فى تشريح ساحة الإسلام السياسى (2)
عمرو حمزاوي
بجانب الدور السياسى والجماهيرى الخطير لمجموعات التنظيميين والمحرضين وشيوخ الفضائيات داخل ساحة الإسلام السياسى، ثمة إشكاليات كبرى أخرى تعانى منها الجماعات والأحزاب المنتمية للساحة هذه، وتعانى منها مصر بالتبعية.
تتمثل الإشكالية الأولى فى كون الجماعات كالإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وغيرهما لم تؤسس لا كهيئات أهلية تعمل لصالح المجتمع فى مجالات بعينها ولا كأحزاب سياسية هدفها المنافسة فى الانتخابات والوصول للحكم، بل أسست لإحداث تغيير شامل فى المجتمع والسياسة، ونظر أعضاؤها دوما لها باعتبارها تقدم بديلا عقائديا للدولة القائمة وللمجتمع بكياناته المختلفة.
ولم يقف بعضها عند حدود العمل السلمى لتغيير الدولة والمجتمع، بل وظف فى مراحل محددة العنف أو واجه عنف أمن النظم السابقة بعنف مضاد.
جوهر الإشكالية الأولى هذه هو الطرح الشمولى لجماعات الإسلام السياسى الذى يدفعها من جهة للتدخل فى كل مناحى حياتنا والخلط بينها، الدعوى والتربوى والخيرى والتنموى والسياسى. ومن جهة أخرى، يرتب الطرح الشمولى
نزوعا للاستعلاء على الشركاء فى المجتمع وقناعة دائمة بكون الجماعة على حق (كثيرا ما كنت أتعجب من عبارات من شاكلة الجماعة لا يمكن أن تكون على خطأ، ونحن أدرى بمصر، عندما كان زملاء بمجلس الشعب السابق عن حزب الحرية والعدالة أو عن أحزاب الإسلام السياسى الأخرى يرددونها).
إشكالية ثانية ذات صلة بممارسة العمل السياسى فى ظل غياب الفصل بينه وبين العمل الدعوى والمجتمعى بصورة عامة، وترتبط بغياب التخصص عن ممارسى السياسة داخل ساحة الإسلام السياسى؛ الإخوان، شأنهم هنا شأن الجماعات والأحزاب السلفية والجماعة الإسلامية، يجيدون المنافسة فى الانتخابات والحشد المنظم لها، ولا خلاف على قدراتهم التنظيمية العالية التى تمكنهم من التواصل المستمر مع الجماهير، إلا أن العمل السياسى، خاصة عندما يكون من مواقع الأغلبية البرلمانية أو من موقع رأس السلطة التنفيذية، يستدعى قدرات خاصة يأتى بها المتخصص فى التشريع والقانون والتعليم والاقتصاد والعمل التنفيذى والإدارة المحلية والسياسة الخارجية. ومثل هذه القدرات تطورها وتجتذبها عادة الأحزاب وتدفع بأصحابها لواجهة العمل العام والسياسى.
بعض هذه الكفاءات والقدرات متوفر داخل الإسلام السياسى، إلا أن التركيبة العقائدية للجماعات وأحزابها تهمش هؤلاء دوما وتعطى مساحات الحركة والنفوذ الحقيقية إما للتنظيميين أو للمحرضين السياسيين، وقد أشرت إلى خطورة المجموعتين بالأمس.
تعرفت خلال فترة عمل مجلس الشعب على كفاءات محترمة بين أعضاء حزب الحرية والعدالة، خاصة من القانونيين وبعض الاقتصاديين والمختصين بملف الصحة، وكان العمل المشترك معهم (بشأن قانون الجمعيات الأهلية مثلا) شديد الإثمار (حتى وإن لم يقر المجلس قانون الجمعيات فى نهاية الأمر لضيق الوقت). إلا أن مثل هذه الكفاءات القانونية والاقتصادية وصوت العقل والمرونة وقبول التعددية الذى تنتجه، تهمش داخل جماعات وأحزاب الإسلام السياسى لصالح التنظيميين والمحرضين.
أكرر مجددا لن ينصلح حال الإسلام السياسى إلا بالابتعاد عن الطرح الشمولى والعقائدى، واعتماد التخصص فى العمل السياسى والحزبى. المدخل هو الفصل بين الجماعات والأحزاب، بين الدعوة والسياسة، ومن ثم إعطاء فرص حقيقية للكفاءات المتخصصة داخل ساحة الإسلام السياسى للترقى وللتأثير على الأحزاب والمباعدة بينها وبين نفوذ التنظيميين والمحرضين وتأثير شيوخ التطرف والفتاوى الكارثية.