عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 12-04-2013, 08:55 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,341
معدل تقييم المستوى: 0
Mr. Ali 1 is an unknown quantity at this point
افتراضي

العولمة والديمقراطية

العولمة هدف مرموق وأساسي لخير البشر. العولمة "الإنسانية" هي في تقارب الشعوب والدول للعيش في سلام ايجابي يستند إلى انفتاح سياسي واجتماعي واقتصادي وعلمي وثقافي وتكنولوجي وأخلاقي وديني. بهذا المسار للعولمة يمكن القضاء على الجوع والتخلف والجهل والفقر والمرض بتحويل بعض طاقات الدول المتقدمة لمعونة الدول الفقيرة والنامية للخروج من مآزقها ورفع مستوى معيشتها.

لكن العولمة في وضعها الحالي تعمل لترسيخ تسلط المنظمات والشركات المالية الدولية والدول الكبرى لفرض شروطها غير العادلة على الدول والمجتمعات الفقيرة والضعيفة. العولمة الحالية تهدد السيادة الوطنية وحرية القرارات الاقتصادية. الدول التي لا تنصاع لشروط صندوق القرض الدولي مثلا لن تحصل على قروض الأموال اللازمة لتنميتها الذاتية. رغم أن هذا الصندوق هو مؤسسة عامة دولية، من المفروض أنها تعمل لمصلحة مموليها من كل دول العالم بهدف الاستقرار الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة للدول النامية . لكن الدول المتقدمة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أيّام الرئيس ريغان وبوش والتأثير الدائم لليمين الأمريكي ، حولت العولمة إلى عولمة أمريكية الأهداف. فهي التي تسيّر أمور الصندوق الدولي والبنك الدولي لمصلحتها الذاتية بالدرجة الأولى وتفرض إرادتها على العالم. لقد تبين في التسعينات من القرن العشرين أن سياسات الصندوق الدولي لعب دورا سلبيا في تفقير وإفلاس كثير من الناس في الدول النامية وإدخال الفوضى في المجتمع والسياسة كما حدث مثلا في المكسيك وروسيا وإندونيسيا وتايلاند والأرجنتين.

لقد دفع الصندوق الدولي والبنك الدولي، الدول النامية إلى إدخال الخصخصة بشكل متسرع دون أي تمهيد ملائم وبعقلية عقائدية دون الأخذ بالنتائج السلبية على المواطنين. ومن الملاحظ أن مدراء هذه المؤسسات المالية الدولية هم أوروبيون أو أمريكيون بالصدفة!

الشركات متعددة ال***يات تحاول التحكم بسياسات الدول النامية لاحتكار أسواقها وفرض شروطها لمنافسة البضائع المحلية بشكل غير متعادل من حيث القوة الاقتصادية التي تملكها. فهي تسهل تحرك السلع والخدمات لصالحها وتساهم بتكوين طبقة غنية بشكل فاحش في الدول الفقيرة تكون تحت سيطرتها وعميلة لها، مقابل أغلبية ساحقة من الناس تحت مستوى الفقر بكثير. كذلك الحال في حرية دخول رؤوس الأموال إلى هذه الدول الفقيرة نسبيا وإمكانية الخروج منها بين ليلة وضحاها تبعا لسوق العملات وغيرها من الأسباب دون أي اعتبار لمصلحة البلد. هذه المؤسسات والشركات الدولية تطلب من الدول النامية التلاعب سلبيا بخطط العدالة الاجتماعية وحماية البيئة وحماية العمّال كما حدث في كثير من دول أمريكا الجنوبية. الديمقراطية في كل هذه المعمعة هي الضحية مع هذه الشعوب المستضعفة.

العولمة الإنسانية والمعقولة لخير البشر لا يمكن أن تكون تسلط من قبل دولة أو بعض الدول على مصير بقية شعوب الأرض. هذه العولمة "الإمبريالية" تزيد من متاعب البلاد الضعيفة وتخلق توترات هائلة للسلام العالمي وحقوق الإنسان. فكرامة الناس وعيشهم في عصر الاتصالات والعلم لا يمكن تجاهله. هذه العولمة يصعب قبولها من الشعوب الواعية باستقلالها وكرامتها. إن استغلال الشعوب بشكل متواصل وبهذه الطريقة لن يدوم. فالرد على هذه العولمة الإمبريالية بدأ فعلا في كثير من دول العالم؛ في آسيا وأمريكا الجنوبية مثلا. وسوف يكبر ويشتد بكل الوسائل لتحرير الشعوب من نير القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

أحادية القطب (الأمريكي) ليست من مصلحة الأغلبية الساحقة من الدول. لأن عنجهية السيطرة تؤدي إلى الغرور بالإقدام على أعمال متهورة كحرب العراق مثلا أو استغلال خيرات الدول المادية والإنسانية وبأبخس الأسعار. أحادية السيطرة لن تدوم طويلا لأن تكتلات كبيرة أخرى هي في طور التكوين لتحد من الإمبريالية الأمريكية وتخلق توازنا لخير السلام العالمي؛ كالمجموعة الأوروبية وتكتلات بعض دول أمريكا الجنوبية والآسيوية. هذه السيطرة الأمريكية وأيضا سيطرة الشركات متعددة ال***يات وعملائهم تناقض بشكل فاضح مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومبادئ الأمم المتحدة. لأنها تفرض على الشعوب شروطا سياسية واقتصادية وثقافية غير عادلة تحد من مصالح الآخرين المشروعة. وتأخر بذلك التحول الديمقراطي في هذه الدول.

التشدق بالعولمة والتكهن بنهاية القوميات ،ومنها طبعا القومية العربية، وسقوط الحدود بين الدول وفتح الاسواق بلا رادع وتحرك رؤوس الاموال بحرية كبيرة... كلام يخدم بالدرجة الأولى القوى المسيطرة على الساحة الدولية اقتصاديا وعسكريا وثقافيا وعلميا. وجود الاتصالات والمواصلات السريعة واختصار المسافات والتجمعات الاقليمية لا يوجد مجتمعا أو وطنا جديدا "معولما" على أرض الواقع. البلاد الحقيقية الواقعية هي دول ذات سيادة موجودة على أرض محددة. توفر الاتصالات بين الافراد والجماعات في العالم وخلق علاقات إنسانية متعددة معهم، لا يضمن تقدم المواطنين في بلدهم. التسارع الكبير في الاتصالات الحديثة نبهتنا الى ضرورة تضامن قومي للحفاظ على اللغة والثقافة والهوية الخاصة لمجتمعاتنا. من مظاهر الامبريالية الثقافية مثلا طغيان اللغة الانجليزية على عالم الاتصالات والثقافة المعولمة على حساب باقي اللغات. كل هذه الاتصالات بين الأفراد والجماعات على كافة المستويات يجب تشجيعها وتنميتها فهي وسيلة من وسائل التقدم والنمو نحو مزيد من الديمقراطية.

من جهة أخرى، على المجتمعات المدنية محاربة هذه العولمة الرأسمالية الاحتكارية وجبروت دولها التي تحميها. من الضروري توسيع المنظمات المدنية المستقلة عن الدول للدفاع عن حقوق الانسان واختراق مقاومة الحكومات غير المبالية بهذا الموضوع في أي مكان كان. هذه الحقوق تعلى على سيادة الدولة. فالإنسان وجد قبل خلق الدولة وقبل الكلام عن السيادة.

هناك مواضيع أخرى، لا حصر لها يمكن لهذه المنظمات المدنية الدولية أن تنشطها وتدفعها لتتدخل في نطاق سياسات الدولة لإيجاد حلول لها، مثل نزع السلاح النووي والتلوث والانحباس الحراري أو القضاء على الامراض والفقر... هذا الانفتاح على كل بلاد العالم يخدم التعايش السلمي ويكسر الحواجز النفسية المبنية أساسا عن عدم معرفة الآخر وعن جملة أحكام مسبقة تكونت منذ التاريخ القديم ولم تزل مترسخة في عقول الناس. تجاوز حدود القوميات المتعنتة والمتعصبة بين البشر تساعد الحكومات على تعايش أفضل ما بينها. تدخل الناس في الامور الدولية ضرورة أساسية للجم نزعات بعض الحكام الذين يتعالون على شعوبهم ويحاولون عزلهم عن التفاعل مع المجتمعات المدنية لبقية الشعوب. لكن تحديد السياسات ووضعها موضع التنفيذ لخير المواطنين يعود الى حكومات شرعية ديمقراطية ومسؤولة في دول ذات سيادة.
لا ينتظر من الدول الكبرى مساهمة نزيهة في الدفاع عن الديمقراطية في البلاد العربية. أمريكا مثلا، تتحالف مع دول كالمملكة السعودية، البعيدة كل البعد عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. هدف أمريكا هو الهيمنة الامبريالية، العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية، والسيطرة على خيرات العرب وخاصة البترول والبيترو- دولار؛ أي عائدات البترول التي تنفق في السوق الغربية. الكلام عن شرق أوسطي جديد وديمقراطي، لا علاقة له بالديمقراطية، هو يعني كما نراه ، تخريب البلاد العربية بتقسيمها إلى دويلات طائفية ودينية ضعيفة. هذا المخطط يخدم بشكل واضح مصلحة إسرائيل بهيمنتها العسكرية على الشرق الأوسط وبالتلاحم الكامل مع الولايات الأمريكية وتبرير وجودها العنصري كدولة يهودية. ثورات الشعوب العربية ضد الاستبداد التي بدأت في تونس ومصر وليبي وسوريا في عام 2011 هو الطريق الصحيح والمستقل لبدء المسيرة الصعبة والشاقة لبناء دول ديمقراطية حديثة سوف تساعد على تقارب وتضامن عربي رغم السيطرة الحالية للإتجاهات الدينية السياسية على هذه الثورات . المستقبل مفتوح أمام خيارات ديمقراطية أكثر نضجا من التيارات الدينية التي سوف تبرهن مع الوقت محدوديتها في تحرير مجتمعاتنا العربية من التخلف .
رد مع اقتباس