قال كل خطوة منتهى أقصى بصره فسار وسار معه جبريل عليه السلام فأتى قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء المهاجرون في سبيل الله يضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيئا فقال يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة قال ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام عن الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها قال ما هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين تتثاقل رؤسهم عن الصلاة قال ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام عن الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها قال ما هؤلاء يا جبريل قال ه ؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضج طيب ولحم آخر خبيث فجعلوا يأكلون من الخبيث ويدعون النضج الطيب فقال يا جبريل من هؤلاء قال هذا الذي يقوم وعنده امرأة حلالا طيبا فيأتي امرأة الخبيثة فتبيت معه حتى يصبح ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها شيء إلا قصعته يقول الله عز وجل (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون)
ثم مر على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يريد أن يزيد عليها قال يا جبريل ما هذا قال هذا رجل من أمتك عليه أمانة لا يستطيع أداءها وهو يزيد عليها
ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء قال يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء خطب الفتنة
ثم أتى على حجر صغير يخرج منه نور عظيم فجعل النور يريد أن يدخل من حيث خرج ولا يستطيع قال ما هذا يا جبريل قال هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم عليها فيريد أن يردها ولا يستطيع
ثم أتى على واد فوجد ريحا باردة طيبة ووجد ريح المسك وسمع صوتا فقال يا جبريل ما هذه الريح الباردة الطيبة وريح المسك وما هذا الصوت قال هذا صوت الجنة تقول يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثر عرفي وحريري وسندسي وإستبرقي وعبقري ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي وأباريقي وفواكهي وعسلي وخمري ولبني فائتني بما وعدتني فقال لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحا ولم يشرك بي شيئا ولم يتخذ من دوني أندادا ومن خشيني آمنته ومن سألني أعطيته ومن أقرضني جزيته ومن توكل علي كيفيته وأنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد (قد أفلح المؤمنون إلى تبارك الله أحسن الخالقين) قالت قد رضيت
ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا قال يا جبريل ما هذا الصوت قال هذا صوت جهنم يقول ائتني بأهلي وما وعدتني فقد كثر سلاسلي وأغلالي وسعيري وزقومي وحميمي وحجارتي وغساقي وغسليني وقد بعد قعري واشتد حري فأتني بما وعدتني فقال لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة وكل خبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب قالت قد رضيت
قال ثم سار حتى أتى بيت المقدس فنزل فربط فرسه إلى صخرة ثم دخل فصلى مع الملائكة فلما قضيت قالوا يا جبريل من هذا معك قال محمد رسول الله وخاتم النبيين قالوا وقد أرسل إليه قال نعم قالوا حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء قال ثم أتى أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم قال فقال إبراهيم عليه السلام الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلا وأعطاني ملكا عظيما وجعلني أمة قانتا لله يؤتم بي وأنقذني من النار وجعلها علي بردا وسلاما
قال ثم إن موسى أثنى على ربه فقال الحمد لله الذي كلمني تكليما واصطفاني برسالته وكلماته وقربني إليه نجيا وأنزل علي التوراة وجعل هلاك آلا فرعون على يدي ونجى بني إسرائيل على يدي
قال ثم إن داود أثنى على ربه فقال الحمد لله الذي خولني ملكا وأنزل علي الزبور وألان لي الحديد وسخر لي الطير والجبال وآتاني الحكمة وفصل الخطاب ثم إن سليمان أثنى على ربه قال الحمد لله الذي سخر لي الرياح والجن والإنس وسخر لي الشياطين يعملون ما شئت من محاريب وتماثيل إلى آخر الآية وعلمني منطق الطير وكل شيء وأسال لي عين القطر وأعطاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي
ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه فقال الحمد لله الذي علمني التوراة والإنجيل وجعلني أبريء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذنه ورفعني وطهرني من الذين كفروا وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن للشيطان عليها سبيل
ثم إن محمدا أثنى على ربه فقال كلكم قد أثنى على ربه وإني مثن على ربي فقال الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ونذيرا وأنزل علي الفرقان فيه تبيان كل شيء وجعل أمتي خير أمة أخرجت
للناس وجعل أمتي أمة وسطا وجعل أمتي هم الأولون وهم الآخرون وشرح صدري ووضع عني وزري ورفع لي ذكري وجعلني فاتحا وخاتما
فقال إبراهيم بهذا فضلكم محمد
قال ثم أتى بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها فأتى بإناء منها فيه ماء فقيل له اشرب فشرب منه يسيرا ثم رفع إليه إناء آخر فيه لبن فشرب منه حتى روي ثم رفع إليه إناء آخر فيه خمر فقال قد رويت لا أريده فقيل له قد أصبت أما إنها ستحرم على أمتك ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليلا قال ثم صعد به إلى السماء
فذكر الحديث بنحو مما رويناه في الأحاديث السابقة إلى أن قال ثم صعد إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال محمد قالوا وقد أرسل إليه قال نعم قالوا حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء فدخل فإذا برجل أشمط جالس على كرسي عند باب الجنة وعنده قوم بيض الوجوه وقوم سود الوجوه وفي ألوانهم شيء فأتوا نهرا فاغتسلوا فيه فخرجوا منه وقد خلص من ألوانهم شيء ثم إنهم أتوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء ثم دخلوا النهر الثالث فخرجوا وقد خلصت من ألوانهم مثل ألوان أصحابهم فجلسوا إلى أصحابهم فقال يا جبريل من هؤلاء بيض الوجه وهؤلاء الذين في ألوانهم شيء فدخلوا النهر فخرجوا وقد خلصت ألوانهم فقال هذا أبوك إبراهيم هو أول رجل شمط على وجه الأرض وهؤلاء بيض الوجوه قوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم قال وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء خلطوا
عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا فتاب الله عليهم
فأما النهر الأول فرحمة الله وأما النهر الثاني فنعمة الله وأما النهر الثالث فسقاهم ربهم شرابا طهورا
ثم انتهى إلى السدرة المنتهى فقيل لي هذه السدرة إليها منتهى كل أحد من أمتك ويخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى
قال وهي شجرة يسير الراكب في أصلها عاما لا يقطعها وإن الورقة منها مغطية الخلق قال فغشيها نور الخالق وغشيها الملائكة
فكلمه ربه عند ذلك قال له سل قال إنك اتخذت إبراهيم خليلا وأعطيته ملكا عظيما وكلمت موسى تكليما وأعطيت داود ملكا عظيما وألنت له الحديد وسخرت له الجبال وأعطيت سليمان ملكا عظيما وسخرت له الجبال والجن والإنس وسخرت له الشياطين والرياح وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وعلمت عيسى التوراة والإنجيل وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذنك وأعذته وأمه من الشياطين فلم يكن له عليهما سبيل فقال له ربه قد اتخذتك خليلا قال وهو مكتوب في التوراة خليل الرحمن وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وشرحت لك صدرك ووضعت عنك وزرك ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي يعني بذلك الأذان وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس وجعلت أمتك أمة وسطا وجعلت أمتك هم الأولون وهم الآخرون وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي
وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم مبعثا وآتيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيا قبلك وجعلتك فاتحا وخاتما
قال وقال النبي فضلني ربي أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ونذيرا وألقى في قلب عدوي الرعب من مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت الأرض كلها لي مسجدا وطهورا وأعطيت فواتيح الكلام وخواتمه وجوامعه وعرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع والمتبوع
ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأنما خرمت أعينهم بالمخيط فلم يخف علي ما هم لاقون من بعدي وأمرت بخمسين صلاة فرجعت إلى موسى
فذكر الحديث بمعنى ما روينا في الأسانيد الثابتة غير أنه قال في آخره قال فقيل له اصبر على خمس فإنهم يجزين عنك بخمس كل خمس بعشر أمثالها قال فكان موسى أشد عليهم حين مر به وخيرهم حين رجع إليه
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير عن أسباط بن نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال لما أسري برسول الله وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير قالوا فمتى يجيء قال يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم يجيء فدعا النبي فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس فلم ترد الشمس على أحد إلا على رسول الله يومئذ وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين يوم الجمعة فلما أدبرت الشمس خاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم ويدخل السبت فلا يحل له قتالهم فيه فدعا الله فرد عليه الشمس حتى فرغ من قتالهم
قلت وقد روي في المعراج أحاديث أخر
منها حديث أبي حذيفة إسحاق بن بشر عن ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس وجويبر عن الضحاك عن ابن عباس وإسحاق بن بشر متروك لا يفرح بما ينفرد به
ومنها حديث إسماعيل بن موسى القواريري عن عمر بن سعد المصري وذلك حديث راويه مجهول وإسناده منقطع وقد أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أنبأنا عبدان بن يزيد بن يعقوب الدقاق بهمدان قال حدثنا إبراهيم بن الحسين الهمداني قال حدثنا أبو محمد إسماعيل بن موسى الفزاري قال حدثنا عمر بن سعد البصري من بني نصر بن قعين قال حدثني عبد العزيز وليث بن أبي سليم وسليمان الأعمش وعطاء بن
السائب بعضهم يزيد في الحديث على بعض عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن عبد الله بن عباس ومحمد بن إسحاق بن يسار عمن حدثه عن ابن عباس وعن سليمان أو سلمة العقيلي عن عامر الشعبي عن عبدالله بن مسعود وجويبر عن الضحاك بن مزاحم قالوا كان رسول الله في بيت أم هانيء راقدا وقد صلى العشاء الآخرة
قال أبو عبد الله قال لنا هذا الشيخ وذكر الحديث فكتبت المتن من نسخة مسموعة منه فذكر حديثا طويلا يذكر فيه عدد الروح والملائكة وغير ذلك مما لا ينكر شيء منها في قدرة الله تعالى إن صحت الرواية وفيما ذكرنا قبل حديث أبي هارون العبدي في إثبات المسرى والمعراج لغاية وبالله التوفيق
أنبأنا الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن إبراهيم البزاز قال حدثنا أبو حامد بن بلال قال قال أبو الأزهر قال جابر بن أبي حكيم قال رأيت في النوم رسول الله فقلت يا رسول الله رجل من أمتك يقال له سفيان الثوري لا بأس به فقال النبي لا بأس به حدثنا عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري عنك ليلة أسري بك أنك قلت رأيت في السماء فحدثته بالحديث فقال لي نعم فقلت له يا رسول الله إن ناسا من أمتك يحدثون عنك في المسرى بعجائب فقال لي ذاك حديث القصاص