الملعوب الإخواني لـ'تطهير القضاء'
الاربعاء 24/4/2013م 08:51ص
صلاح عيسى
انتهت مليونية 'تطهير القضاء' التي دعت إليها يوم الجمعة الماضي، جماعة الإخوان المسلمين، وعدد من فصائل اليمين الديني المتحالفة معها، بصدامات بين الداعين إليها والمشاركين فيها، وبين قوى شعبية وسياسية، نظرت بريبة إلى الهدف من هذه المليونية، واعتبرتها واحدة من سلسلة خطوات تسعى إلي 'أخونة الدولة'، شملت قبل ذلك محاولة 'أخونة الشرطة' و'أخونة الجيش'، و'أخونة الإعلام' وجاء الدور على 'أخونة القضاء'.
وفي تبريرهم للدعوة إلى هذه المليونية، قال الإخوان وحلفاؤهم إن القضاء يتخذ موقفاً معادياً لثورة 25 يناير 2011، ودللوا على ذلك بأن المحاكمات التي جرت لرجال الشرطة المتهمين ب*** المتظاهرين قد انتهت كلها بصدور أحكام بالبراءة، كما برئ جميع المتهمين في قضية التخطيط لـ'موقعة الجمل' الشهيرة، وأن المحكمة الدستورية العليا، قضت بعدم دستورية القانون الذي انتخب على أساسه أول مجلس نيابي بعد الثورة، حصل الإخوان المسلمون وحلفاؤهم علي أغلبية مقاعده، وكانت الدستورية على وشك أن تصدر حكماً بحل 'مجلس الشوري' - الغرفة الثانية للبرلمان - للسبب نفسه، وأن محكمة القضاء الإداري قضت ببطلان التشكيل الأول للهيئة التأسيسية التي أنيط بها وضع مشروع الدستور.. وأوشكت أن تقضي ببطلان التشكيل الثاني لها.. وكانت الأغلبية بين أعضائها في الحالتين للإخوان وحلفائهم.. فضلا عن أن المحاكم أفرجت عن المتظاهرين الذين حاصروا المقر الرئاسي بقصر الاتحادية.
في كل هذه الحالات، وفي غيرها، كان منطق القضاء والذين نزهوه عن تهمة معاداة الثورة، أنه يطبق القانون، ويعتمد على أدلة قدمتها أجهزة جمع الاستدلالات، وعلى تحقيقات أجرتها النيابة العامة، لا تكفي لإدانة المتهمين، بسبب ظروف الفوضى التي تفشت في البلاد في أعقاب انهيار جهاز الشرطة، فأدت إلي عجزه - أو عزوفه - عن القيام بواجبه.. وأن الحل الوحيد في هذه الحالة، هو استبدال 'الشرعية الثورية' بشعار 'الشرعية القانونية'، وإصدار قوانين استثنائية، وتشكيل محاكم استثنائية تحاكم أنصار النظام السابق والعناصر التي ارتكبت جرائم في حق الثوار، وتتحرر من الإجراءات القانونية، وهي فكرة تحمس لها فريق من الثوار في بداية الثورة، لكنها لم تجد تأييداً كافياً، في بلد كانت نخبته السياسية تحتفظ بذكريات سوداء عن 'محاكم الثورة' و'محاكم الشعب' و'محاكم أمن الدولة'، فضلاً عن أنها بدت لهم متناقضة مع الشعارات التي كانوا يرفعونها آنذاك، بإلغاء محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، والمطالبة باستقلال القضاء، وكان الإخوان المسلمون، من بين القوى التي اعترضت آنذاك، علي اللجوء للإجراءات - أو القوانين - الاستثنائية.. ربما لأنهم كانوا من بين الذين ذاقوا مراراتها، وربما لأنهم كانوا يسعون آنذاك، لتحرير كوادرهم وحلفائهم الذين كانوا لا يزالون أسرى في السجون بأحكام صدرت عن هذا النوع من المحاكم.. وربما- وهذا هو الأرجح - لأنهم لم يكونوا واثقين من أنهم سيتولون الحكم، وخشوا أن يطبق عليهم هذا النوع من القوانين، إذا حكم معارضوهم.
وما كاد الأمر يستقر نسبياً للإخوان وحلفائهم حتى انتبهوا إلى 'مفاتن الشرعية الثورية'، وباشروا سعيهم إلى 'أخونة الثورة' انطلاقاً من أن فوز مرشحهم في الانتخابات الرئاسية، هو إقرار من الشعب بأنه قائد الثورة.. وراحوا يتحرشون بالقضاء، فأقحموا على الدستور نصوصاً تمكنهم من تغيير تركيب المحكمة الدستورية.. وشاع الحديث على ألسنتهم بأن كل الثورات قد اتخذت إجراءات استثنائية بحق اعدائها، وأصدرت قوانين وأسست محاكم لحماية الثورة!
في هذا السياق برزت فكرة 'تطهير القضاء' التي اخذت شكل مشروع قانون لتعديل قانون السلطة القضائية، قدمه أحد حلفائهم في 'مجلس الشورى' من أعضاء 'حزب الوسط'، يقضي بتخفيض سن الإحالة للتقاعد لأعضاء الهيئات القضائية من 70 سنة إلى 60 سنة.. وهو ما سوف يترب عليه - كما قال المرشد العام السابق للجماعة في حديث صحفي - إحالة 3500 قاض إلى التقاعد.. يشكلون حوالي ثلث عدد أفراد الهيئات القضائية لكي يحل محلهم محامون ينتمون إلى الجماعة وحلفائها، وبذلك تتم 'أخونة القضاء'.
ووجد أصحاب المشروع في صدور الحكم بإنهاء الحبس الاحتياطي للرئيس السابق حسني مبارك في قضية *** المتظاهرين بعد أن انتهت مدته بحكم القانون، فرصة ظنوها سانحة لإثارة غضب المواطنين على القضاء، فاسرعوا يدعون إلى 'مليونية تطهير القضاء'، ويذرفون دموع التماسيح على دماء الشهداء، ونسوا أن الجماعة وحلفاءها سبق أن اتخذت من الأحكام التي صدرت في قضايا *** المتظاهرين، ذريعة لعزل النائب العام السابق، بدعوى أنه تقاعس في جمع الأدلة ضد المتهمين، ووعد الرئيس مرسي بأن النائب العام الجديد سوف يجمع هذه الأدلة ويقدمها إلى المحاكم، ثم تبين للجميع، أن لا أدلة هناك ولا من يحزنون، وأن عزل النائب العام السابق كان خطوة في مسلسل 'أخونة القضاء' وأن الجماعة لا يعنيها القصاص للشهداء، أو محاكمة الذين ***وهم، بل مجرد استغلال قضيتهم لتحقيق هدفها في التمكين لسيطرتها على كل مفاصل الدولة.. وأنها توجه عدوانهم نحو النظام السابق، الذي أصبح أثراً بعد عين، ولم يعد وارداً بأي حال أن يعود إلى السلطة، لكي تخفي عجزها عن حل مشاكلهم، وإصرارها على أن تقيم نظاماً استبدادياً يحل محل النظام الذي رحل.
أما وقد انكشف 'الملعوب الإخواني' فقد كان طبيعياً أن تنتهي مليونية تطهير القضاء بصدامات بين الداعين إليها، وبين القوى الشعبية التي اكتشفت أنه مجرد ملعوب إخواني يهدف إلى 'أخونة القضاء'!
http://www.maanpress.com/arabic/?action=detail&id=21580