ما البديل عن النظام الديمقراطي؟ بديل الديمقراطية نقيضها أي النظام الديكتاتوري الشمولي والسلطوي، علمانيا كان أو دينيا، الذي يملي على الناس في كافة أنشطتهم نوع التفكير والسلوك. هذا النظام يدوم بدوام أصحابه وسلالتهم من عشيرة أو ملّة أو طائفة أو فئة...
رغم كل سلبيات الديمقراطية فهي أرقى من النظام الديكتاتوري وأقرب إلى أماني الشعوب المتعطشة إلى الحرية والحياة الكريمة. سلبيات حكم الفرد والفئة ظاهرة بوضوح، هذا النوع من الحكم يعمل لصالح فئة صغيرة بالدرجة الأولى، ويضع بقية الشعب تحت الوصاية ولا يعتبره راشدا لتسيير أموره وتقرير مصيره. ولكن هذا النظام، عن طريق غسل دماغ المواطنين عن طريق أبواقه الإعلامية، يدعي بهتانا الإصلاح والعمل لخدمة الشعب!
عندما تُستبعد الرقابة على الحاكم يصبح من السهل الانزلاق الى ميدان التعسف وهدر طاقات البلد والعنجهية والسياسات غير المعقولة، كما رأينا في عراق صدّام وفي رومانيا شاوشيسكو وفي كثير من بلادنا العربية وفي بقية العالم الثالث.
الديكتاتورية مكتفية بنفسها ومشبعة من ذاتها تملك الحقيقة والرشد والمؤهلات للحكم المطلق لصالح الشعب! في هذه الاجواء المغلقة يصبح الكذب وتلفيق الحقائق والنفاق والمحسوبية، الثقافة المنتشرة عند الحاكم ومن يدور حوله من المنتفعين.
موضوع التحول إلى الديمقراطية في الأنظمة الديكتاتورية تكمن أساسا في إرادة الناس وشجاعتهم. كل تحول ما، يتطلب مجازفة وتضحيات كبيرة . إرادة التغيير عند شعوب أوروبا "الشرقية" في التسعينات من القرن العشرين مثلا، تمت ونجحت بشكل سلمي، تبعا لإستراتيجية التثقيف الديمقراطي المتواصل والعصيان المدني والمظاهرات والإضرابات.
أما في دول العالم الثالث فالطريق أكثر صعوبة لقلة وضعف الثقافة الديمقراطية. لأن تبديل أو تطوير الفكر والسلوك عملية شاقة وطويلة تحتاج إلى وعي كبير وصمود أكبر. فالقوى الفاشية التي "تملك" البلد وتستفيد من تسلطها السياسي والاقتصادي لن تتنازل عن "مكاسبها" وامتيازاتها بل سوف تقاوم بكل ما تتيحه لها الدولة من جبروت للبقاء و ستحاول القضاء على المطالبين بالتغيير والإصلاح. رغم هذه الصعوبات الجّمة، هناك بوادر ايجابية مساعدة لتسريع الوعي الديمقراطي للشعوب المقهورة. فالإعلام العالمي، بلا حدود، أصبح متوفرا لكافة سكان الارض لمساعدتهم لمقارنة الأنظمة ما بينها وتبيان الفروق الكبيرة في احترام حقوق الإنسان.
العيش في نظام ديمقراطي حديث العهد، لا يعني أن مشاكل البلد سوف تحل تلقائيا وبشكل سحري، بل قد تتحول الامور، في بداياتها غالبا ، إلى صراعات طبقية ودينية... تبعا لمصالح أصحابها. ومن المحتمل أيضا، بسبب سوء الإدارة السياسية والاقتصادية، إلى إحباط الناس من الديمقراطية التي لم تجلب معها تغييرا مرتجى.
الديمقراطية تحتاج إلى عمل متواصل وإلى وقت طويل وصبر أطول. ثمار الديمقراطية لا تجنى على المدى القريب. فهي ثقافة تهذب الفكر والسلوك للعيش مع الآخرين واحترامهم رغم الخلافات العميقة بين طبقات المجتمع سياسيا واجتماعيا. وقبول مبادئ تحول السلطة من فريق إلى آخر بشكل سلمي. تحرر العقول من الخوف يخلق أجواء أكثر ملاءمة لمقاومة إعادة الاستبداد والعمل لإصلاح الامور في الدولة الديمقراطية الفتيّة.
إن كان من الصعب إيجاد حلول شاملة وسريعة في النظام الديمقراطي فإنه من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل، كما يبرهن لنا التاريخ الحديث، إيجاد حلول سليمة ودائمة في ديكتاتوريات سياسية وعسكرية تفرض حكم الأقلية عن طريق الأقلية ولصالح هذه الأقلية.