26 فبراير 1979.. استشهاد سعد إدريس حلاوة
في مثل هذا اليوم عام 1979 وقع على المستوى الرسمي حدث مهم فى تاريخ مصر، فقد استقبل الرئيس السادات إلياهو بن يسار أول سفير إسرائيلي في مصر، مؤذنًا ببداية علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين، رغم احتلال إسرائيل للأراضي العربية. كان قدوم سفير إسرائيلي لمصر أمرًا مرفوضًا على المستوى الشعبي، وأعلنت كل جموع الشعب رفضها لهذه الخطوة، وعبروا عن ذلك بالمظاهرات، لكن النظام مضى في إتمام مسيرة التطبيع مع إسرائيل تنفيذًا لبنود معاهدة كامب ديفيد.
كان هناك شاب من بين ملايين المصريين عبر عن رفضه بطريقة أخرى، شاب مولود عام 1947، من قرية أجهور الكبرى مركز طوخ بمحافظة القليوبية، جن جنونه وهو يستمع لنشرة أخبار الصباح، والتي جاء في صدرها خبر استقبال السادات للسفير الإسرائيلي لاعتماده في مصر.
هذا الشاب هو سعد إدريس حلاوة ، نهض فور سماعه الخبر، وتوجه إلى الوحدة المحلية بقريته وبحوزته رشاش محلى الصنع، وراديو صغير مما يحمل بالجيب، ومكبر صوت، ثم قام باحتجاز اثنين من موظفي الوحدة المحلية، ومن خلال الميكرفون أخذ يذيع بعض الأغاني الوطنية ليتجمع أهالي القرية محيطين بالوحدة المحلية، ثم قال بأعلى صوته في الميكرفون إن السادات قد خان الوطن وباع شهداءه بأرخص الأثمان، وإن استقبال السفير الإسرائيلي اليوم بمصر لهو أكبر عار سيظل يعاني منه الشعب المصري.
انتشر خبر الواقعة في جميع أرجاء البلاد، وما هي إلا ساعات ووصلت إلى القرية جميع وكالات الأخبار العالمية، وأحاط بالمكان أكثر من 20 عربة أمن مركزي، وبصحبتها مدير الأمن، وقيادات جهاز أمن الدولة، وبعض القناصة، وطلبوا من سعد تسليم الموظفين المحتجزين، ومن ثم تسليم نفسه، لكنه رفض، وأخذ يردد نفس الكلام السابق في الميكرفون، لم تلجأ قوات الأمن إلى أية وسيلة ضغط، ولو إعطائه مزيدًا من الوقت فهو كان بمفرده ومتوقع أن يغالبه النوم آخر اليوم، لكن وقتهم الثمين لم يسمح بذلك، تم إنذاره لآخر مرة بتسليم نفسه وإلا سوف ي***وه، لكنه كان يصرخ فى ميكروفونه بأنه لن يبرح مكانه قبل طرد السفير الإسرائيلي، وإذاعة خبر طرده في الإذاعة ليسمعه بواسطة راديو الجيب الذي معه، فاعتبر رجال الأمن أن الشاب يهذي، وفي ثوان تم إطلاق زخات من الرصاص الحي، فسقط سعد قتيلًا .. عفوًا سقط شهيدًا.
وفي اليوم التالي خرجت صحف النظام كلها تسوق للناس هذا الخبر: "مجنون يحتجز موظفي الوحدة المحلية بقرية أجهور"، وكتب عنه نزار قباني قصيدة مؤثرة قال فيها عنه: هو كلام مصر الممنوعة من الكلام.. وصحافة مصر التي لا تصدر.. وكتاب مصر الذين لا يكتبون.. وطلاب مصر الذين لا يتظاهرون.. ودموع مصر الممنوعة من الانحدار.. وأحزانها الممنوعة من الانفجار.
|