مواعيد ضائعة
وان من الوفاء مع الناس: الوفاء في المواعيد، ولنا بلا استثناء عندنا مشاكل في المواعيد، الا من رحمه الله.. انظر الى النبي صلى الله عليه وسلم.. يقول عبدالله بن أبي الحمساء: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يبعث ( أي قبل الاسلام) بيعة وبقي عليّ بقية.. فواعدته في المكان الذي هو فيه أن آتيه بها، ثم نسيت وتذكرت بعد ثلاثة أيام.. فعدت فوجدته في مكانه صلى الله عليه وسلم فنظر الي فقال:" يا فتى لقد شفقت عليّ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك" رواه أبو داود 4996 والطبراني في المعجم الكبير 3\224.
انه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيبنا.. فهيا انهلوا من ميراثه صلى الله عليه وسلم واعلموا أن أحق الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم من اقتدى به.. فهل الأب الذي يعد أبناءه بـ (..) ثم لا يف، هل اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ أراك أيها الأب الحبيب تقول: ولكن هناك أعذار.. هناك ظروف..
أيها الأب الحبيب.. لقد قلنا منذ قليل: أنت ترمومتر نفسك!! بالله عليك اياك أن تعد أبناءك وعدا لا تف به، واعلم أن الطفل لو تكرر له العذر صار كذبة!!!
يا الله.. أرى بعضكم يقول: انا كنا نظن أننا أوفياء بالمواعيد! فاننا نعتذر ان تأخرنا أو تخلفنا عن الموعد.
وعند انتظارنا لأحد وتأخر علينا، نسمح له بربع ساعة أو نصف وأحيانا ياعة، بعدها نترك المكان، ونحن في سدة الغضب.. ولكننا بعد هذه الجملة:" أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك" فاننا ما زلنا نحبو..
انه شعور جميل وأبشروا.. فمن كان بخير اليوم فغدا يصير رجلا.
رابعا: الوفاء مع من أحسن اليك
هل تتذكر الذين أحسنوا اليك في حياتك؟ أنا جئت يوما ثم حصرتهم حتى توفي اليهم حقهم؟ ان لم تكن قد فعلت هذا، فابدأ منذ اللحظة، فرسول الله كان وفيا للكافر فما بالك بالمسلم! واليك هذه القصة العجيبة الفريدة لترى وفاء النبي بعد عشرة سنوات حتى مع الكافر!!
في مكة حينما كان الايذاء شديدا من الكفار على المسلمين.. كان هناك رجل اسمه: أبو البختري بن هشام (كافر) وكان من سادة الكفار، ولكنه وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم نقض الصحيفة وقفة مشرقة، ودافع عن المسلمين رغم كفره وعدم اسلامه.. ومرت الأيام وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة، ومرّ على هذا الموقف عشر سنوات، ولكن النبي وفيّ لا ينسى من أحسن اليه، وجاءت غزوة بدر واذا بالنبي صلى الله عليه وسلم ينادي في أصحابه قائلا:
" من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، فانه كان له معنا بمكة كذا وكذا.."
وفي أثناء الغزوة يجد أحد الصحابة فجأة أمامه أبا الختري بن هشام، فالطبيعي أن يقتله الصحابي، فلقد كان كافرا ويحارب المسلمين، ولكن المسلمين أوفياء.. فتركه الصحابي، وقاتل رجلا بجواره، فتعجب أبا البختري وقال له: لم تركتني؟ قال له: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نقالك، فقال له: ولم؟ قال الصحابي: وفاء لك لما فعلته معنا يوم الصحيفة.. فقال أبو البختري: افرأيت ان قلت لك: واترك هذا، فقال الصحابي: لا، انما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتركك أنت وحدك، فقال له أبو البختري : فسأقتلك أنا، فقال الصحابي: اذن أتركك، فجرى أبو البختري وراء الصحابي ليقتله وأوشك على اللحاق به وكاد أن يقتله، فالتفت اليه الصحابي فقتله، ثم عاد يرتجف ويقول: والله يا رسول الله لولا أنه كان سيقتلني ما قتلته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" عفا الله عنك" رواه القرطبي في تفسيره 8\49.
قراءتك الأولى لهذه القصة كانت عادية، وكان همك أن تعرف نهايتها، واني أدعوك الآن لقراءتها مرة أخرى، واجعل همك الاغتراف من معين الوفاء المتمثل فيها.
ان الاعتراف بالجميل والوفاء به لا ينسى ولو بعد عشرات السنين.. ان وفاء المسلمين وفاء، فرسول الله يفي بالموقف الذي فعله أبو البختري وهو كافر.. أما يكفيك هذا!؟.
الوفاء مع معلمك
يقول الامام أحمد بن حنبل:" ما بت منذ ثلاثين سنة الا وأنا أستغفر للشافعي، وأدعوا له" انظر الى الوفاء الدائم. نعم انه وفاء قلوب حية لا تنسى أصحاب الفضل عليها.
وانظر الى تلميذ للامام أبي حنيفة يقول:" والله اني لأدعوا لأبي حنيفة قبل والدي في الصلاة". أي وفاء هذا..؟ قبل الوالدين!! وليس هذا بمستغرب فلقد تعلمه من أستاذه أبي حنيفة، فلقد قال:" ما مددت رجلي نحو دار أستاذي حماد وفاء له، وان بين بيتي وبيته لسبع سكك"!
يا الله.. حاول أن تتخيل هذا، واياك أن يأخذك تفكيرك للمسافة وتترك المهم.. ألا وهو الوفاء الذي يتمثل في هذا الاحترام.. أين الوفاء مع أستاذك؟ واجب عليك.
اذهب الى مدرستك الابتدائية وسلم على مدرّسيك واشكرهم على ما أنت صرت اليه، فهذا وفاؤك المتواضع جدا لهم، وكذلك مدرستك الاعدادية.. اذهب الى من أخذ بيدك الى الله.. من علمك حديثا.. من حفظك آية.. كن وفيا، واعلم أن الحر لا ينسى وداد لحظة.. هيا كن وفيا على قدر هذا الفهم.