حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة
قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء 85]،
وقال سبحانه: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب } [الزمر 9].
يحتوي باب السياسة الشرعية في الفقه الإسلامي على مباحث مهمة ، ولهذا الباب مصادر ومراجع كثيرة، أحببت أن أطلعكم على شيء منها، وأقدم بين أيديكم تقريراً في الخطبة عن واحد من هذه المصادر لنفيدَ منه ويفيد مَنْ يستمع إلى هذه الخطب علماً وعملاً.
اسم الكتاب: (حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة). المؤلف: الشيخ محمد الغزالي، المفكر الإسلامي المصري المعروف. صدرت الطبعة الرابعة من الكتاب سنة 2005، عن دار نهضة مصر، وجاء الكتاب في ست وعشرين ومائتي صحيفة، تحدث فيها المؤلف عن حقوق الإنسان في الإسلام ثم قارنها بما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة سنة 1948م، ثم عرض وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الصادرة عن المجلس الإسلامي الدولي.
وزع الغزالي حديثه عن حقوق الإنسان أقساماً، فتحدث عن حق المساواة العامة، وعن الحقوق القضائية، وعن الحريّات، وعن الحقوق الاجتماعية بين الرجل والمرأة، وعن الأسرة، وعن حق الهجرة، وعن الكرامة الاقتصادية، وعن الحقوق الثقافية. مقدماً ذلك كله بتمهيد قال فيه :( إنَّ قدَر الإنسان في ظل الإسلام رفيع، والمكانة المنشودة له تجعله سيداً في الأرض والسماء، وذلك أنه يحمل بين جنبيه نفحةً من روح الله، وقبَساً من نوره الأقدس، وهذا النسب السماوي هو الذي رشّحه ليكون خليفة عن الله في أرضه.
وصحيح أن للبشر أخطاء لا يليق أن يتورطوا فيها، وأن لهم مسالك ما كان ينبغي أن تقع منهم، ولكن كرامة ال*** الإنساني في جملته لا تسقط بهذه الأخطاء وتلك المسالك، وأن نعمة إيجاده وإمداده لا تهدر لهذه العثرات البشرية ).
ومما قاله المؤلف في حديثه عن الحقوق القضائية: ( إن من أهم بواعث الأمن واستتباب السكينة والشعور بالراحة النفسية والكرامة الخاصة أن يحسّ كل إنسان بأنه في حصانة تامة من أي حيف قانوني، وأن القوانين موضوعة لحمايته لا لإهانته، وأن ما يُنسَب إليه أو إلى غيره من خطأ أو انحراف لا يصدق لأول وهلة، بل يأخذ طريقاً واضحاً من التحقيق والتثبّت.
إن سَوق التهم جزافاً، وإيقاع العقوبات حسب الأهواء زلازل تدك معالم الجماعة، وتهوي بها إلى درك سحيق. وقد كان المستبدون -ولا يزالون- يتصيدون خصومهم، ثم يلصقون بهم الشبهات، ويُصدرون ضدهم الأحكام...
والحاكم حين ينفذ القانون بأمانة لا يوصَف باستبداد, والرعية حين تستجيب لهذا التنفيذ وتعين عليه لا توصَف بذِلَّة, وإنما يجيء الاستبداد عندما يكون هوى الحاكم شرعاً, وتجيء الذلة عندما يكون انقياد الناس ضعفاً ورهبة).
يتابع المؤلف: (وأمام القانون تُهدَر الفوارق الدينية؛ فالمؤمن والكافر أمام القانون سواء, وكذلك تُهدَر الفوارق الطبقية؛ فلا تمييز لحاكم على محكوم، ولا لغني على فقير، ولا لكبير على صغير، فالأمير إذا أساء لكانس الطريق وجب منه القصاص، ووقَفَا على سواء أمام القانون لتُقام فيهما العدالة، لا يعوقها عائق).كتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- منشوراً للناس يقول فيه: (إني لم أبعث عمالي -الولاة- ليضربوا جلودكم، ولا ليأخذوا أموالكم, فمن فُعِل به ذلك فليرفعه إليّ لأقتصّ له. فقال عمرو بن العاص: لو أن رجلاً أدّب بعض رعيته أتقصّه منه؟ فقال عمر: إي والذي نفسي بيده، لأقصّنه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصّ من نفسه) [رواه أحمد]