
04-10-2012, 12:36 PM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
مَن سرق ملف قضية حل جماعة الإخوان؟
ثروت الخرباوى
 تعودتُ منذ فترة على الطرق بقوة على أبواب الرأى العام، وأصبح من عادتى أن أستمر فى ضرب جرس الإنذار، فالناس يألفون ما شبَّوا عليه ويستمرئون ما وجدوا عليه آباءهم، ومنذ سنوات وقيادات جماعة الإخوان تكذب بشأن «شرعية جمعيتهم» ومن فرط الاستمرار فى الكذب تعوَّد الناس على أقوالهم فأصبحت وكأنها حقيقة، وأصبح من يخرج على الناس بقول آخر وكأنه يخالف النواميس الكونية، نعم جماعة الإخوان تكذب وتسرق وترتكب الموبقات، شأنها شأن أى جماعة بشرية فى التاريخ.
شخص من الإخوان قال إن منتقدى الإخوان يكذبون، فقلت سبحان الله رمتنى بدائها وانسلت، الكذاب هو من قال إننا لن نرشح أحدًا لرئاسة الجمهورية ثم رشح، الكذاب هو من قال إن هناك مشروعًا للنهضة أعده الإخوان وسهر عليه ألف عالم واستغلوا هذا الأمر فى الدعاية لمرشحهم، ثم إذا بكبيرهم يقول بعد ذلك إنه لا يوجد مشروع للنهضة، وإن الإعلام فهم الأمر خطأ! الكذاب هو من قال إن الإخوان أعدوا للثورة قبلها بخمس سنوات فى حين أنهم كانوا يجلسون مع أعوان مبارك ويعقدون معهم صفقات، الكذاب هو من قال إن الإخوان شاركوا فى الثورة منذ اللحظة الأولى وهو من قال من أول يوم فى الثورة إن الإخوان لن يشاركوا فيها لأنهم لا يعرفون مَن الذى دعا إليها، الكذاب هو من قال إنه تعرض لمحاولة اغتيال وتسبب فى القبض على أبرياء، وكان كل ما حدث له حادثة سير عادية، وملف الكذب لا تنفد عجائبه.
كنا نسمع فى الماضى، وما زلنا، أن جماعة الإخوان أقامت دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى فى أواخر السبعينيات بطلب إلغاء قرار حل الجماعة، وقالوا إن الحكومة عجزت عجزًا مريبًا على تقديم قرار الحل، ثم استمروا فى قولهم بأن المحكمة، وقد وجدت أنه لا يوجد قرار حل للجماعة من الأصل، لذلك أصدرت حكمًا بعدم قبول دعوى إلغاء الحل، لأنه لا يوجد قرار، ثم يأخذ الأخ الذى يسرد لك هذه القصة فى حكايته الطريفة، وهو يمصمص شفتيه ويقول: كيف ستلغى المحكمة يا أخى الفاضل قرارًا لم يصدر؟! جماعة الإخوان شرعية، ومن حقها ممارسة أنشطتها، وليس لك بعد ذلك إلا أن تصخب على تلك الحكومات التى سلبت الشرعية من الإخوان.
وفى كل مرة كنت أسمع فيها هذه العبارات الدرامية كنت أواجه صاحبها بالحقيقة، فيسكت ولا يحير جوابًا، فقد تمت برمجته على أقوال أخرى، فإذا وُوجه بأقوال وحقائق مختلفة وقع منه «السيستم» وأصابه «التهنيج» إلى أن يتم وضع برنامج آخر له، وأذكر أننى تحاورت فى أحد اللقاءات مع أخ من الإخوة من نفس برنامج «إخوان ويندوز»، وقتها قال لى وفقًا للسيستم الخاص به: الجماعة حصلت على شرعية «الشارع»، وبالتالى لا يهمها فى كثير أو قليل شرعية القانون! وإذ ذاك قلت له حنانيك يا أخ (فإن شرعية الشارع لا يمكن أن تسير فى مسار يختلف عن مسار القانون! وإذا كان الفقه الحضارى الدستورى قد ذهب إلى أن القانون يظل حاملا شرعيته حتى يسقطه قانون لاحق أو حكم بعدم الدستورية، فإن الزج بالشارع المصرى فى هذا الصدد يعد من باب التخليط والتعتيم، وليس أدل على ذلك من أنه حينما أثير فى الآونة الأخيرة مفارقة بين «شرعية البرلمان» و«شرعية التحرير» ذهب رؤساء جمعية الإخوان المسلمين إلى أن شرعية الشارع والثورة والتحرير انتقلت إلى البرلمان يُعبر عنها كيفما يشاء). المهم أن آخر مرة سمعت فيها عبارة أن الجماعة شرعية ولم يصدر قرار بحلها، كان منذ يومين عندما أخذ الأخ حسن البرنس فى إحدى القنوات الفضائية فى ترديد نفس الكلام، إلا أنه أضاف جديدًا حينما قال: إننا ننتظر القانون الذى يستوعب أغراض الجماعة كى نوفق أوضاعنا بالنسبة إليه، ورغم أن الأخ البرنس من قدرة البرنامج الخاص به «استفزاز الناس» فإننى لم أُستفز لأننى أعرف وأفهم طبيعة السيستم الخاص به وأدرك تمام الإدراك دواعى «نسخ» مثل هذه الشخصية، ولأننى أعرف أن ترديد عبارات النسخة «حسن البرنس» هو جعل الرأى العام مهيئًا لها، مستوعبًا منطقها «اللا منطقى»، ففى عهد الإخوان يجب أن يصبح اللا منطقى منطقيًّا، والكذاب صادقا، والصادق كذابًا أشر، والحقيقة سراب، دعك من أنه من العار أن يقول أحد الإخوان فى عباراته: إن الإخوان يريدون قانونًا للجمعيات يخضع لهم، يعنى قانونًا على المقاس، يتم تفصيله خصيصًا لهم كما كان يحدث فى عهد مبارك، لكن الكارثة أن يظل الإخوان على كذبهم بشأن أن محكمة القضاء الإدارى أصدرت لمصلحتهم حكمًا يفيد أنه لا يوجد قرار حل للجماعة.
والحقيقة التى يتم التعمية عليها هى أن الحكم الذى صدر من محكمة القضاء الإدارى عام 1992 قال غير ذلك، لكن الجماعة اعتمدت على أن الناس فى بلادنا لا تقرأ، فأخذت تكذب ثم صدقت كذبتها، الحكم قال فى حيثياته إن ثمة قرارين صدرا بحل جماعة الإخوان، وأن القرارين صحيحان ولا يجوز المساس بهما، وقد عبرا عن إرادة المشرع، وأضاف الحكم أن القرارين تم تحصينهما بالمادة 191 من دستور 1956، وبالتالى لا يجوز لأى جهة أن تقوم بإلغائهما.
ولأننى كنت أحد المحامين الذين حضروا الفاعليات القانونية لهذه القضية فقد أتيحت لى الفرصة أن تكون لدىّ الأحكام وصور المذكرات وصحيفة الدعوى، ولأن الأستاذ حامد أبو النصر المرشد الأسبق، قد أقام طعنًا على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، فقد انتظرت وانتظر الناس حكم الإدارية العليا، لكن حكم الإدارية العليا تأخر أكثر من اللازم، ليس سنة أو خمسًا أو عشرًا، ولكن أكثر من عشرين عامًا والحكم لم يصدر، فما كان منى إلا أن أرسلت إلى مجلس الدولة بعد الثورة أسأل عن مصير الحكم فإذا بى أجد مفاجأة مذهلة، الملف ضائع، ملف الدعوى بأكمله لا وجود له فى مجلس الدولة، وآخر تصرف تم فى الطعن هو إحالته إلى «قلم الحفظ» دون أن يصدر فيه حكم، كان الطعن فى هيئة المفوضين للمحكمة الإدارية العليا ولم تكن هذه الهيئة قد وضعت تقريرها، فإذا بأحد المستشارين! يقوم بالتأشير على الملف فى شهر يوليو 1992 بإرساله إلى قلم الحفظ لمجلس الدولة بشارع رضوان بن الطبيب، وأفادنى الموظف الموجود بقلم الحفظ أنه تم تعيينه فى قلم الحفظ بعد تاريخ ورود الملف للحفظ، وأن الموظف القديم قد توفاه الله، وأنه منذ أن تم تعيينه فى قلم الحفظ وهذا الملف «غير موجود» فذهبت إلى هيئة المفوضين فأفادنى الموظف المختص بأن هذا الملف خرج من عندهم فى شهر يوليو 1992 ولم يعد بعد ذلك! السارق مجهول لنا، لكنه معروف للتاريخ، هذه قضية لا تَخفَى دقائقها، فالسارق هو المستفيد، ابحث عن المستفيد تعرف مَن سرق ملف قضيتهم التى استلزم الحكم فيها حل الجماعة، ولأن السارق المجهول معروف فقد تقدم المحاميان شوقى عيد وإيهاب سعيد ببلاغ إلى رئيس مجلس الدولة، إبراءً لذمتنا أمام التاريخ، يطلبان فيه التحقيق فى واقعة سرقة ملف الدعوى، لكن أحدًا لم يحقق، وأحدًا لم يبحث رغم المناشدات والتوسلات، وستظل النسخة «البرنس» وأخواتها فى ترديد «جماعة الإخوان جماعة شرعية، ولم يصدر قرار بحلها، وحكم القضاء الإدارى قال إنه لا يوجد قرار بالحل»! وأتمنى من الله أن يتم تعديل سيستم الأخ البرنس بعد نشر هذا المقال.
|