اا ... الأفعى والمزارع ... اا -- قصة قصيرة
"إن من الأحداث ما يجعل الإنسان أكثر شكراً لله لعدله وحكمته "
يحكى أنه كان هناك رجل فاحش الثراء كان يملك العديد والعديد من البساتين ولكن كثرة أعماله استدعته إلى ترك أحد أهم بساتينه لبعض من ذوي الخبرة والأمانة وكلف أحدهم بأن يرأس جميع العاملين به وترك له البستان بما يحتويه من أشجار فكانت هناك أشجار مضيئة ومليئة بالثمار وكان هناك أيضاً أشجاراً ما تزال صغيرة أوراقها متساقطة و بها ثمار قليلة ولكنها ليست مثل بقية الأشجار.
اتجه المكلف من قبل صاحب البستان أن يجعل مسابقة بين جميع المزارعين وتم الترشيح وكان هناك عدد لا بأس به من المرشحين ; كلف خمسة من المزارعين بعناية خمس أشجار منها ما هي صغيرة ومنها متساقطة الأوراق ومن هنا بدأ المزارعين البحث عن الطريقة الحسنة لرعاية تلك الأشجار وجعلها أفضل الأشجار ثماراً وأجملها منظرا ، بدأ الكد والجهد ، ترك المزارع المكلف بأحد الأشجار اليابسة الأوراق كل أعماله وتفرغ لها ، بدأ في تنظيف الأرض من جوارها ووضع لها الأسس الدراسية التي تجعلها تأتي بثمارها ، ووضع قانون لكل من يريد أن يقترب منها ويتذوق ثمارها بعد أن تنضج ومن هنا بدأت تغير المحيط المجاور لشجرته ، بدأ يمدها بالسماد ، وأخذ يقلم أطرافها وما هي إلا شهور معدودة حتى بدأت الأوراق تظهر والبراعم تتفتح والأزهار تزهو وتخرج الريح الطيبة ومن ثم تحولت الأزهار إلى ثمار صغيرة ما تزال تحتاج العناية ، كان كل ذلك ببعض المساعدات ممن رشحوه ليتولى أمرها وحينما أتت الشجرة ثمارها وأستلذ الجميع بطعم ثمارها بدأت الغيرة الحمقاء تقود البعض نحو طريق الحقد اللا محدود على الرغم من أنهم يسيطرون على كامل البستان ولكن إذا دخل البستان زائر يرى تلك الشجرة فيستظل بظلها ويريد التعرف على المزارع الذي قادها إلى أن أصبحت كما هي الآن ، سرعان ما أتته أحد الأفاعي جميلة المنظر ولكنه لم يكن يرى منها إلا الخير ، قامت بزرع السم في أحد الثمار فسارع المزارع في قطفها والإلقاء بها خارج المحيط الذي يحيط بشجرته ولومها على ذلك فهي القدوة لمن تبقى ممن يحملون الثقة ولكنها نفثت سمها وبدأت تدور حول الشجرة لبست عباءة التقوى وبدأت تزرع السم في طعامه وشرابه مما قاده إلى الأرق القليل لأنه محصن ببعض من المناعة ضد هذا السم ، فرأى المكلفون على البستان أنه مريض بعض الشيء فبدئوا يسندون الشجرة لأحد المزارعات التي تأخذ بيده ومن ثم أسندوا إليهم مزارع أخر يمتلك نفس صفات المزارع الأول ولكنه يفوقه بأسلوبه في الكتمان وعدم الإفصاح عما بداخله فهكذا يريدون الناس . بدأت الأفعى صاحبة السم المحلى الاهتمام بثمرة الفتنة والبغض وحينما نضجت قامت بعمل حفلة صغيرة لمن وكلوا بالبستان أطعمتهم من ثمارها وروتهم من شهدها الممزوج بالرياء ، وإذ بهم بعد أن تناولوا الطعام والشراب اجتمعوا على إقصاء هذا المزارع الذي اهتم بالشجرة وجعلها من أجمل الأشجار رونقاً وجمالاً وثمارها شهد مذاقها ، استغلوا تركه البستان معتمداً على من كلفوهم معه برعاية الشجرة المحبوبة حيث أنه كان لابد من الخروج لإحضار بعض العقاقير لنفسه نتيجة لما فعلته الأفعى في طعامه وشرابه ولكنه لم يتركه إلا بعد أن استأذن ممن وكل له رعاية البستان بالكامل ، وحينما رجع وجد الولاية تغيرت وحل محله شخص أخر ، تبدلت معه السياسات ولم يكن على دراية بما حدث فمنذ أكثر من ثلاثة أعوام كان هناك شجرة يابسة يشمئز منها الناظرين وتلك الشجرة نفسها الآن أصبحت الأكثر لمعانا وبريقا ولكنه أتي وهو لا يعلم أصلها ولم يرها من قبل ولهذا ظن أن الأفعى هي من زرعت ومن ساعدتهم على الارتقاء ليحلوا محل هذا المزارع المناضل هم من شيدوا لها هذا المنظر ومن سهروا على رعايتها ، ولهذا قام بغلق الباب في وجه المزارع حينما أتاه ليستظل بظل شجرته التي تعب في رعايتها طيلة الأعوام الثلاثة السابقة .
وبعد فترة ليست بكبيرة انتشر سم الأفعى في جذور الشجرة نفسها وليست تلك الشجرة فحسب فهناك الثقة التي أعطيت لها برعاية كامل أشجار البستان نظراً لما رآه الراعي الجديد المكلف بالبستان والبستان يزهوا ويزدهر والثمار جميلة المنظر ذات بريق جذاب وفجأة بدأ الكثير من المزارعين ترك البستان واحد تلو الأخر وفي نفس الوقت الأشجار تتلألأ والثمار تنضج نتيجة للسم المحلى ! وبدأت الأفعى ورفاقها من السيطرة على البستان ولكن بعد فترة من الوقت قل عدد الزائرين للبستان وعدد المقدمين على شراء ثمارها لا نعلم لما على الرغم من جمال المنظر ، وفي يوم حل الليل الحالك وغابت الشمس لسويعات قليلة فظن الناس أنها نهاية الأرض كلها ولكن مع ظهور أول شعاع شمس هلت ريح عاتية أطاحت بجميع الثمار وتساقطت الأوراق وجلس صاحب البستان يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية وندم على إسناده البستان لمن ليسوا أهله لذلك . قام بتغيير الجميع وبدأ يشاهد بنفسه الأكثر جهداً وأسند إليه المهمة وكان الندم رفيق من تبدل حيث أنه كان يأمل بأن يخلد ولكنه نسى أن الدنيا لا تدوم لأحد .
صبــراً جميــــلاً فالإلــــه العادل ..
لم يترك الطاغوت يبني سور بيت
حتماً سترحل لا يغرك منصبك
لو دامت الأمجاد للأفراد
ما وصلت إليك
ضياء الدين سعيد
صوت الحق