أين الحقيقة يا إخوان؟
الاثنين 22/4/1434 هـ - الموافق 4/3/2013 م
بقلم - د. صلاح الدين محمد : البحث عن الحقيقة غاية غالبًا لا تُدرك في عالم تميّز بعدم المصداقية خاصّة حين تدّعي أطراف صراع ما الصدق فيما تنتهج، وبين هذا وذاك يبيت الحليم حيرانَ.. من يصدق؟. أغلب الظنّ أن الأطراف المتصارعة دائمًا ما تأخذ من مبرّراتها ما يُكذّب الآخر إمّا بشكل مباشر أو غير ذلك، وما تقدّمه من مبرّرات قد يُصيبه العوار وقد يُصيب الحقيقة، ولكن الحقيقة بين بني البشر لها نسبيّتها كما هو الحال في أغلب الأمور. حتى الحقيقة أصبحت نسبيّة بما يُرهق الباحث عنها، وبما يُضلل مدّعيها.
في الحالة المصريّة بعد ثورة يناير سارت الحقيقة في منحنيات عديدة بل ومنعطفات خطيرة يُدرك معها الفرد منّا أن ثمّة أمورًا لا يعلمها إلا الله بسبب الضبابيّة في كل المشاهد تقريبًا بما يُوحي للمتابع أن الأحوال تتجه إلى مجهولاتها وأن المشهد أمامه الكثير حتى تنجلي ضبابيّته، وربّما نصل للحقيقة فيما بعد من خلال تسريبات لوثائق بعد فوات أوانها أو نقرأها في كتب لتاريخ يكتبه الآخرون عنّا من خلال مواد أرشيفيّة يعمل على تجميعها الغرب عن أحوالنا ونحن لا نكتبها بأنفسنا على غرار برنامج "أرشيفهم وتاريخنا"!
دأب الغرب على التعامل مع حكومات العالم العربي على أنها مادّة غنيّة بالمعلومات السرّية منها والعلنيّة، بل استطاع الغرب من التأثير في القرار العربي على مرّ تاريخه الحديث، وجمع معلوماته، ووثقها وأدرجها في أرشيفاته ولا يعلم عنها المواطن العربي شيئًا إلاّ من خلال وثائق تنشر بعد فوات أوانها وبعد انقضاء جيلها ولا تنجلي الحقيقة في الغالب إلا بهذه الطريقة. فأسرارنا نحن العرب ماهي إلاّ وثائق يجمعها الغرب من فرط صراحة الأنظمة العربيّة معهم، ولا يعلم عنها المواطن العربي أيّ شيء يُذكر حتى يأتي جيل آخر لا يدري كيف ضاع أندلسه، وكيف ازداد فقره وتدهورت صحّته وطغى جهله وأصبحت الحقيقة بالنسبة له كالشبح الذي يُرجى والذي يُصبح بعد عقود حقيقة بعد فوات الأوان.
الحالة المصريّة تحديدًا لا تخرج عن هذا السياق لأن الرئاسة بعد الثورة أصبحت وكأنها صندوق أسود به من الأسرار ما به ولا يطلع عليه أحد من خارج النظام إلا ما أُريد له أن يُعلن، لكن ارتباط الرئاسة بجماعة الإخوان لا يُبشّر بأن نورًا قد يلوح في الأفق بعد ظلام دامس. الغريب أن الرئيس مرسي يحسبه البعض رئيسًا مخلصًا شريفًا نظيفَ اليد، إلاّ أن هذه المواصفات لا تكفي لأن يُدير البلاد كما تُريد البلاد لأن الواضح أن كل فرد في جماعة الإخوان يتحدّث وكأنه ممثل لمكتب الرئاسة، أو على أنه يُمثل الأغلبيّة الشرعيّة التي انتهت بحلّ مجلس الشعب السابق، ويبدو العمل الحثيث من الآن على إعادة تنظيم الجماعة الأكثر تنظيمًا في كل الأوقات بما يُرهق المعارضة الأكثر هشاشة في كل المراحل حتى لا يجد الشعب سوى الإخوان لكي يعطوهم أصواتهم في الانتخابات البرلمانية القادمة.
عودًا على بدء في أمر الحقيقة، فحين نستمع إلى ما يُصرّح به الرئيس ربّما يقرأ البعض صدق الرجل، ولكن حين نستمع إلى آراء أخرى من المنشقين عن الجماعة لأسباب لا تليق بأن يستمرّوا في الانتماء إليها، فهنا تزداد الحيرة، من يملك الحقيقة؟ وحين يشهد شهود انشقوا عن جماعة الإخوان، فلا شك أن أحد الطرفين صادق والطرف الآخر كاذب. من الكاذب خاصّة أن أحد الطرفين يُقدّم الدليل ولا ينفيه الطرف الآخر، بينما لا نستشعر من الطرف الآخر إلا غموضًا على غموض، كما نُتابع سلوكيّاتهم التي تتسم بالغطرسة والادعاء باحتكار المعرفة وسذاجة تحاورهم مع الآخر.
ربّما طريقة نشأة وتربية الإخوان في الجماعة تعتمد على الاجتهاد في أزمنة غاب الاجتهاد عن عامة الشعب، فأصبحت تتميّز عن غيرها من فئات وأحزاب بالقدرة على تحديد الهدف والتنظيم الجيّد الذي يُحقق هذا الهدف، فأصبحوا الأكثر تنظيمًا في محيط مُشتّت، ولكن الخطأ الذي وقعوا فيه أن الوصول لأهدافهم فاجأهم هم أنفسهم، فوصلوا للحكم قبل أن يصلوا إلى أهدافهم، ومع ذلك لم يستطيعوا تحويل البوصلة ولم يُعدّوا للمرحلة كوادرها.
الحقيقة تبقى غائبة بين جماعة الإخوان ومن انشقوا عنها، ومن انشقّ عنها نعهدهم أناسًا من الزمن الجميل أمثال كمال الهلباوي، ومختار نوح وثروت الخرباوي وأبوالعلا ماضي وغيرهم ومنهم من له مواقفه الجيّدة ولم ينشقّ، إلاّ أن الجماعة لا تزال تنظر إلى أن التنظيم لا بدّ له أن يصل إلى حلم الإمام ولكن اختلف الطريق وربّما اختلف المقصد والهدف. إخوان اليوم غاياتهم تُبرّرها وسائلهم في الوصول إليها، مهما كانت النتائج لأنهم على اعتقاد أنهم أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الحلم الأكبر ولكن في سبيل هذا انكشفت وسائلهم لدى الشارع الذي كان يومًا يثق بهم ويتعاطف معهم، ولا أظنّ أنهم بالِغوا مقصدهم بعد أن استعدوا قطاعًا عريضًا من الشعب.
الكثير يعتقد أن الثورة ركبها الإخوان في الوقت الذي لم يتهيأ أيّ طرف آخر للمرحلة التالية، ولكن الشعب استشعر بالدليل القاطع أن الإخوان لا يعملون إلا لصالح مآربهم فقط رغم أن الله آتاهم حكم مصر وهو أكبر مأرب، ففضّلوا انتماءهم للجماعة على انتمائهم لمصر، واستبدلوا الخبيث بالطيّب، وأصبح أبناء الشعب حتى وقتنا هذا كالأيتام على موائد اللئام ولا يزالون يبحثون عن الحقيقة.
http://www.raya.com/home/print/f6451...5-8f5e90cf58f0