قفزتهم .. وقفزتنا
فضيلة سويسي
بالتأكيد وأنتم تتابعون أحداث العالم العربي منذ نحو سنتين استوقفتكم كثرة استعمال التصنيفات التي قسّمت عالمنا العربي إلى ما يسمى بالإسلاميين والعلمانيين أو الليبراليين.
أيام جدي وجدكم كان الناس جميعا عباد الله ولم تكن قضية مصيرية أن ينتمي أي شخص منهم لتيار بعينه بقدر انتمائه لوطنه، وكانت العقيدة مسألة شخصية جدا بين الرب وعبده، فلا جدي ولا رفاقه إضطروا ليبرروا لأحد أنهم يتبعون الإسلام دينا أو يثبتوا لأحد أنهم مسلمون أكثر من غيرهم، وعلى الرغم من أنهم يواظبون على الصلاة منذ نحو سبعين عاما فإنني أستغرب من خلو جباههم من الزبائب ولا أعتقد أن صلاتهم كانت تخلو من السجود والخشوع.
اليوم شاءت أقدار ما يسمى بالربيع العربي أن يُصنَف المسلمون وأدوات التصنيف جاهزة ومعلبة وتنحصر بين: كيف يبدو مظهرك الخارجي؟ ومن تنتخب؟ فلا تستبعد وأنت تشاهد برنامجا على فضائية ما أن تسمع أحدهم وهو يقول في معرض شتمه لأحد ما "هذا علماني أو يا فلان أنت ليبرالي" وكأنها مفردات مرادفة للكفر والإلحاد، لمجرد إبداء رأي في قضية كانتقاد أداء مرسي في المائة يوم الأولى أو انتقاد حركة النهضة التونسية.
لو يعرف هؤلاء أن مبادئ الليبرالية هي التي أوصلت ما يسمى بالإسلاميين في مصر وتونس وليبيا إلى سدة الحكم؟ هل سيتخلون عندها عن المكاسب التي حققتها لهم الانتخابات وهي بدعة من وجهة نظرهم؟. فمن خصائص الليبرالية الإيمان بالديمقراطية والتعددية والمساوة وتداول السلطة والتسامح وحقوق الإنسان وحرية المعتقد.
ولكن في زمن الانتهازية السياسية أصبحت العلمانية أو الليبرالية عدوا على الرغم من أنها هي التي تحفظ حق أكثر من ستة ملايين مسلم في فرنسا في ممارسة شعائرهم وبناء مساجدهم دون قمع حتى وصل عدد المساجد إلى نحو ألفين ومع ذلك تجد دولا إسلامية لم تحفظ لغير المسلمين الحق في ممارسة شعائرهم بحرية.
إن الاستسهال والتسليم بهذه التصنيفات قد يفتح الباب لأشخاص في زمن قادم الادعاء بأنهم أكثر إسلاما ممن يسمون أنفسهم اليوم إسلاميين، حينها كيف سيكون الموقف يا ترى وأي تسميات سنعتمد؟
أخشى أن يقف التاريخ يوما ضاحكا ملء شدقيه والعرب يفرغون طاقاتهم في صراع وهمي، كما ضحك الزمان ومازال على دون كيخوتي دي لامنتشا وهو يصارع طواحين الهواء متوهما.
أخشى أن يقذفنا التاريخ إلى الهامش ونحن نقفز في الفراغ بعد ربيعٍ لا أقحوان فيه ولا فراشات، في الوقت الذي قفز فيه فيليكس بومغارتنر من حافة الفضاء ليصبح أول مغامر يخرق جدار الصوت لجمع معلومات تفيد الإنسانية.
أحيانا يجب الصعود عاليا جدا لنعرف كم نحن صغار" تلك كانت كلمة بومغارتنر حين حط على الأرض, فهل من متعظ؟