن واشنطن موقفا رافضا لي من تحركات مرسي الخارجية، بما في ذلك مبادرته الخاصة بالرباعية الإقليمية حول سوريا.
ولكن هذا الحرص المتبادل، لا يعني ارتخاء العلاقات بين الجانبين، حيث من المتوقع أن تثور توترات وأزمات أخرى في الفترة المقبلة، وسيظل التحدي مرتبط بكيفية إدارتها.
|