[محمد حسن ضبعون]

كثيرة هي الدلائل التي تؤكد أن مصر كانت ومازالت وستظل حاضنه للحضارات والثقافات والأديان التي تتعايش علي أرضها في سماحة..
وهذه الدلائل تؤكد أن مصر لم تعرف يوماً التمييزعلي أساس عرقي أو ديني ..
ويكفى أن ننظر إلي الفن المصري الذي قدم نموذجا رائعا لطبيعة الشعب المصري بتحضره وتسامحه وتعايشه مع الآخر و الأمثلة كثيرة
نجيب الريحاني
نصب نجيب الريحاني زعيماً للكوميديا المصرية وزعيماً للسخرية الراقية التي غاصت في أعمق أعماق المجتمع المصري ومازال نجيب الريحاني رغم رحيله عام 1949 م صاحب مدرسه ينهل منها كل نجوم الكوميديا في مصر والعالم العربي كل بقدر موهبته وكل بقدر رؤيته للكوميديا ودورها.
لم يسأل أحد في مصريوما عن أصل نجيب الريحاني ( ولد لأب من أصل موصلي كلداني مسيحي اسمه "إلياس ريحانة" يعمل بتجارة الخيل فاستقر به الحال في القاهرة ليتزوج سيدة مصرية قبطية أنجب منها ولده نجيب) ولم يسال أحد يوماً عن ديانة نجيب الريحاني ولم يفاضل أحد يوما بينه وبين يوسف وهبي علي أساس عرقي أو ديني .
أندمج نجيب الريحاني الذي ولد في حي باب الشعرية ودرس بمدرسة الفرير والتحق بعد حصوله علي البكالوريا للعمل ككاتب حسابات في شركة السكر بنجع حمادي براتب شهري قدرة 6 جنيهات شهرياً غير أنه ترك الوظيفة والمرتب الكبير في هذا الوقت وأتجه لشارع عماد الدين ليبدأ رحلته مع التمثيل والفن مع توأمه ورفيقه في رحلة الإبداع ( بديع خيري ) وقدم العديد من الروايات والمسرحيات منها ( الجنيه المصري )عام 1931و(كشكش بك في باريس) و (إلا خمسة )عام 1943 ، (حسن ومرقص وكوهين ) عام 1945وقدم 10 أفلام من أشهرها سلامة في خير عام 1937و سي عمر عام 1941 وأحمر شفايف 1946 ولعبة الست 1946و أبو حلموس 1947وغزل البنات عام 1949 وهو الفيلم الذي جمع العديد من نجوم مصر منهم عبد الوهاب، ليلى مرا، أنور وجدى، يوسف وهبي ،محمود المليجي وفريد شوقي وتوفي في هذا العام ليبقي في ذاكرة مصر وشعبها كعميد للكوميديا الاجتماعيه الساخرة .
استيفان روستي
يقدم الفنان استيفان روستى دليلا آخر على قدرة مصر علي التعايش مع الآخر وقبوله ، فاستيفان روستى أوروبي من أب نمساوي كان يعمل سفيرا للنمسا في القاهرة ومن أم ايطاليه لكن مصر بجاذبيتها وعبقريتها حولته إلي ممثل مصري بامتياز.بدع في تجسيد شخصية الشرير خفيف الظل .. بدأ حياته الفنية كمخرج سينمائي ومن أشهر الأفلام التي أخرجها " البحر بيضحك ليه " عام 1927 و " عنتر أفندي " 1935 و " الورشة " عام 1940 و " ابن البلد " 1942م و " جمال ودلال " 1945 ، غير انه اكتسب شهرته من أسلوبه الفريد في التمثيل وقدرته على تقمص كل الأدوار ومن الأفلام التي قدمها " صاحب السعادة كشكش بيه " و " انتصار الشباب " و " سي عمر " و " سلامة " و " شاطئ الغرام " و " وفيروز هانم " و " معلش يا زهر" و " المليونير " و " سيدة القصر " و"الحقيبة السوداء " وتوفي عام 1964 بعد أن حفر اسمه في تاريخ السينما المصرية .
عبد السلام النابلسي
حفر عبد السلام النابلسي اسمه في سجل نجوم الكوميديا في مصر والعالم العربي ونجح في أن يجعل اسمه القاسم المشترك في غالبية الأفلام المصرية علي مدي عقود سواء أفلام عبد الحليم حافظ " شارع الحب " و " يوم من عمري " وأفلام فريد الأطرش وعمر الشريف وفاتن حمامة وإسماعيل يس .. كان جده قاضيا لنابلس وهو نفس المنصب الذي شغله والده بعد ذلك .. بعثه والده إلي القاهرة للدراسة في الأزهر الشريف نبع السماحة وفيه حفظ القرآن الكريم كاملا وبرع في اللغة العربية إلي جانب اللغتين الانجليزية والفرنسية اللتين اتقنهما في لبنان .. اشتغل في الصحافة الفنية والأدبية في صحف " مصر الجديدة " و " اللطائف المصورة " و " الصباح " وبدأ التمثيل في فيلم " غادة الصحراء " و " العزيمة " للمخرج كمال سليم عام 1939 ثم توالت أعماله التي دخل بها قلوب المصريين والعرب .
فريد الأطرش
ولد في جبل الدروز بسوريا عام 1910م واحتضنته مصر بعد أن نزح إليها هربا من الاحتلال الفرنسي مع شقيقته الفنانة أسمهان .. في مصر كان الاحتضان لموهبته متعددة الأبعاد كملحن وكمطرب وممثل فقدم مئات الأغنيات التي لحنها لنفسه ولكل المطربين والمطربات المصريين وقدم العديد من الأفلام مع نجمات مصر فاتن حمامة وشادية وهند رستم وميرفت أمين .. غني لمصر التي أحبها وعشقها وأوصى أن يدفن علي أرضها عندما توفي عام 1974 م .
تلك هي مصر التي يقدم فنها نموذجا رائعا لسماحتها وقبولها للآخر .. وما تلك الأسماء التي طرحناها إلا غرفه من نهر السماحة والإبداع المصري الذي سيظل يتدفق عذبا مادام النيل يجري .