
30-09-2012, 03:39 PM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
حدود ومآلات التغير في العلاقات المصرية الإسرائيلية
حدود ومآلات التغير في العلاقات المصرية الإسرائيلية
محمد عبد الله يونس
مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة
تشهد العلاقاتُ المصرية الإسرائيلية موجةً حادةً من الانحدار المضطرد قضت على الاستقرار النسبي لإحدى ركائز منظومة الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. إذ يمكن اعتبار الهجوم الذي استهدف وحدة عسكرية إسرائيلية قبالة العلامة 46 الحدودية في 21 سبتمبر الجاري بمثابة مؤشر جوهري على التحولات الهيكلية في ثوابت العلاقات المصرية الإسرائيلية
في ظل تصاعد وتيرة التوترات خلال الفترة الممتدة بداية من انهيار نظام مبارك وانتهاء بتصفية دور المجلس العسكري، وانفراد الرئيس مرسي بصلاحيات إدارة الدولة حتى انتهاء المرحلة الانتقالية، بما يُثير تساؤلات مهمة حول حدود ومآلات التغير الراهن في العلاقات المصرية الإسرائيلية.
أزمات متصاعدة
لم يكن الهجومُ على القوات الإسرائيلية الذي تبنته جماعة أنصار بيت المقدس، وأسفر عن مقتل ضابط إسرائيلي وثلاثة من منفذي الهجوم، تطورًا مفاجئًا في وتيرة الأوضاع الأمنية المتردية على الحدود المصرية الإسرائيلية؛ إذ يُعتبر أحد مظاهر انسحاب الدولة المصرية من الأطراف تحت وطأة أزمات الداخل المتصاعدة، بما أدى إلى تطور نوعي في قدرات التنظيمات المسلحة على الحدود المصرية الإسرائيلية كان أبرز مؤشراته:
- الهجوم على مديرية أمن شمال سيناء ونقاط مراقبة أمنية في 16 سبتمبر باستخدام أسلحة ثقيلة نوعية، على الرغم من تأكيدات المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة استمرار العملية نسر، وتمكنها من قتل 33 من العناصر المسلحة، وتدمير 31 نفقًا حدوديًّا ردًّا على هجوم التنظيمات الإرهابية في 5 أغسطس على قوات حرس الحدود المصرية في رفح قرب معبر كرم أبو سالم، وراح ضحيته 16 مجندا من عناصر القوات المسلحة.
- اقتحامُ عناصر مسلحة لمقر قوات حفظ السلام في طريق الجورة في شمال سيناء في 14 سبتمبر احتجاجًا على الفيلم المسيء للرسول، بما أسفر عن إصابة 3 جنود من كولومبيا، وإحراق عدة مركبات، والاستيلاء على معدات وأسلحة من الموقع.
- تفجيرات خط الغاز الواصل لإسرائيل والأردن التي وصل عددها حوالي 15 تفجيرًا منذ بداية الثورة المصرية حتى 22 يوليو الماضي، وتكرار إطلاق الصواريخ من سيناء على أهداف داخل الحدود الإسرائيلية التي كان أبرزها في 17 يونيو و4 إبريل 2012.
- يرتبط هذا التصاعد في التوترات الأمنية الحدودية باتساع الهوة الفاصلة بين مصر وإسرائيل لا سيما منذ تفجر الاحتجاجات الشعبية، واقتحام المتظاهرين للسفارة الإسرائيلية عقب قتل القوات الإسرائيلية لخمس مجندين من قوات حرس الحدود المصرية، ثم الأزمةُ الثانية في العلاقات بإعلان مصر إنهاء تصدير الغاز لإسرائيل في إبريل 2012 كأحد مؤشرات التراجع في مسار التطبيع المصري الإسرائيلي.
مؤشرات التراجع:
تشهدُ العلاقاتُ المصريةُ الإسرائيلية انفصالًا غير مسبوق بين استمرار التنسيق الأمني والعسكري الوثيق والتباعد السياسي والاقتصادي المتصاعد بين الدولتين لا سيما منذ انتهاء الدور السياسي للمجلس العسكري الذي كان يعتبر أحد عناصر التوازن في منظومة التفاعلات بين الدولتين، وفي هذا الإطار تكشف مؤشرات عديدة عن موجة جديدة من التراجع في العلاقات المصرية الإسرائيلية تشمل:
- الضغوط الإسرائيلية على مصر لسحب الدبابات والأسلحة الثقيلة من المنطقة الحدودية، والالتزام بمقتضيات اتفاقية السلام، على الرغم من الدعم المبدئي الذي أبدته إسرائيل للعملية نسر للقضاء على التنظيمات المسلحة في سيناء، تعبيرًا عن المخاوف مما يصفه المحلل الإسرائيلي أليكس فيشمان "ضبابية مستقبل العلاقات بين الدولتين" في عهد الرئيس مرسي.
- القلق الإسرائيلي المتصاعد من تراجع التنسيق السياسي مع مصر الذي عبر عنه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في 16 سبتمبر بتأكيده انقطاع الاتصالات السياسية مع مصر منذ تولي الرئيس مرسي لمنصبه، وأن الأخير "لا يرغب حتى في النطق بكلمة إسرائيل" تعبيرًا عن عدم قبول العلاقات على الرغم من التنسيق العسكري الوثيق.
- اعتبار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك "الإرهاب في سيناء الخطر الحقيقي على أمن إسرائيل" وهو ما انعكس في تسريبات إسرائيلية لدراسة عن القيام بعمليات عسكرية استباقية لتحييد التهديدات الإرهابية في سيناء، وتأكيدات الجنرال تسفي فوجل نشر كتيبة ****ال الإضافية على الحدود مع مصر، إضافة إلى التدابير الأمنية الأخرى التي شملت نشر كتيبة استطلاع موجهة على الحدود، إضافة إلى عمل وحدة "ريمون" لمكافحة الإرهاب، والتي تعمل في المنطقة الجبلية المعقدة، وإعادة وحدة المستعربين على الحدود، واستكمال الجدار الفاصل على الحدود، ونشر بطاريات صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية في يونيو الماضي.
- نشر وزارة الدفاع الإسرائيلية للخطة "عوز" في 24 أغسطس التي تتحسب لاحتمالات مواجهة عسكرية مع مصر بتأهيل القوات على اعتبار مصر جبهة مواجهات عسكرية، والاستعداد لنشر زوارق الصواريخ الجديدة ساعر-5 في البحر الأحمر لاستهداف قناة السويس، وتطوير منظومات التسلح، وزيادة الإنفاق العسكري.
- تراجع التطبيع الاقتصادي بقرار شركة الخطوط الجوية الإسرائيلية "العال" إيقاف رحلاتها من القاهرة لأول مرة منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 بسبب تراجع حاد في معدل الانتقال بين الدولتين، بالإضافة إلى ما كشف عنه تقرير المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء من تراجع الصادرات الإسرائيلية لمصر بنسبة 73% خلال شهر يوليو الماضي، كما انخفضت الواردات المصرية لإسرائيل خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 70% بحيث لم تتجاوز 44.6 مليون دولار.
- تصاعد وتيرة سياسة شد الأطراف الإسرائيلية لتطويق الدور المصري في إفريقيا، وهو ما يستدل عليه بجولة أفيجدور ليبرمان في دول منابع النيل في 2 سبتمبر الجاري، وخاصة إثيوبيا وكينيا وأوغندا لتعزيز التعاون في مجالات الزراعة والمياه، وتوقيع اتفاقية بين إسرائيل وجنوب السودان في يوليو الماضي للتعاون في مجال البنية التحية والري بمبادرة من وزير البنية التحتية الإسرائيلي عوزي لانداو.
تفجر القضايا الخلافية:
لم يقتصر التراجع في العلاقات على مؤشرات التوترات الآنية، وإنما تضمن إثارة مختلف القضايا الخلافية في العلاقات المصرية الإسرائيلية في الوقت ذاته، تعبيرًا عن مراجعة شاملة لركائز السلام
المصري الإسرائيلي، بحيث امتدت إلى ما يلي:
1- مراجعةُ اتفاقية السلام: تصاعد السجال بين مستشار الرئيس مرسي محمد عصمت سيف الدولة الذي أكد ضرورة تعديل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لا سيما الملحق الأمني الذي يضع قيودًا على انتشار القوات المصرية في المنطقتين "ب" و"ج" من سيناء انطلاقًا من مقتضيات السيادة المصرية، وانفرادها بتحديد شئون أمنها، ووزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان الذي أكد عدم وجود أدنى احتمالية لتعديل اتفاقية كامب ديفيد، وإشارته "مشكلة مصر الأمنية في سيناء لا تعود إلى حجم قواتها؛ بل إلى عزيمتها على محاربة العناصر الإرهابية".
وتأكد رد الفعل الإسرائيلي بتصريحات عاموس جلعاد، رئيس القسم الأمني والسياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية؛ بأن معاهدة السلام مع مصر لن يتم تعديلها إلا بالتوافق بين الطرفين. في المقابل دعا عضو الكنيست "روني بار أون" لبحث إمكانية تعديل الملحق الأمني لاتفاقية السلام مع مصر استغلالا لمكاسب التفاوض مع الحكومة الجديدة في مصر، واقتناص اعتراف جماعة الإخوان المسلمين
بإسرائيل.
2- أمن الحدود: أدى تصاعد تهديدات الجماعات المسلحة في سيناء لإثارة الضغوط الإسرائيلية على مصر لاستعادة ضبط الحدود في إطار الالتزام باتفاقية السلام في ظل اتهامات إسرائيلية لمصر بتعمد تراخي الإجراءات الأمنية لاعتبارات سياسية في إطار العلاقات الوثيقة بين الإخوان المسلمين وحركة حماس والضغوط المصرية لإجبار إسرائيل لتعديل اتفاقية كامب ديفيد، بما أدى لتحويل سيناء لبؤرة تهديدات أمنية على حد تعبير إيهود باراك.
وفي السياق ذاته؛ أثار طرح مصر مزايدة عالمية للبحث عن الغاز والبترول في المياه الإقليمية الاقتصادية مخاوف جديدة من احتكاكات مع أنشطة الاستكشاف الإسرائيلية في المناطق الحدودية بما يصعد الجدل حول ترسيم الحدود المائية بين الدولتين.
3- تعديل اتفاقية الكويز: استمرارًا لمراجعة العلاقات أكد حاتم صالح وزير الصناعة والتجارة المصري في 24 سبتمبر أن الحكومة المصرية أعادت التفاوض حول تخفيض المكون الإسرائيلي من 11% إلى 8% ضمن المنتجات في إطار اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز) وهو المطلب الذي لم يتحدد مصيره بعد انتظارًا للموقف الإسرائيلي والأمريكي.
4- التوازن العسكري: تصاعد القلق الإسرائيلي من واردات الأسلحة المصرية لا سيما استيراد مصر لغواصتين من طراز 209 من ألمانيا، وفشل حملة الضغوط الدبلوماسية على الحكومة الألمانية لعدم المصادقة على الصفقة تحت ذريعة الأوضاع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على الرغم من امتلاك إسرائيل غواصات من طراز دولفين الأكثر تطورا. في المقابل ضغطت مصر لفرض إجراءات السلامة النووية على المنشآت الإسرائيلية خلال مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 18 سبتمبر، وأعادت طرح مبادرتها لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وتلازم ذلك مع مخاوف إسرائيلية عبر عنها شاؤول يشاي نائب رئيس مركز الأمن القومي الإسرائيلي السابق من اتجاه مصر لإحياء برنامج نووي عسكري اتساقًا مع المواقف المعلنة لقيادات وكوادر جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس مرسي.
5- القضية الفلسطينية: يمثل ربط الرئيس المصري بين استمرار اتفاقية كامب ديفيد وإقامة الدولة الفلسطينية في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز يوم 23 سبتمبر تحولًا جديدًا في ثوابت السياسة الخارجية المصرية؛ إذ إن تأكيد مرسي على أن احترام اتفاقية السلام يتوقف على تطبيق نصوصها الخاصة بمنح الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني يرتبط بالتغير في الموقف المصري حيال الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وفك الحصار المفروض عليه في إطار العلاقات الصاعدة بين مصر وحركة حماس التي تعتبرها تهديدًا لأمنها.
مستقبل غامض
على الرغم من تأكيدات مصر وإسرائيل على حيوية استمرار اتفاقية السلام بين الدولتين؛ إلا أن التراجع المضطرد للعلاقات وتآكل ركائزها المستقرة يجعل السلام الهش بين مصر وإسرائيل رهنًا
بمحددات عديدة، أهمها:
1- مدى التحولات السياسية في مصر والتوظيف الانتخابي لدعوات مراجعة العلاقات المصرية الإسرائيلية وتقليصها لأدنى المستويات في ظل تحكم الشارع في مواقف القوى السياسية قبيل انتخابات برلمانية فاصلة.
2- نطاق التحولات في السياسة الخارجية المصرية واحتمالات تغير مسار العلاقات مع الأطراف الإقليمية المعادية لإسرائيل، لا سيما إيران، والتوترات الآنية في العلاقات المصرية الأمريكية.
3- استعادة مصر السيطرة الأمنية في سيناء في إطار تصاعد التفاهمات بين الطرفين حول انتشار القوات المسلحة المصرية وفق قواعد جديدة تحقق التوازن بين مقتضيات الأمن للدولتين.
4- تغير توجهات الرأي العام في الدولتين لتبني مواقف أكثر إيجابية حيال اتفاقية السلام: حيث كشف استطلاع رأي للمعهد القومي الإسرائيلي في يونيو الماضي أن 42% من الجمهور الإسرائيلي يؤكدون أن اتفاقية السلام مع مصر ستتعرض لتفريغها من مضمونها، وفي المقابل كشف استطلاع مركز جالوب لاستطلاعات الرأي في 24 سبتمبر عن أن 42% من الجمهور المصري يرفض استمرار اتفاقية السلام مع إسرائيل في مقابل 48% يقبلون استمرار السلام دون تطبيع للعلاقات.
5- إمكانيةُ تجاوز الجمود في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية في ظل سياسة الاستيطان المتصاعدة، والمواقف الحدية لليمين الإسرائيلي المسيطرة على الائتلاف الحاكم في إسرائيل.
وإجمالا فإن العلاقات المصرية الإسرائيلية لن تعود إلى سابق عهدها قبيل سقوط نظام مبارك، ومن المرجح أن تشهد مزيدًا من التراجع والجمود مع تصاعد مزيدٍ من القضايا الخلافية، واستمرار التعنت الإسرائيلي الذي يعوق تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يدفع الساسة للاستجابة لضغوط الرأي العام، وتقليص العلاقات لأدنى مستوياتها دون المساس بركائز السلام بين مصر وإسرائيل.
|