رؤية أمريكية
أبعاد الفجوة الجيلية بجماعة الإخوان المسلمين في مصر

جيفري مارتيني، وداليا كاي، وإيرين يورك
عرض شيماء أحمد محمود، مترجمة متخصصة في الشئون السياسية والاقتصادية
في إطار اهتمام مؤسسات الفكر والرأي الغربية بالصعود الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط عقب موجة الربيع العربي، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين؛ نشرت مؤسسة "راند" البحثية الأمريكية، في شهر أكتوبر 2012، دراسة تحت عنوان "الإخوان المسلمون.. شبابها وتبعات التواصل مع الولايات المتحدة" لثلاثة باحثين؛ هم: جيفري مارتيني، وداليا كاي، وإيرين يورك.
تسلِّط الدراسة الضوء على تركيبة شباب الجماعة وما يشكلونه من تحدٍّ لها، موصيةً صناع القرار الأمريكيين بالتواصل مع الأجيال الإخوانية الجديدة؛ من أجل تغيير آرائهم تجاه الولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة.
ويقدم الباحثون الجماعةَ باعتبارها كيانًا "غير متماسك"؛ حيث تمثل الفجوات الجيلية بها تحديًا كبيرًا لنسيجها، لا سيما بعد تهميش جيل الشباب في التسلسل الهرمي للمناصب القيادية رغم وجودهم في مقدمة صفوف ثورة الـخامس والعشرين من يناير.
مَن هم شباب الإخوان المسلمين؟
يستهل خبراء "راند" دراستهم بالتعريف بشباب الإخوان المسلمين، ناقلين عن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع قوله، في خطابٍ موجَّهٍ إلى جيل الشباب الإخواني: "اعلموا يا أبنائي أنكم أنتم أمل الأمم وسَنَدُها ومستقبلها، وأنكم أهم عامل لنهضتها وتقدُّمها وارتقائها.. هذا هو قدركم".
وجدير بالذكر أن نجم شباب الجماعة بزغ في وقت متأخر من عام 2000؛ عندما جذب عدد منهم الأنظار بنقدهم مواقف القيادة الإخوانية وممارساتها التنظيمية. وفي الفترة الأخيرة، لعب رموز من شبابها أدوارًا قيادية في ثورة 25 يناير؛ بمن في ذلك إسلام لطفي، ومحمد القصاص اللذين اختيرا ممثلَيْن لائتلاف شباب الثورة؛ ذلك الائتلاف الذي شُكِّل لتنسيق التفاعل بين الشباب والسلطات الانتقالية في أيام ما بعد تنحي الرئيس السابق "حسني مبارك".
ويُذكر أنه رغم تحفُّظات قيادتهم العليا بشأن مسألة المشاركة في التظاهرات، مارس شباب الإخوان ضغوطًا للحصول على إذن للانضمام إلى المسيرات الاحتجاجية، وحصلوا عليه بالفعل في نهاية المطاف لكن بشرط المشاركة بوصفهم أفرادًا لا أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين.
وإبان التظاهرات التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، لعب هؤلاء الشباب دورًا حاسمًا في هزيمة البلطجية، وردع الثورات المضادة، وحماية المتظاهرين في ميدان التحرير، وفي إعاقة جهود النظام السابق الرامية إلى تخويف المتظاهرين، حسبما تشير الدراسة.
وفي فترة الإعداد للانتخابات البرلمانية، بذل شباب الإخوان جهودًا مضنية لتوعية المواطنين بأهمية الإدلاء بصوتهم، وعملوا على لصق الدعاية الانتخابية على جدران كل شارع.
بيد أن جيل الشباب الإخواني برز أيضًا باعتباره "لوبي" ضاغطًا داخل الجماعة و"تهديدًا" للكيان الإخواني، على حد وصف الدراسة التي ترى أن هؤلاء الشباب أكثر "ثورية" من القيادة الإخوانية العليا التي تفضِّل الهدوء والحذر. ومن شأن تلك الديناميكية -على حد اعتقاد الخبراء- أن تسفر عن انشقاقات داخل الجماعة.
وتنوّه الدراسة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين خسرت بعض ألمع شبابها بسبب عدم مرونتها، والتزامها الصارم بالتسلسل الهرمي للمناصب القيادية، ولعدم إتاحتها فرصة تولية هذا الجيل الجديد المناصب القيادية. وكان لطفي والقصاص من ضمن هؤلاء الشباب الذين هجروا الجماعة.
جدل حول عدد أعضاء "الإخوان"
تباينت تقديرات المحللين لحجم الجماعة الفعلي؛ فثمة تقديرات تشير إلى أن الجماعة بها 600 ألف عضو، فيما تقول قيادة الجماعة إن الرقم يتعدّى 700 ألف. أما مؤسسة "راند" البحثية فترى أن الجماعة لا تزال حذرة في تقديم أرقامها الحقيقية، وأن ثمة التباسًا بسبب الدرجات المختلفة للعضوية من الطفولة إلى الشباب، مرورًا بِفِرق الكشافة الإخوانية المعروفة باسم "الأشبال والزهرات".
وقد عقَّد ظهورُ حزب الحرية والعدالة مسألةَ تقدير عدد أعضاء الجماعة؛ إذ تشير الدراسة إلى أن عدد أعضاء الحزب ربما يفوق حاليًّا عدد أعضاء الجماعة نفسها بنسبة 25% فوصل عددهم الإجمالي إلى مليون عضو، حسب تقديرات "الحرية والعدالة". ويمثل الشباب ما تتراوح نسبته بين 35% و50% من عضوية الجماعة التي تُصنَّف مَن أعمارُهم دون 35 عامًا ضمن فئة الشباب. وإجمالا، يُقدِّر الخبراء عدد شباب الإخوان بمئات الآلاف.
وتوضح الدارسة أن شباب جماعة الإخوان الحاليين والمنشقين يتوزعون بين ستة أحزاب سياسية؛ من بينها الحرية والعدالة، وأن متوسط سن العضوية لمكتب الإرشاد هو 61 عامًا.
الفجوة الجيلية في الجماعة
ترى الدراسة أن حرمان الشباب من لعب دور في صناعة القرار بجماعة الإخوان المسلمين يعتبر من أهم التحديات التي قد تواجهها القيادة الإخوانية في المستقبل، لافتةً إلى نزوح عدد من أفضل العقول عن الجماعة؛ من بينهم شباب ينتمي إلى الشريحة الأرستقراطية التاريخية لقيادات الجماعة، وممثلون للإخوان في ائتلافات الثورة، ونشطاء مقربون من الحركات السياسية غير الإسلامية.
وتوضح المؤسسة البحثية أن انشقاقات الأجيال داخل جماعة الإخوان المسلمين ترتبط بأربع قضايا تهدد التماسك التنظيمي؛ هي:
(1) عملية التوفيق بين المهمات المختلفة للجماعة.
(2) موقف الجيل الإخواني القديم من القضايا الاجتماعية، مثل المساواة، وحقوق الأقليات، التي يستوعبها الجيل الحالي أكثر من الأجيال القديمة.
(3) تضارب ثورية الشباب مع المسارات الهادئة التي يفضِّلها شيوخ الجماعة.
(4) التقيُّد الصارم بالهرم التنظيمي للمناصب القيادية المتسبب بتهميش شباب الجماعة.
وتشير الدراسة إلى أن جيل الشباب الإخواني الجديد لا يقصِر انضمامه إلى الجماعة على الدعوة الإسلامية فحسب، بل يتطلع إلى المشاركة في الحياة السياسية أيضًا، واعتلاء المناصب القيادية، والتعبير عن رأيه بحرية، ولعب دور في النهوض بمجتمعه. وهي مسائل يقيِّدها شيوخ الجماعة.
يفضِّل الجيل الإخواني القديم أن ينأى بنفسه عن كل ما يجلب له المشكلات، ويرى في نفسه عنوانًا للحكمة والفطنة. ومن ثم بات يشكل الشباب ضغطًا على العصب الإصلاحي في جماعة الإخوان المسلمين.
وقد فشلت الجهود التي بذلتها القيادة الإخوانية لاحتواء الشباب والتحاور معهم؛ فتمسُّك الجماعة بمبدأ "السمع والطاعة" يخنق التفكير المستقل، وفقًا للدراسة التي ترى أن ذلك من شأنه إعاقة جهود الجماعة الرامية إلى الحفاظ على تماسكها ووحدتها وانسجامها.
علاقات الجماعة بالولايات المتحدة
يُذكر أنه في وقت مبكر من الثورة المصرية، أدلى مسئولون أمريكيون بتصريحات يعربون فيها عن استعدادهم للتعامل مع أي مجموعة يختارها الشعب للحكم، ما دامت تلك المجموعة المختارة ستلتزم بالقانون وستكون جزءًا من العملية الديمقراطية.
ورغم أن تلك التصريحات فتحت باب التواصل رسميًّا مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية؛ أحجمت جماعة الإخوان المسلمين عن مقابلة مسئولين أمريكيين رفيعي المستوى؛ لعدة أسباب؛ منها دعم الولايات المتحدة النظام السابق، وعدم مساندتها الثورة المصرية كما ينبغي.
بيد أنه بعد فوز الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية، توجَّه نائب وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز إلى مصر للقاء الرئيس المصري، ثم اجتمعت وزيرة الخارجية الأمريكية مع مرسي بعد ذلك بوقت قصير. وأدلى الجانبان المصري والأمريكي بتصريحات إيجابية بشأن مستقبل التواصل المستمر.
وبعد وقت قصير من الانتخابات، رحَّب مرسي بمزيد من الحوار مع المسئولين الأمريكيين؛ لاقتناعه بأهمية توطيد العلاقات الأمريكية المصرية، على حد قول خبراء "راند".
وتنقل الدراسة عن وزيرة الخارجية الأمريكية، وصفها الحرية الدينية بأنها "أولوية من الأولويات التي تقوم عليها السياسة الأمريكية الخارجية"، وتأكيدها أن التعامل مع الإخوان المسلمين مشروط بـ"التزامهم بحقوق الإنسان وبالمبادئ الديمقراطية العالمية".
ويوصي خبراء مؤسسة "راند" البحثية الأمريكية صُنَّاع القرار الأمريكيين بالتواصل مع جماعة الإخوان المسلمين عمومًا، ومع شبابها خصوصًا، لا سيما أن جيل الشباب يلعب أدوارًا مهمة على مستوى القاعدة الشعبية. وينوّهون بأن شباب الجماعة لا يمثِّلون تحديًا لتماسُك التنظيم فحسب، بل يُعتبرون أيضًا قناة محتملة لتوسيع تعاون الولايات المتحدة مع الجماعة.
كما يوصي الخبراء بفهم الانقسامات الموجودة داخل جماعة الإخوان المسلمين بدون استخدامها في اللعبة السياسية، والمشاركة في لقاءات دورية بين أعضاء الكونجرس والبرلمانيين من "الحرية والعدالة"، واستهداف قادة الشباب والناشطين واتحادات الطلاب خارج المدن الرئيسية، وزيادة مشاركة شباب الجماعة في برامج التبادل بين البلدين.