جابر نصار يكتب: البرلمان فى مشروع الدستور يبقى الوضع على ما هو عليه
كتب : جابر نصار الخميس 20-12-2012 10:07
طباعة
2
مخاوف من استمرار مجلس الشورى في الدستور الجديد
جاء تنظيم السلطة التشريعية فى مشروع الدستور صورة طبق الأصل من دستور 11 سبتمبر ، وتكاد تتطابق النصوص والخيارات الدستورية مع بعضها البعض، مع تمييز نصوص المشروع، والحق يقال بركاكة الأسلوب وضحالته وإسهابه فى تفصيلات لا تتضمنها الدساتير عادة.
لقد غابت كل آمال الإصلاح عن هذه النصوص. وعلى الرغم من أن أغلب هذه النصوص جاء بائساً وتكراراً لذات النمط التنظيمى لما ورد فى دستور 1971، فإننا سوف نشير إلى موضعين أساسيين فى هذا المقال.
أولاً: لقد كان المصريون يريدون إلغاء مجلس الشورى، لما له من سابق ماضٍ بغيض فى تغيير الحقوق والحريات، وضياع وانتهاب المال العام. فقد كان محلاً لكى يستودع فيه النظام كل من يخدمه ويؤيده لكى يكافئة ويصبغ عليه من المكافآت والمرتبات والحصانات والمميزات، ولكن الجمعية، انصياعاً لمن يملك الأغلبية فى مجلس الشورى وفى الجمعية، لبّت رغبة أهل الحكم فى الإبقاء على مجلس الشورى، الذى احتضن الجمعية بين قاعاته وأطعمها ويسَّر لها أمرها حتى أصبحت المطالبة بإلغاء المجلس والاكتفاء بمجلس واحد أمراً يُساق من بعض الأعضاء على استحياء شديد وبالغ.
وعندما قررت الجمعية فى جلسة عامة برئاسة رئيسها مناقشة الإبقاء أو إلغاء مجلس الشورى، وكان ثمة اتجاه يرى إلغاءه، تم إرجاء المناقشة حتى يأتى رئيس مجلس الشورى أو مَن يمثله لكى يقنع الأعضاء بالإبقاء على مجلس الشورى، وهو ما كان فى جلسة لاحقة، وكان لدى إدارة الجمعية والتيارات الفاعلة فيها الإبقاء على المجلس، فتم حرث أرض المناقشة كما خططوا حتى أصبح من يريد إلغاء هذا المجلس قلة قليلة غلبها الحياء فى عرض حججهم فى إلغاء المجلس.
فقد واكب اجتماعات الجمعية التأسيسية تألق مجلس الشورى برئاسة السيد الدكتور أحمد فهمى فى السيطرة على الصحف القومية وضمان ولائها، بدلاً من تأكيد استقلالها بعد الثورة. ومن هنا فقد لاح لأهل الحكم والتحكم فى مصير الصحف والمنابر الإعلامية أهمية مجلس الشورى، ومن ثم فلا بديل عن إبقائه. ولما كانت قد بدت براعة المجلس فى تأميم التعيينات فى الصحف وفى المجلس القومى لحقوق الإنسان لصالح من يحكم، فلا بأس أن يضاف إلى ذلك اشتراط موافقته فى تعيين رؤساء الأجهزة المستقلة، وفقاً لما جاء فى الباب الرابع بمشروع الدستور، بل زاد الكرم وفاض، حين قررت المادة «230» من الأحكام الانتقالية النص على أن يتولى مجلس الشورى القائم بتشكيله الحالى سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور حتى انعقاد مجلس النواب الجديد.
فمن المعروف أن انتخابات مجلس الشورى لم يكن لها أى زخم شعبى، بل إن هذا الشعب العبقرى قد قاطع هذه الانتخابات، ولم تزد نسبة الحضور فى انتخاباته فى أحسن الفروض على 7%، كما أعلن. ولذلك فقد سيطر على هذا المجلس فصيل واحد، ولن تفلح التعيينات به فى معادلة الميزان الماثل فيه. ومن ثم فإن الحقيقة المؤلمة هى أن هذا المجلس بتشكيله غير الممثل للأمة المصرية هو الذى سوف يتولى التشريع بعد إقرار مشروع الدستور، وهو ما يعنى أن أهم القوانين التى سوف يُصدرها فصيل واحد، وهو يعنى أن هذا النص المشار إليه، وهى نص المادة «230» من مشروع الدستور يتضمن فى حقيقة الأمر انحرافاً فى التشريع الدستورى.
والأغرب والأعجب هو ما يسوقه البعض فى الحوار والمفاوضة مع قوى سياسية لكى تقبل التعيين فى هذا المجلس، لكى يستكملوا ديكوراً يرونه لازماً لتسويق هذا الانحراف التشريعى الدستورى، والذى سوف يؤدى إلى أزمات، وليس أزمة واحدة. وإن هذا الذى يحدث يؤكد أن ممارسة السلطة وفقاً للاستئثار بها والاستحواذ الكامل عليها كما كان يفعل النظام السابق إنما سوف يؤدى إلى أُفق مسدود دونه أحلام شعب فى الديمقراطية والعيش والكرامة الإنسانية. وإن الإصرار على هذا النمط من ممارسة السلطة لم يعد يُقنع الشعب المصرى الذى ثار على نظام ونمط ممارسة استبدادى، ولم يثُر فقط على شخص لكى يستبدله بشخص.
إن الإصرار على إعادة تخليق وتصنيع المؤسسات الدستورية التى كانت فى ظل دستور 11 سبتمبر 1971 بنفس الآليات وبنفس الروح وبنفس الاختصاصات تقريباً لن يُغير من واقع الاستبداد فى الدولة المصرية شيئاً.
إن الإصرار على بقاء مجلس الشورى وإعادة صياغة دوره واختصاصاته بصورة لا تختلف كثيراً عما جاء فى تعديلات دستور 1971 فى سنة 2007، يؤكد أن هذه التعديلات قد جاءت لمواجهة مطلب شعبى ترسخ فى يقين الرأى العام، وهو إلغاء مجلس الشورى والاكتفاء بمجلس واحد، فالمشروع سواء فى الاختصاصات التى وسدها إلى المجلس وكذلك الطريقة التى نظمها لفض الاشتباك بينه وبين مجلس النواب «الشعب سابقاً» لم يختلف كثيراً عما جاء فى تعديلات 2007.
ثانياً: استصحاب نفس الحكم الذى كان وارداً فى دستور 1971، الذى كان يتعلق بصحة اتخاذ مجلس النواب أو «الشورى» قراراتهما بأغلبية الحاضرين أياً كان العدد.
ما زالت عالقة بذهنى تلك الصورة البائسة لمجلس الشعب المصرى فى جلسة شهيرة تمت فى جوف الليل، وتم فيها إقرار القانون رقم 93 لسنة 1995، والذى صدر لتقييد حرية الصحافة أو تشديد العقوبات فى جرائم النشر، والذى انتفض الصحفيون ونقابتهم ضده فى صورة غير مسبوقة، والتى أدت إلى إلغائه وإصدار القانون 96 لسنة 1996 نتيجة هذه الاحتجاجات، وهى واقعة مشهورة ومعروفة، ذلك أن هذا القانون قد أُقر فى جلسة بمجلس الشعب -آنذاك- بحضور 57 عضواً فقط، وعندما انفضح أمر هذه الجلسة، قالوا إن الدستور وفقاً للمادة 107 لا يشترط أن يبقى الأعضاء فى الجلسة، وأن إصدار القانون محل الأزمة، وإن صدر فجأة، ونوقش رغم خطورته واتصاله بحرية الرأى والتعبير فى جلسة واحدة تمت فى جوف الليل مساء يوم 27 مايو 1995 لم يحضرها إلا 57 عضواً من أعضاء المجلس، وافق على القانون 45 عضواً وعارضه عشرة أعضاء، وامتنع عضوان عن التصويت، جاء متطابقاً مع نفس المادة «107»، التى تنص على أن:
«لا يكون انعقاد المجلس صحيحاً إلا بحضور أغلبية أعضائه، ويتخذ المجلس قراراته بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وذلك فى غير الحالات التى تُشترط فيها أغلبية خاصة. ويجرى التصويت على مشروعات القوانين مادة مادة».
وهذا النص فى غاية الأهمية والخطورة، وإذ إنه يشترط لانعقاد المجلس انعقاداً صحيحاً حضور أغلبية أعضائه، أى «نصف الأعضاء + واحد»، وبعد ذلك نص على أن يتخذ المجلس قراراته فى هذه الحالة بالأغلبية المطلقة للحاضرين، فماذا يقصد النص الدستورى بالحاضرين؟
هل يقصد بالحاضرين الأعضاء الذين انعقدت بهم جلسة المجلس، أى «النصف + واحد»؟ أم أنه يقصد بهم من يتبقى فى المجلس بعد أن انعقدت الجلسة صحيحة وتسرب من تسرب؟
إن الأخذ بأحد التفسيرين يرتب نتائج مختلفة تماماً، فإذا أخذنا بالتفسير الأول يعنى ضرورة التزام الأعضاء الذين انعقدت بهم الجلسة صحيحة بالوجود داخل قاعة المجلس، ونظر جدول الأعمال، ومن ثم لن تصح أعمال المجلس إلا بأغلبيته المطلقة، أما القول بالتفسير الثانى، فيعنى أن نِصاب صحة انعقاد الجلسة هو الأغلبية أى «النصف + واحد»، أما اتخاذ المجلس قراراته، فيكون بالأغلبية المطلقة للحاضرين فعلاً مهما تضاءل عددهم فقد يكونون خمسين عضواً وقد يكونون ثلاثة، وتبقى موافقة اثنين منهما كافية لإصدار القانون. فهل هذا ما يقصده الدستور؟
وبهذا الخصوص نصت اللائحة الداخلية للمجلس فى المادة «253» على أنه «مع مراعاة ما ورد بشأنه نص خاص لا يكون انعقاد المجلس صحيحاً إلا بحضور أغلبية أعضائه..»، وأردفت المادة «254» على أنه «إذا بدأ اجتماع المجلس صحيحاً استمر كذلك، ولو غادر بعض الأعضاء الحاضرين قاعة الجلسة، وللمجلس فى هذه الحالة أن يستمر فى مناقشة الموضوعات المعروضة عليه بعد تنبيه رئيس المجلس الأعضاء إلى الحضور لقاعة الجلسة. ولا يجوز للمجلس فى جميع الأحوال أن يتخذ قراراً فى المسائل غير الإجرائية البحتة، إلا بحضور أغلبية أعضائه، وذلك دون إخلال بأى نص يشترط عدداً أكثر من ذلك لصحة الاجتماع».
وعليه فإن نص المادة «254» قاطع فى الأخذ بالتفسير الذى يقضى بأن شرط صحة انعقاد المجلس، وهو حضور أغلبية أعضائه أى «النصف + واحد»، هو شرط «استمرار صحة أعمال المجلس واتخاذه لقراراته».
على أن التفسير الآخر، والذى يعنى أن قرارات المجلس تصح بأغلبية الحاضرين بعد انعقاد الجلسة صحيحة، حتى ولو تسرب أغلب الحاضرين، هو الذى كان مطبقاً فعلا فى مجلس الشعب، ومن ثم فإنه بمجرد انعقاد الجلسة انعقاداً صحيحاً بحضور أغلبية أعضاء المجلس، وهم حسب نص المادة الأولى من قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 والمعدّلة بالقانون رقم 201 لسنة 1990 وهم 454 عضواً. أى أن الجلسة تنعقد صحيحة بحضور 228 عضواً، وبمجرد فوات لحظة الانعقاد تصح قرارات المجلس بأغلبية الحاضرين.
وقد كان من الواجب أن يأتى مشروع الدستور ويعالج هذه الإشكالية التى قللت من فاعلية مجلس الشعب، ولكن للأسف الشديد جاءت المادة «96» فى المشروع، ولم تختلف فى شىء عن المادة «107» إلا فى الرقم الذى تحمله. حيث نصت على أنه لا يكون انعقاد أىٍّ من مجلس النواب والشورى صحيحاً، ولا تُتخذ قراراته إلا بحضور أغلبية أعضائه.
وفى غير الأحوال المشترط فيها أغلبية خاصة، تصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للحاضرين..».
يا إلهى.. تانى نعود مرة أخرى إلى نفس النص الدستورى الذى قلل من فاعلية البرلمان، وأدى إلى عدم التزام أعضائه بحضور الجلسات والمناقشات الجدية فى المجلس، بما يكفل للحكومة تمرير أى مشروع قانون، وفى أى وقت، وهو ما أدى إلى ضعف البرلمان وانعدام كفاءته التشريعية، وأدى بالبرلمان لأن يقع فى دائرة التأثير المباشر للسلطة التنفيذية، وتحديداً رئيس الجمهورية، وقد أدى ذلك إلى أن التشريع فى مصر لا يخرج من رحم منضبطة، فسلطة التشريع لدنيا لا تُشرع وهى متأثرة بالاعتبارات السياسية للحكومة، وإنما هى مدفوعة بها. وذلك على الرغم من أهمية الوظيفة التشريعية للبرلمان، على أساس أن أى إصلاح فى المجتمع، سواء أكان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً هو فى حقيقته إصلاح تشريعى. وهو ما لم يمكن أن يتحقق فى مصر فى ظل هذا المشروع لأنه لم يتغير شىء، فقد احتفظ بكل ما هو سيئ فى دستور 11 سبتمبر 1971.
ولله الأمر من قبل ومن بعد..
التاريخ لن يرحم..