
03-11-2012, 12:05 PM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
الإضرابات العمالية تجتاح جنوب إفريقيا
الإضرابات العمالية تجتاح جنوب إفريقيا
صلاح خليل في أسوأ أحداث عنف تشهدها دولة جنوب إفريقيا منذ نهاية نظام الفصل العنصري، و وصول أول حكومة منتخبة ديمقراطياً إلى الحكم عام 1994 ، أدت مواجهات بين قوات الأمن و عمال المناجم المضربين عن العمل للمطالبة بتحسين ظروف العمل وزيادة الأجور، إلى مصرع عدد من العمال و إصابة آخرين. وضعت هذه الأحداث النظام الاقتصادي و السياسي في جنوب إفريقيا في مأزق: فاستخدام العنف لإنهاء الإضرابات المتلاحقة يهدد شرعية النظام القائم، بينما الاستجابة لمطالب العمال تهدد ربحية قطاع التعدين الذي يشكل ركنا هاما من أركان اقتصاد جنوب إفريقيا.
شهدت مدينةُ راستنبيرغ في جنوب إفريقيا خلال شهر أغسطس 2012 ، أسوأ مجزرة إنسانية منذ انتهاء سياسة الفصل العنصري في البلاد؛ حيث اندلعت الاحتجاجات بين عمال منجم «مريكانا »، المملوك لشركة لونمين، واشتبك العمال المضربون عن العمل مع قوات مكافحة الشغب، فكان الرد بوابل كثيف من الطلقات من قوات الشرطة، أدت إلى مقتل 34 عاملا، وإصابة 78 آخرين بجراح. كما تم إلقاء القبض على 259 عاملا بتهم متفاوتة تنوعت بين إتلاف الممتلكات العامة، والتجمهر غير المصرح به، وحيازة الأسلحة. كانت هذه الأحداثُ بدايةً لموجة عاتية من الإضرابات العمالية التي اجتاحت جنوب إفريقيا، مثيرةً المخاوف من سقوطها في حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
امتدت الإضرابات أول الأمر إلى مناجم أخرى فى شركة «لونمين ؛» حيث طالب العمال بزيادة الرواتب إلى 1500 دولار، ثم إلى مناجم البلاتين المملوكة لشركات أخرى. وسرعان ما امتدت الإضرابات إلى قطاع تعدين الذهب؛ حيث بدأ حوالي 35 ألف عامل من شركة Anglo Gold Ashanti، التي تعتبر ثالث أكبر منتج للذهب في العالم من حيث حجم المبيعات؛ إضرابا في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر، تلته إضرابات في مناجم أخرى عديدة.
ورغم أن عمال منجم مريكانا قد توصلوا ، بعد ستة أسابيع من الإضراب، إلى تسوية اعتبروها مرضية، رفعت الشركة بمقتضاها رواتبهم؛ إلا أن العديد من الشركات اتجهت للتلويح بفصل العمال المضربين، وسط تحذيرات من التأثير السلبي لهذا الوضع على الاقتصاد. فقد فقدت عملةُ «الراند » أكثرَ من 2% من قيمتها، حتى نصف سبتمبر 2012 ، بسبب هذه الأحداث. كما أن هناك مخاوف من تراجع نسبة نمو الاقتصاد ككل نتيجة للانكماش الناتج عن هذه الإضرابات في قطاع التعدين، والذي يشكل حوالي 10 % من نسبة إجمالي الناتج القومي، ويوفر حوالي نصف موارد الدولة من العملات الأجنبية، وحوالي 500 ألف فرصة عمل. هذا ومن الجدير بالذكر أن اقتصاد جنوب إفريقيا يعاني أصلا من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، وانخفاض الطلب من أوروبا والصين على صادراته، وخاصة البلاتين. وتشير التقديرات إلى أن 50 % من مناجم البلاتين تعاني من خسائر نتيجة انخفاض الطلب، ومن الممكن أن تؤدي الإضرابات إلى المزيد من المشاكل في هذا القطاع الحيوي. من ناحيةٍ أخرى، أعلنت مؤسسة موودي في أواخر شهر سبتمبر عن تخفيضها للتصنيف الائتماني لجنوب إفريقيا على خلفية هذه الأحداث.
سوء الإدارة السياسية للأزمة:
كشفت أزمةُ منجم مريكانا عن «فراغ » على مستوى القيادة السياسية. فبعد صمت رسمي استمر أكثر من 12 ساعة؛ أكد «ناثي مثيثوا » وزير الشرطة مقتل 34 شخصًا على الأقل في العملية الأمنية عند المنجم الواقع على بعد 100 كيلومتر شمال غرب جوهانسبرج؛ حيث دافع «مثيثوا » بشدة عن موقف قوات الشرطة قائلا: «إن الضباط تعرضوا لإطلاق النار »، فيما اتهم عمال المناجم ورابطة عمال المناجم واتحاد البناء بتحريض العمال من أجل إثارة الرأي العام. كما بررت السلطاتُ استخدام الشرطة للقوة المفرطة نتيجة قيام بعض المحتجين بإطلاق عيارات نارية على قوات مكافحة الشغب، وهو ما دفع الشرطة إلى استخدام قواتها للغاز المسيل للدموع، ومدافع المياه لتفريق عمال المناجم.
من ناحيتها؛ انتقدت العديدُ من القوى السياسية ووسائل الإعلام تعامل الرئيس جاكوب زوما مع الكارثة، واتهمته بعدم تحمل مسئولياته تجاه المجزرة التي أودت بحياة 34 شخصا، وسوء التقدير الذي أدى إلى استخدام القوة في فض الاعتصام. وقد أدان «التحالف الديمقراطي » المعارض تلك المجزرة، وطالب بإجراء تحقيق شامل ومستقل مع المسئول عن استخدام القوة والقسوة المفرطة غير المبررة. كما ناشد التحالفُ المعارض الأطرافَ العمالية والشرطة نبذ العنف، ووقف تصعيد الصراع، وتجنب إراقة المزيد من الدماء بين أبناء الوطن، وطالب الجهات المعنية بتطبيق القانون والعدالة الانتقالية، بتقديم كل من يثبت تورطه في تلك المجزرة إلى المحاكة العادلة.
وقد أدت هذه الأحداث إلى زيادة حالة الانقسامات بحزب المؤتمر الإفريقي African National Congressالذي يحكم جنوب إفريقيا منذ أول انتخابات ديمقراطية أجريت بعد انتهاء نظام حكم الفصل العنصري عام 1994 . وقد يقلص ذلك من فرص الرئيس زوما في الفوز بالانتخابات القادمة على رئاسة الحزب، والتي ستُجرى أثناء انعقاد مؤتمره العام في نهاية ديسمبر 2012 . ومن المنتظر أن يناقش المؤتمر القضايا التي تتعلق بالأوضاع السياسية الداخلية والخارجية في جنوب إفريقيا، وعجز حزب المؤتمر الوطني عن احتواء غضب الشارع الجنوب إفريقي من تلك المجزرة.
من ناحية أخرى؛ استغل الزعيم السابق لرابطة الشباب داخل الحزب الحاكم جوليوس ماليما هذه الأحداث ليطرح نفسه بقوة على الساحة السياسية. فقد كان أول زعيم سياسي يزور العمال المضربين في موقع الأحداث، بينما التزم الرئيس زوما الصمت لأكثر من 24 ساعة. وقد طاف ماليما على العمال المضربين في جميع أنحاء البلاد، مطالبًا إياهم بمواصلة مواجهتهم مع الشركات المالكة للمناجم. كما رفع ماليما شعار «التأميم » كحل جذري لمشكلات قطاع التعدين. وهو الاتجاهُ الذي تعارضه حكومة الحزب الحاكم بشدة. والجدير بالذكر أن ماليما يواجه في الوقت الحالي محاكمة على خلفية اتهامات «بغسيل الأموال »، يعتبرها أنصاره سياسية في الأساس، وتهدف إلى منعه من مهاجمة الرئيس زوما، ومنافسته على رئاسة الحزب، وربما رئاسة الدولة.
و في محاولة لتدعيم موقفه السياسي و إرسال إشارة قوية للرأي العام والمعارضة في البلاد، قرر الرئيس الجنوب افريقى جاكوب زوما تشكيل لجنة تقصي حقائق بقيادة القاضي المتقاعد إيان جوردون فارلام الذي يحظى بتقدير كبير في جنوب إفريقيا مع مجموعة مرموقة من الخبراء للتحقيق في أحداث منجم مريكانا. ويسعى المحققون للتأكد من أن شركة لونمين قد استخدمت كل المساعي الحميدة لاحتواء الأزمة بالطرق السلمية قبل تفاقمها. كما سيبحثون في إذا كانت شركة لونمين تلتزم بمعايير السلامة المطلوبة لكل من العمال والممتلكات وبتهيئة بيئة عمل مناسبة للعمال، وكلها عوامل كان من الممكن إن تؤدى إلى خفض حدة التوتر والعنف بين الشركة والعمال. وما هى الأسباب التي أخرت الشركة في صدور بيانات مؤكدة وصريحة للرأى العام يكشف طبيعة الأزمة والتي تأخرت عن أسبوع بعد اندلاع الأحداث.
ومن ناحية أخرى، تسعى لجنة تقصى الحقائق للكشف عن الأسباب التي أدت إلى استخدام الشرطة القوة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين بدلا من استخدام الطرق السلمية، كما تسعى اللجنة لتقييم دور الحكومة في التعامل مع الأزمة خصوصا بعد الانتقادات الشديدة الموجهة لها في التباطؤ الغير مبرر وتضارب الأنباء والبيانات الحكومية عن الأزمة الصادرة في وسائل الإعلام الحكومية المختلفة. كما تسعى اللجنة لتقيم دور النقابات العمالية في التعامل مع الأزمة وأسباب غياب التنسيق بين تلك المنظمات والجهات الرسمية في البلاد.
|