
08-11-2012, 01:56 PM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
سيناريوهات العلاقة بين الأقباط والدولة بعد اختيار البابا
سيناريوهات العلاقة بين الأقباط والدولة بعد اختيار البابا
محمد عبدالله يونس
مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة أنهى اختيار الأنبا تواضروس أسقف محافظة البحيرة ليشغل منصب بطريرك الكنيسة الأرثوذوكسية؛ فترة ثمانية أشهر ممتدة من الترتيبات المصحوبة بجدل متصاعد منذ رحيل البابا شنودة الثالث؛ فالانتخابات أتت في سياقات معقدة، في خضم مرحلة انتقالية شهدت تحولاً هيكليًّا في معادلات السلطة وخريطة القوى السياسية في مصر، وصياغة دستور جديد يمثل مخاضًا عصيبًا لضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع، عدا احتدام التوترات الطائفية؛ ما يضفي مزيدًا من التعقيد على التحديات والاستحقاقات التي يواجهها البطريرك الجديد.
سياقات معقدة
لا ينفصل اختيار البطريرك الجديد عن السياق المشحون بالاحتقان المُخيِّم على علاقة المسيحيين بالدولة والمجتمع منذ سقوط النظام السابق،باعتبارها امتدادًا لمعضلة التهميش والاستبعاد التي طالما مثلت صدعًا اجتماعيًّا في الدولة المصرية.
1- تحوُّلات الخريطة السياسية:يمثل صعود أحزاب التيار الإسلامي برافدَيْها الإخواني والسلفي، أحد مكامن التأثير في سياق انتخابات الكنيسة،الذي بدت معالمه في الاستحواذ على أغلبية ثلثَيْ مقاعد البرلمان،ثم انتخاب الرئيس محمد مرسي؛ما أثار جدلاً متصاعدًا حول تحوُّلات العلاقة بين الدولة والكنيسة.
2- تواتر الصدامات الطائفية: يكشف تتبُّع مسار التوتُّرات الطائفية، منذ إسقاط النظام السابق، عن تصاعدٍ حادٍّ في وتيرة الصدامات، بدايةً من أحداث كنيسة صول في أطفيح، وصدامات المقطم في مارس 2011 التي تبعها تجدُّد المواجهات أمام كنيسة مارمينا بإمبابة، عقب احتجاجات سلفيين على احتجاز مسيحيةٍ تحوَّلت إلى الإسلام، في مايو 2011. وفي هذا السياق، تعرَّضت العلاقة بين المسيحيين والدولة لضربةٍ قاسمةٍ عقب مواجهات ماسبيرو الدامية بينهم وبين القوات المسلحة في أكتوبر 2011، ثم تأجَّجت احتجاجاتٌ مسيحيةٌ على إجراءات محاكمة المتورِّطين في تلك الأحداث. ولم تنفصل الانتخابات الكنسية عن سياق التوترات الطائفية من تفجُّر صدامٍ مكتومٍ مع التيار السلفي في مطروح حول اختفاء فتاة مسيحية،والتوتُّرات الطائفية في قرية عزبة ماركو ببني سويف حول نطاقات نشاط الكنيسة،واستهداف مسيحيين في محافظة المنيا،ومن أحداث التهجير الطائفي في رفح في أكتوبر الماضي.
3- التهجير الطائفي: باتت أحداث التهجير الطائفي نمطًا متواترًا في معالجة الصدامات المجتمعية، في ظل انسحاب الدولة وضعف سيطرتها الأمنية؛ ففي فبراير 2012 هُجِّرَت أسرٌ مسيحيةٌ من مدينة العامرية بالإسكندرية، عقب مصادماتٍ بين المسلمين والمسيحيين. وقبيل نهاية يوليو 2012، شهدت كنيسة مارجرجس بدهشور ومنازل المسيحيين المجاورة لها، أعمال اقتحام وتخريب. وأثارت نصيحة القيادات الأمنية الأسرَ المسيحية، خلال الأزمة، بمغادرة القرية مؤقتًا حتى تهدأ الأوضاع؛ احتجاجات مختلف الائتلافات المسيحية والأحزاب المدنية على عجز الحكومة في عهد الرئيس المنتخب عن حماية المواطنين، ثم أتت أحداث رفح، في أكتوبر الماضي، لتدفع بمزيد من الانتقادات لاستمرار الانفلات الأمني.
توجهات البطريرك الجديد
يكشف اختيار الأنبا تواضروس بطريركًا للكنيسة الأرثوذوكسية، عن بدايات تحوُّل هيكلي في دور الكنيسة في المجتمع المصري، ربما يمكن استشفافه من تشديده -في أول تصريح له بعد اختياره- على "عودة الكنيسة إلى الخط الروحي باعتباره عملها الأساسي"؛ ما قد يعكس انسحابًا كنسيًّا من دور الممثل السياسي لعموم المسيحيين في مواجهة الدولة، الذي كرَّسه سلفُه على مدار عقود. ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى عدة دلالات رئيسية:
- تشغل قضية "مأسسة" الكنيسة ودورها الديني، الحيِّز الأكبر من اهتمام البطريرك الجديد، وهو ما كشفته تصريحاته خلال الانتخابات بالاهتمام بفصول التربية الكنسية وفصول إعداد خُدَّام الكنيسة، وبإدارة التفاعلات بين المجمع المقدس والمجلس المِلِّي والهيئة المسيحية للأوقاف؛ ما يعني التركيز على الدور الروحاني للكنيسة أكثر من الانخراط في السياسة.
- ينتمي الأنبا تواضروس إلى مدرسة الأنبا باخوميوس القائم بأعمال البطريركية الذي تتلمذ على يديه، التي ينصبُّ تركيزُها على الإصلاح الإداري باستعادة كفاءة هياكل الكنيسة،والتركيز علىشئونها.وهو يميل إلى الاتجاه التوافقي وتجميع الأطراف المتنافرة؛ما يجعله مهتمًّا بتهدئة ما بدا أنه صراعٌمكتومٌبين أقطاب كنسية مؤثرة ذات علاقات سياسية نافذة استُبعَدت في جولة الطعون.
- تكشف تصريحات البطريرك الجديد عن تركيزه على استعادة الترابط بين المسيحيين،بالحوار مع الشباب وتعزيز أواصر الصلة الكنسية مع "أقباط المهجر"،وعن دمج المسيحيين في المجتمع عبر التعليم والإعلام باعتبارهم جزءًا أصيلاً من نسيج المجتمع المصري.
- يميل الأنبا تواضروس إلى تأسيس تفاعلات توافقية مع الدولة؛إذ يُعتبَر دور البطريرك "صمام أمان للعلاقة بين الكنيسة والدولة"،ويرى أن التركيز على القيم المشتركة بين المسلمين والمسيحيين،ونبذ التطرف،و"الحكمة والمودة"؛ أدوات ملائمة في تسوية التوترات الطائفية واستعادة الوحدة الوطنية.
تحديات متصاعدة
يواجه الأنبا تواضروس تحدياتٍ معقدةً قد ترتبط باحتمالات تخلِّي الكنيسة عن دور الممثل السياسي للمسيحيين في مواجهة الدولة لصالح رموز التيار العلماني والمنظمات الحقوقية؛ما يمثل قطيعةً لما اعتادت عليه مؤسسات الدولة من التعامل مع مركز واحد للقوة للتأثير سياسيًّا في المسيحيين،فتُفضِي الترتيبات الجديدة إلى التفاعل مع مراكز قوى متعددة قد لا تتمكن الدولة من احتواء مطالبها أو وضع حدودٍعلى لجوئها إلى التصعيد.ومن هذا المنطلق يواجه البطريرك الجديد تحديات تتلخَّص في أربعة محاور رئيسية:
1-رأب الصدع داخل الكنيسة: إذ إن استبعاد الأقطاب الكنسية المؤثرة من الانتخابات،لم يحسم الخلافات بينهم،في ظل ما يتردد عن استقطابٍبين مؤيدي الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس، ومعارضيه من أنصار الأنبا يؤانس الأسقف العام وسكرتير البابا شنودة السابق،خاصةً أساقفة الصعيد وبعض "أقباط المهجر"؛هذاعدا أثارته مواقف أقطاب الكنيسة من توتراتٍ مع الطوائف الأخرى؛ما يضع ترتيب الكنيسة من الداخل على رأس أولياته،علاوةً على حسم الجدل حول تعديل اللائحة 57 التي تنظم انتخاب البطريرك،والمطالبات بتوسيع دائرة الناخبين وإلغاء القرعة الهيكلية.
2- تسوية قضايا علاقة المسيحيين بالكنيسة: يواجه الأنبا تواضروس تصاعدًا في قوة التيار العلماني الذي يصر علىانسحاب الكنيسة من الشئونالسياسية،وفي قوة ائتلافات الشباب المسيحي-مثل ائتلاف شباب ماسبيرو،وائتلاف "أقباط 38"-التي تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية على الأقباط، لاسيما في قضايا الأحوال الشخصية.وهذا يرتبط بالجدل المحتدم حول قضايا ذات طابع عقيدي،خاصةً قضايا الطلاق والزواج الثاني،والمطالبات بإعادة النظر في إجراءات المجلس الإكليركي المسئول عن الأحوال الشخصية للمسيحيين.
3- حسم معضلة التهميش والاستبعاد: ويرتبط هذا البُعد بإعادة هيكلة علاقة المسيحيين بالدولة،في ظل صياغة الدستور الجديد،بتأكيد حقوق المواطنة والمساواة في تولِّي المناصب العامة،وتمريرقانون دُور العبادة الموحد،ومحاكمة المتهمين في أحداث ماسبيرو،وغيرها من مسبِّبات التوتر الطائفي.
4-تسوية التوترات الطائفية: ويستدعي هذا البُعد الجدل المستحكم حول علاقة المسيحيين بالمجتمع،وما يعتريها من اغترابٍ نتيجة الأزمات الطائفية المتصاعدة،مثل موجات التهجير الطائفي المتكررة،وقضايا تغيير الديانة،واختفاء الفتيات القاصرات، عداالخلافات المحتدمة مع التيار السلفي حيال تلك القضايا.
وإجمالاً؛ قد يضطر البطريرك الجديد إلى الانخراط في التفاعلات السياسية إزاء تلك التحديات المعقدة،ربما عبْر آلياتٍ أقلَّ كثافةً من سابقها للأنبا شنودة الثالث، فتظل الكنيسة مركزًا للقوة السياسية المستمدة من نفوذها الروحي، حتى وإن آثرت قياداتُها الانسحابَ نسبيًّا من ممارسة دورها السياسي المعهود.
ومن المُرجَّح أن تحكم أربعة سيناريوهات العلاقة َالمعقدة بين الكنيسة والدولة؛ أولها يتمثل في انسحاب الكنيسة من المجال السياسي فتحل محلَّها مؤسساتٌ حقوقيةٌ أو قوى سياسية مُعبِّرة عن مطالب المسيحيين.وثانيها يتمثل في تأسيس شراكة جديدة بين الدولة والكنيسة، مع استمرار الأخيرة في أداء دورها السياسي.وثالثها يتلخَّص في اندماج المسيحيين في إطار الأحزاب الليبرالية الصاعدة.أما السيناريو الرابع فيتمثل في صدامٍ بين الطرفين حول القضايا الخلافية، وربما يتخذ طابعًا دوليًّا بتدخُّل أطراف خارجية في مرحلة لاحقة.وهو سيناريو مُستبعَد في ضوء الأوضاع الراهنة.
|