
03-11-2012, 10:56 PM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
لماذا تصاعد العنف السياسي في العراق؟
لماذا تصاعد العنف السياسي في العراق؟
محمد عز العرب - أحمد زكريا تحوَّل العراق مرةً أخرى إلى ساحة عنفٍ واسع النطاق؛ إذ شهدت مناطقُ مختلفةٌ سلسلة هجماتٍ متكررةٍ، نفَّذها أغلبَها تنظيمُ القاعدة في دولة العراق الإسلامية، باستخدام السيارات المفخخة والعبوات المتفجِّرة والأحزمة الناسفة؛ لاستهداف أهدافٍ متنوعةٍ؛ منها قياداتٌ أمنيةٌ، وشركاتٌ محليةٌ، وحسينياتٌ شيعيةٌ، ومساجدُ سنيةٌ، ومصالحُ أجنبيةٌ، وهو ما يعود -أي العنف السياسي- إلى ضعف الأجهزة الأمنية، وغياب المصالحة الوطنية
، وتصاعد الأزمة السياسية، وانتهاج المحاصصة الطائفية، على نحوٍ يجعل نظرية "النوافذ المكسورة" المتعلقة بالعنف الجنائي صالحةً لتفسير العنف السياسي في الحالة العراقية.
ومفادها أن القبول باختلالٍ للنظام الديمقراطي -مهما كان بسيطًا- يفتح الباب أمام الاعتداء على النظام تدريجيًّا، بما يقود إلى مستوى الفوضى؛ فغض النظر عن إصلاح نافذةٍ مكسورةٍ، يجعل كسْرَ النافذة المجاوِرة لها أمرًا طبيعيًّا؛ لأن البيئة القاعدية المتعلقة بالسياسة والأمن والمجتمع، تمهِّد لحدوث ذلك بكثافةٍ في العراق.
مؤشرات العنف السياسي
تصاعَد العنف السياسي في العراق بنسبةٍ لافتةٍ في الشهرَيْن الماضيَيْن، انطلاقًا من مؤشرات إجرائية؛ هي:
أ- تزايد معدلات حدوثه، التي بلغت أعلى نسبةٍ منذ ما يقرب من عامين؛ فحسب تقارير وزارات الداخلية والدفاع والصحة العراقية؛ بلغ عدد القتلى في شهر سبتمبر المنصرم 365 قتيلاً؛ من بينهم 241 مدنيًّا، و44 عسكريًّا، و40 شرطيًّا؛ وبذلك يكون الشهرَ الأكثرَ دمويةً بعد أغسطس 2010، الذي كان قد وقع فيه 426 قتيلاً، فوصل إجمالي القتلى منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية سبتمبر، إلى 1800 شخص، وفقًا للإحصاءات الحكومية.
ب- تنوُّع مناطق وقوعه، التي لم تقتصر على منطقةٍ جغرافيةٍ بعينها؛ فلم تعُد ظاهرة العنف في العراق مقتصرةً على منطقةٍ بعينها، بل أصبحت ظاهرةً شاملةً لكل أرجاء العراق. ولعل أكثر المناطق تعرضًا للعنف هي تكريت، وكربلاء، وكركوك، والكوت، والأنبار، والحلة التي تبعد 100 كيلومتر شمال بغداد، وتاجوراء. بالإضافة إلى كافة أرجاء العاصمة العراقية بغداد.
ج- تعدُّد أطراف ممارسته: لم يَأْتِ العنف من تنظيم القاعدة فقط، بل من جماعاتٍ إسلاميةٍ سُنيةٍ أخرى أيضًا تشعر بأنها قد هُمِّشت تهميشًا كبيرًا فيما يخص اتفاقيات تقاسُم السلطة، فضلاً عن مليشياتٍ مسلحةٍ. ويُتوقَّع أن ينضم إليهم "القادمون من سوريا".
د- انتعاش تجارة أدواته انتعاشًا مبالغًا في الفترة الأخيرة، لا سيما في محافظات وسط وجنوب العراق؛ حيث ضبطت قوات الأمن العراقية عدة عمليات تهريبٍ؛ أبرزُها تلك التي نفذتها شرطة الديوانية في الرابع من سبتمبر في جنوب المحافظة؛ حيث تضمَّنت المضبوطات 167 قنبلة هاون عيار 60 ملليمترًا، و12 قنبلة هاون عيار 82 ملليمترًا، وست قاذفات ضد الدروع عيار 120 ملليمترًا، و167 صاعق قنبلة هاون عيار 60 ملليمترًا، عدا ست رماناتٍ يدويةٍ دفاعيةٍ، و12 كبسولة ألغامٍ ضد الدبابات.
أسباب العنف السياسي
تتمثل أبرز أسباب تصاعد عمليات العنف السياسي في العراق؛ في ما يلي:
- ضعف الأجهزة الأمنية
ساهم الانسحاب الأمريكي من العراق بنسبةٍ كبيرةٍ في تدهور الحالة الأمنية في البلاد، لا سيما مع حالة الضعف والترهل التي تعانيها الأجهزة الأمنية العراقية؛إذ يعاني الجهاز الأمني عدة إشكالياتٍ؛ أولها ضعف القدرات الفنية؛ إذ تفتقد المنظومةُ الأمنيةُ العراقيةُ المعداتِ المتطورةَ الخاصةَ بالكشف عن المتفجرات، وكاميرات المراقبة، وأجهزة التتبع الدقيقة، وكذلك قلة الخبرات، ونقص التدريب، وعدم وجود عمليات استباقيةٍ مكثفةٍ لمطاردة العناصر الإجرامية، فضلاً عن إصرار رئيس الوزراء نوري المالكي على عدم تعيين وزيرَيْن للداخلية والدفاع، وفرض سيطرته على الوزارتين.
ثانيها: تسييس القوات الأمنية؛ إذ أصبحت مختلف القوى السياسية العراقية تسعى إلى تسييس قوات الأمن بالسيطرة عليها والتغلغل فيها؛ لمحاولة تأمين ذاتها والحفاظ على مصالحها الشخصية، وضمان ولاء من يعملون بالأجهزة الأمنية إليها؛ للحيلولة دون حدوث محاولاتٍ انقلابيةٍ تطيح بهم من على رأس السلطة، خاصةً مع وجود حالة التربُّص المستمر بين القوى السياسية المختلفة. ومؤخرًا، كشف رئيس شرطة البصرة عن أربعة آلاف شرطيٍّ بالمحافظة يعملون لصالح أحزابٍ وجهاتٍ سياسيةٍ.
ثالثها:اختراق الأجهزة الأمنية؛ إذ اندست مجموعاتٌ تابعةٌ للميلشيات المسلحة داخل القوات الأمنية العراقية؛ لعل آخر من اكتُشف منها 340 عنصرًا في كربلاء، فجرى فصلهم. ولهذا سعت وزارة الداخلية إلى استئصال العناصر المندسَّة في صفوفها بتوظيفها أكثر من 115 ألف شرطيٍّ دُرِّبوا وجُهِّزوا بأحدث الأسلحة والمعدَّات بهدف تكوين قواتٍ وطنيةٍ حقيقيةٍ لا تدين بالولاء لطائفةٍ سياسيةٍ محددةٍ.
رابعها: تقويض السلطات الأمنية للمحافظات؛ إذ تفقد الأجهزةُ الأمنيةُ العراقيةُ في المحافظات، التنسيقَ مع وزارة الداخلية، كما تحُدُّ الوزارة من صلاحيات المحافظات في تطبيق الخطط الأمنية؛ ما يجعلها غير قادرةٍ على حفظ الأمن في نطاقها.
تصاعد الأزمة السياسية -
تواجه العراق أزمةً سياسيةً حادةً منذ الانسحاب الأمريكي من البلاد في عام 2011، بلغت ذروتها حينما طالبت قوًى سياسيةٌ بسحب الثقة من حكومة المالكي، لا سيما الكتلة العراقية بقيادة إياد علاوي، وقوى كردية بدعمٍ مباشرٍ من رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر؛ إذ يوجِّهون اتهامًا إلى المالكي بمحاولة إقصاء القوى الأخرى، والهيمنة على المشهد السياسي برمته، لكن الرئيس العراقي جلال طالباني اشترط -من أجل طرح سحب الثقة- الحصول على توقيعات 164 نائبًا؛ ذلك في الوقت الذي تعهَّد فيه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بإتمام هذا العدد إذا تبنَّت الكتل السياسية الأخرى جمع 124 توقيعًا، لكن مع فشل المطالبين بسحب الثقة في جمع التوقيعات رفض طالباني طلب سحب الثقة.
وقد انعكست تلك الأزمة السياسية بنسبةٍ كبيرةٍ على أوساط المجتمع العراقي وطوائفه؛ ما زاد حالة الاحتقان؛ إذ إن الشعور بالإقصاء والتهميش لطوائفَ بعينها، قد أجَّج الخلافات وأشعلها؛ ما انعكس مباشرةً على زيادة معدلات العنف الطائفي والسياسي، لا سيما باستهداف الحكومة العراقية.
- تنامي التنظيمات الإرهابية
ساهم تنامي نفوذ وازدياد نشاط تنظيم القاعدة في دولة العراق الإسلامية، في زيادة معدلات العنف السياسي في العراق؛حيث طوَّر تنظيم القاعدة أداءه عبر ثلاث إستراتيجيات جديدة:
الأولى تتمثل في تكثيف التنظيمِ عملياتِه بنسبةٍ كبيرةٍ في الشهور الأخيرة؛ ففي الفترة بين منتصف يوليو من العام الجاري وحتى منتصف أغسطس، أعلن تنظيم القاعدة مسئوليته عن 131 عمليةً إرهابيةً استهدفت قوات الأمن، كما تبنى التنظيم 163 عمليةً في الشهر الذي سبقه؛ أي من منتصف يونيو حتى منتصف يوليو من العام الجاري.
الثانية تتعلق بتغيير التنظيمِ إستراتيجياتِه في تنفيذ العلميات الإرهابية؛ فقد طوَّر التنظيم أسلوبًا جديدًا؛ هو تنفيذ علمياتٍ نوعيةٍ خاطفةٍ دفعةً واحدةً في عدة مدنٍ بطريقةٍ شبه متزامنةٍ؛ حتى تصعب مهمة الأجهزة الأمنية في تعقُّب الفاعلين.
الثالثة ترتبط بتهريب التنظيم سجناءه؛ إذ بدأ تنظيم القاعدة في استعادة عناصره المقبوض عليهم والمحكوم عليه بالإعدام، بتهريبهم من السجون. ولعل أبرز تلك العمليات تهريب عناصر التنظيم 47 عنصرًا من نزلاء سجن ترحيلات تكريت منذ أيام.
ويبدو أن تنظيم القاعدة في العراق قد حوَّل وجهته تمامًا؛ فبعد أن كانت عملياته موجَّهةً بالأساس إلى القوات الأمريكية في العراق قبيل الانسحاب، أصبحت عملياته في الوقت الحالي تستهدف بنسبةٍ رئيسيةٍ الطائفة الشيعية وقوات الأمن المحلية، في محاولةٍ لإثارة الطائفية بهدف دفع البلاد إلى حربٍ أهليةٍ حقيقيةٍ، لا سيما أن البيئة العراقية مُمَهَّدةٌ لذلك بسبب الخلافات بين الكتل والطوائف السياسية المختلفة.
- تفاقم النزعة الطائفية
تعتبر الأزمة الطائفية التي كانت أحدث تجلياتها صدور حكم بإعدام النائب الأول للرئيس العراقي طارق هاشمي؛ أحد أبرز أسباب زيادة معدلات العنف؛ إذ أصدرت المحكمة الجنائية العراقية حكمًا غيابيًّا بالإعدام شنقًا على نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، ومدير مكتبه أحمد القحطان، إثر اتهام السلطات العراقية إياهما بالتخطيط لسلسلة جرائم إرهابية، خاصة التحريض على 150 جريمة اغتيالات سياسية؛ وذلك بموجب المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب.
وتعتبر قضية الهاشمي قضية سياسية في المقام الأول؛ إذ إنها تقع في قلب الصراع الطائفي والسياسي في العراق؛ إذ يُعتبَر الهاشمي أحد أقطاب المعارضة السنية ضمن القائمة العراقية بقيادة إياد علاوي، التي تتهم باستمرار رئيس الوزراء العراقي الشيعي نور المالكي وائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه؛ بالدكتاتورية ومحاولة الاستفراد بالسلطة عبر محاولة إحكام قبضته على مفاصل الدولة العراقية بإقصاء المعارضة السنية، وعلى رأسها الهاشمي.
وكان لتلك الأزمة تداعيات خطيرة على الساحة العراقية؛ إذ تفاقمت معدلات العنف على إثرها؛ فمجرد صدور الحكم، هزت سلسلة من الانفجارات العنيفة بعض المناطق الشيعية حول بغداد أسقطت أكثر من مائة قتيل، في يومٍ يُوصَف بأنه أكثر الأيام دمويةً في العراق في العام الحالي.
مسارات العنف السياسي
الخلاصة أن المسار الأكثر ترجيحًا للعنف السياسي في العراق مرشحٌ للتزايد في المرحلة المقبلة؛ لأنه يكمن بالأساس في عوامل بنيوية تتعلق بالهيكل الهش للدولة العراقية. ومن ثم فإن مواجهة أو الحد من تأثيرات العنف السياسي، مرهون بوضع تصور شامل لحل الأزمة السياسية والقضاء على النزعة الطائفية ومواجهة التنظيمات الإرهابية في العراق، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، غير أن ثمة ضرورة أولية -كما تقول نظرية النوافذ المكسورة- لمواجهة السلوكيات الإجرامية البسيطة في المجتمع العراقي، بل ومظاهر اختلال النظام العام غير المتعمدة، بحسم بالغ ودون تهاون؛ حتى لا تتفاقم إلى عمليات إرهابية، وهو ما يتوقف على اتساع أفق الحكومة الحالية في المرحلة القادمة.
|