
14-11-2012, 12:09 AM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
لماذا تأخرت الضربة العسكرية للمنشآت النووية الإيرانية؟
لماذا تأخرت الضربة العسكرية للمنشآت النووية الإيرانية؟
 وصلت أزمة الملف النووي الإيراني إلى مرحلة حرجة، بعد تصاعد حدة الضغوط والعقوبات الدولية المفروضة على إيران، وتزايد الحشد العسكري الأمريكي في الخليج، واستمرار التهديدات الإسرائيلية بشن ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وقد دفع ذلك إيران إلى تبنِّي إستراتيجية للردع؛ بهدف إحباط أي تفكير "جِدِّي" خاص بشن عملية عسكرية ضدها، والرد على أي "سوء فهم" قد ينتج من أنشطتها العسكرية والإلكترونية التي تزايدت في الفترة الأخيرة.
ورغم أن الحديث عن اتباع إيران سياسة ردع تجاه الولايات المتحدة والغرب عمومًا؛ يتجاوز السياق العام لتحليلات مراكز الدراسات التي تركز على أن واشنطن هي من يتبنَّى سياسة الردع في مواجهة إيران، على غرار سياستها إزاء الاتحاد السوفيتي السابق- فإن هذا الاتجاه الجديد الذي بدأت تتبناه إيران، يعكس كيف يمكن لدولة متوسطة الحجم -وفق مقاييس القوة- أن تتحدى رغبة القوى الكبرى في النظام الدولي، وتحديدًا الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالسعي إلى امتلاك قدرات نووية.
ثلاثة أبعاد رئيسية
يمكن تحديد ثلاثة أبعاد رئيسية لإستراتيجية الردع الإيرانية: يتعلق البعد الأول بالتهديد برد فعل عنيف إذا وُجِّهت ضربة إلى مفاعلاتها النووية، على نحوٍ يمكن أن يُفضي إلى اندلاع حرب شاملة في المنطقة، خاصة مع تعدُّد أوراق القوة التي تمتلكها إيران، مثل وجودها في العراق، وعلاقتها بحزب الله، والجماعات الشيعية في دول الخليج؛إذ بدأ بعض المسئولين الإيرانيين يلمحون إلى إمكانية تحريك الجماعات الشيعية التي تدعم إيران في الخليج ردًّا على أي هجوم عسكري محتمل ضدها، كما تزايدت التقارير التي تشير إلى وجود خلايا تابعة لإيران في دول الخليج واليمن، سوف يجري تحريكها عند الضرورة.
وبجانب التهديد بإغلاق مضيق هرمز، كشفت تقارير عديدة أن الحرس الثوري الإيراني وضع مشروعًا أطلق عليه "مياه قذرة" لإسالة كمية كبيرة من النفط في مياه الخليج؛ بهدف تسريب بقعة سوداء توقف الملاحة وترغم الغرب على المشاركة في عملية تنظيف ضخمة، وعلى تعليق العقوبات على إيران، لكن الأهم من ذلك هو أن إيران باتت تحذر من إمكانية أن تشن هجومًا استباقيًّا ضد حلفاء واشنطن في الخليج؛فقد صرح الجنرال أمير علي حجي زاده المسئول عن الأنظمة الصاروخية في الحرس الثوري قائلاً: "إذ أعد الإسرائيليون العُدَّة لشن هجوم، فمن الممكن أن نشن نحن هجومًا استباقيًّا، لكننا لا نرى حدوث ذلك في الوقت الحالي"، وأكد أن "إيران تعتبر أن أي هجوم تشنه إسرائيل عليها سيكون بموافقة أمريكية؛ لذلك فسواء شنت إسرائيل هجمات بمعرفة الولايات المتحدة أو بدون معرفتها، فإننا بالتأكيد سنهاجم القواعد الأمريكية في البحرين وقطر وأفغانستان".
ويتمثل البعد الثانيفي "الغموض البناء" Constructive Ambiguityفيما يتعلق بحجم القوة العسكرية الإيرانية، والقدرات النووية المتاحة؛ إذ لا معلومات دقيقة وواضحة حتى لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حول مدى قدرة إيران على إنتاج السلاح النووي. وهو ما تحاول القيادة الإيرانية استثماره لتعظيم قدرتها على الرد على أي هجوم محتمل ضد منشآتها النووية. فيما ينصرف البعد الثالثإلى "الحملة" الإعلامية التي تشنها إيران، والتي كوَّنت هالةً حول قدراتها العسكرية؛ إذ تُصوِّر نفسها من خلال هذه الحملة على أنها "قوة إقليمية كبرى"، تمتلك القدرة على تصنيع الصواريخ الحاملة للرءوس النووية والصورايخ طويلة المدى التي يمكن أن تصل إلى تل أبيب.
الحرب بأدوات أخرى
وقد فرضت الصعوبات التي تواجه خيار الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية -عدا الغموض الذي يكتنف رد فعل إيران تجاهها- على الدول الغربية وإسرائيل؛ اللجوء إلى شن حرب "غير تقليدية" ضد إيران تعتمد على محورين: الأول رفع سقف "العقوبات" المفروضة عليها؛ فبجانب قرار الاتحاد الأوروبي وقف استيراد النفط الإيراني بدايةً من يوليو الماضي؛ أصدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرارًا بفرض عقوبات على الدول التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني أو التي لم تخفض وارداتها من النفط الإيراني، تطول تعاملاتها مع مراكز المال في الولايات المتحدة؛ وذلك بهدف تضييق الخناق على إيران ودفعها إلى تقديم تنازلات في ملفها النووي. والثاني شن حرب إلكترونية تستهدف البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني؛ فقد هاجم فيروس "ستاكس نت" أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمفاعلات الإيرانية، كما رصدت إيران فيروسًا آخر في أبريل الماضي داخل أنظمة التحكم في جزيرة "خارج" التي تتعامل مع معظم صادرات النفط الخام، دون أن يُحدث أضرارًا في مرفأ النفط.
لكن اللافت في هذا السياق، هو أن إيران بدت مدرِكةً خطورة هذه الحرب، ومن ثم ردت على لسان عبد الله أراكي نائب قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني بأنها مستعدة للدفاع عن نفسها في حالة اندلاع "حرب إلكترونية" يمكن أن تسبب ضررًا أكبر من المواجهة العسكرية الفعلية. وقد كشفت تقارير أمريكية عديدة، في أكتوبر الجاري، عن نجاح إيران في شن هجوم على البنية الإلكترونية لبعض المؤسسات في السعودية وقطر باستخدام فيروس "شيمعون"، الذي استهدف كمبيوترات تابعة لشركه "أرامكو" السعودية، وشركة "رأس غاز" القطرية.
وعلى خلفية ذلك، حذر وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، في 11 أكتوبر الجاري، من أن "الولايات المتحدة ستضرب الدول التي تشن عليها هجمات إلكترونية"، وقال إن "فيروس شيمعون يمكن أن ينتشر من خلال أجهزة الكمبيوتر المتصلة بالشبكات التي هوجمت"، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة "ستنظر في توجيه ضربات استباقية (...) يجب أن يدرك المعتدون المحتملون أن الولايات المتحدة لديها القدرة على تحديد مواقعهم، وتحميلهم مسئولية الهجمات التي تضر أمريكا أو مصالحها".
وفي النهاية، ربما يمكن القول إن إستراتيجية الردع الإيرانية بأبعادها الثلاث؛ قد تكون نجحت حتى اليوم في تجنيب إيران أي هجوم عسكري ضدها، لكنها لم تستطع حمايتها من العمليات غير العسكرية، مثل العقوبات الاقتصادية والهجمات الفيروسية؛ ما يفرض على إيران إعادة النظر في أبعاد هذه الإستراتيجية، والقبول بمنطق تقديم التنازلات في مفاوضاتها مع الغرب؛ لأنها في نهاية المطاف دولةٌ متوسطة الحجم، تواجه أزماتٍ متعددةً في الداخل، وقد لا تستطيع الصمود طويلاً في مواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وهو ما يبدو جليًّا في الأزمة الاقتصادية الحالية التي أنتجها الانخفاض الحاد في سعر صرف العملة الوطنية (الريال) أمام الدولار.
|