فلسفة المصيبة في الإسلام
بقلم: فياض العبسو
قال الله تعالى:
( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين*الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون *) .
كل شيء يولد صغيراً ثم يكبر ، إلا المصيبة ، فإنها تولد كبيرة ثم تصغر شيئاً فشيئاً. والمصيبة هي كل ما يصيب المؤمن بمكروه سواء كان في نفسه أو أهله وولده أو ماله ، والمصيبة في ظاهرها نقمة وفي باطنها نعمة ، ولولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس ، كما قال أحد الصالحين.
وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ما أصبت في دنياي بمصيبة إلا رأيت لله فيها ثلاث نعم:
الأولى: أنها لم تكن في ديني ، والثانية: أنها لم تكن أ عظم مما كانت ، والثالثة: أنني أرجو ثواب الله عليها .
وفي الحديث الصحيح:
" ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه "، متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم:
" من يرد الله به خيراً يصب منه "، رواه البخاري .
وقال عليه الصلاة والسلام:
" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط "، رواه الترمذي ، وفي رواية أخرى: " إذا أحب الله عبداً ابتلاه فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط "، وفي حديث آخر: " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد عليه البلاء وإن كان في دينه خفة خفف عنه البلاء " ... " وإن الله ليبتلي العبد حتي يمشي على الأرض ما عليه من خطيئة ".
فالمصائب تكفير للسيئات أو رفع للدرجات ، وحلاوة الثواب تنسي مرارة العذاب ، وإذا كان الله أخذ فكثيراً ما أعطى ، وإذا كان ابتلى فكثيراً ما عافى ، كما قال عروة ابن الزبير رحمه الله تعالى . وفي الحديث الصحيح: " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وان أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " ، رواه مسلم عن صهيب بن سنان الرومي .
وأخرج الطبراني بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان فيصب عليهم الأجر صباً حتى إن أهل العافية يتمنون في الموقف أن أجسادهم قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله تعالى ".
وفي الحديث القدسي الجليل عن رب العزة والجلال جل جلاله: " إذا ابتليت عبدي بمصيبة في ماله أو في ولده أو في جسده واستقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً أو أنشر له ديواناً وأدخله الجنة بغير حساب "، ومصداق ذلك قوله تعالى:
( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .
وإذا أصيب المسلم بمصيبة فإنه يستقبلها بصبر جميل ، والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه إلى أحد من الخلق ، كصبر أيوب ويعقوب عليهما السلام:
( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) .
وعن كعب الأحبار أنه قال: من بات يشكو مصابه إلى الناس فإنما يشكو ربه .
وإذا شكوت إلى ابن آدم فإنما = تشكو الرحيم إلى من لا يرحم
أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك ؟. أخرج الطبراني وابن مردويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أعطيت أمتي شيئاً لم يعطه أحد من الأمم أن يقولوا عند المصيبة: ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) . وفي الحديث النبوي الشريف: " ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول كما أمره الله: ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها "، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
والموت مصيبة ... كما قال تعالى: ( أو ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت ) والمصيبة واحدة فإذا جزعت فهما مصيبتان ، المصيبة عينها ، وفقدت الأجر عليها ، وهو أعظم من المصيبة . ومصائب قوم عند قوم فوائد ، وفي الحديث الشريف:
" من أصيب بمصيبة فليذكر مصابه بي " .
اصبر لكل مصيبة وتجلد = واعلم بأن المرء غير مخلد
وإذا أصبت بمصيبة تفزع لها = فاذكر مصابك بالنبي محمد
اللهم رضنا بقضائك ، وصبرنا على بلائك ، وأوزعنا شكر نعمائك .
اللهم آمين ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
فياض العبسو .